شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
روايات الجدّات… تفاصيل عن الجمال الفلسطيني قبل النكبة

روايات الجدّات… تفاصيل عن الجمال الفلسطيني قبل النكبة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 15 مايو 202011:17 ص

فتحت السيّدة الفلسطينية حربة أبو زكري، البالغة من العمر مئة عام تقريباً، دفاتر ذاكرتها المليئة بالأحداث والتفاصيل عن جمال نساء فلسطين وأدوات تزّينهم خلال مرحلة شبابها، قبل رحلة تهجيرها، برفقة أسرتها، من بلدة بئر السبع الواقعة جنوب فلسطين، بعد حلول النكبة الفلسطينية في 15 أيار/ مايو 1948.

"طقوس الفرح في ذلك الوقت كانت ممتعة جداً"، تروي لرصيف22، وتضيف: "كان كلّ أفراد العشيرة يجتمعون بشكلٍ تنفصل فيه النساء عن الرجال، للاحتفاء والغناء للعروسين، وكان العريس لا يرى عروسه إلا بعد ليلة الزفاف، وكانت تتزين له فيها" بمختلف الوسائل المتاحة في البيئة البدوية، حينذاك، والتي تشمل الكحل العربي، والنقش بالحناء، والوشم على الوجه.

تقول ضاحكةً: "كلّ البنات كانوا حلوات في ذلك الوقت، يعني هالأشياء ما كانت تفرق معهن كثير"، مضيفة: "لم تكن النساء يعرفن طرقاً متعددة للزينة، فالأمور تسير ببساطة، وكل شيء تتفوق فيه طبيعته".

تفاصيل "جمال الجدّات"

تسريحة شعر النساء البدويات الفلسطينيات كانت عبارة عن تجديلة بسيطة خاصّة، إذ "كانت معظم شعورهن تمتاز بالنعومة والانسايبية والطول"، والأخير كان يُعَدّ من أهم صفات الجمال الخاصة بالمرأة العربية، كما تروي السيدة حربة، شارحةً أنّهن كنّ يستعملن قطع خيوط الحرير لربط الشعر، والتحكم بتسريحته وشكله.

مساحيق التجميل التي كانت تُستخدم حينذاك، تركزت في "الكحل العربي" الأسود، والذي لم تعرف العشائر غيره إلا بعد الهجرة من الأرض، والتعرّف على أنماط الحياة في البلاد والمناطق المجاورة، والتي كانت تمتاز طبيعتها بالمدينية المنفتحة على العالم.

خلال حديثها، تناولت السيّدة حربة قطع قماش وبضعة خيوط، من كيسٍ مزركش تضعته إلى جنبها، وراحت تكمل صناعة قطعة ملابس ملوّنة أرادت أن تهديها لحفيدتها.

وتقول: "صناعة الملابس كانت أفضل من اليوم. الثوب البدوي الواحد كان يحتاج شهوراً طويلة لصناعته، لكنّه كان يصمد على جسد الفتيات سنوات كثيرة، قد تزيد عن الثلاثين، ويتحوّل بعدها إلى قطعة تراثية ممكن أن تُزيَّن جدران البيوت، والمقاعد العربية بها".

ألوان الأثواب، تضيف، دائماً تكون سوداء، وتُضاف بعض الرسومات المستوحاة من الحياة والطبيعة عليها، بواسطة خيوط حريرية ملوّنة.

تذكر أنّ أساساً آخر لزينة النساء كان الوشم على الوجوه، والذي غالباً ما كانت تتولى مهمة إنجازه "الغجريات"، ويتم من خلال "دقّ" رسماتٍ متنوعة، على الوجه الأيمن والأيسر، وتستخدم فيه إبرة صغيرة، تُحَمّى على النار.

ومن أشهر النقوش التي تزّينت بها وجوه الفلسطينيات، كان نقش "السمكة، والورود، والنقوش الناعمة من خطوط وأشكال رمزية أخرى".

ولا تنسى الجدة التي تقطن حالياً في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، الحديث عن "البرقع" وهو قطعة قماشية تُعلَّق عليها مجموعة من قطع النقد الحديدية، وكانت تستعمله نساء البدو لتغطية وجوههنّ والتزيّن في المناسبات.

إرث قديم وهوية

يروي الفنان التشكيلي محمد أبو لحية، وهو أحد مؤسسي "متحف القرارة الثقافي" الواقع في خانيونس، جنوب قطاع غزة، مع زوجته الفنانة التشكيلية نجلاء أبو نحلة، ويضم آلاف القطع الأثرية، من بينها مكاحل نحاسية، وبراقع، ومعدات تُستخدم في صنع الحناء والتزين، أنّ تلك الأدوات جُمعت من مناطق مختلفة داخل القطاع وخارجها، عن طريق كبار السن الذين لا زالوا يحتفظون بها، ومن خلال البحث في الأماكن الأثرية المكتشفة داخل غزة.

ويقول لرصيف22 إنّهم جهزوا داخل المتحف قسماً خاصاً لتلك المقتنيات، للتأكيد على أن الحياة الفلسطينية، لا سيما في فترة ما قبل النكبة، كانت زاخرة بالتنوع الحيوي والجمالي.

وجاء في المعلومات الواردة في مركز المعلومات الفلسطيني، أنّ الزي الفلسطيني النسوي، كان يتقسم في فترة ما قبل النكبة إلى مجموعة أنواع، يتم استعمالها وفق طبيعة الحياة والحاجة، والطقس والعمر وغيرها من العوامل.

فهناك، الثوب المجدلاوي الذي كانت نساء بلدة المجدل وغزة يشتهرن بصناعته، ويستخدم فيه القماش المقلم، والثوب الجلجي وكان يُحاك من قطع قماش زرقاء وبيضاء، والثوب أبو ميتين الذي يشبه في تفصيله الجلجلي، مع اختلاف لون الحواشي، وكذلك هناك الثوب الشروقي، ويمتاز بقدم تاريخ تصميمه، إضافة إلى أنواع أخرى كثيرة.

"كلّ البنات كانوا حلوات في ذلك الوقت، يعني هالأشياء ما كانت تفرق معهن كثير... لم تكن النساء يعرفن طرقاً متعددة للزينة، فالأمور تسير ببساطة، وكل شيء تتفوق فيه طبيعته"

كما أنّ النساء كنّ يستعملن عُصب الرأس المتنوعة للتزيّن، ومنها، عصبة الصفّة، وسميت كذلك لأنّ النساء كنّ يقمن بصفّ الذهب والدراهم الفضية عليها، وعصبة الصمادة التي كانت تصنع من نفس قماشة الثوب الذي تلبسه المرأة، إضافة إلى عصبة الطواقي، وتشبه إلى حدٍ كبير عِقال الرجل، وتُطَرَّز بالألوان اللافتة، وأنواعاً أخرى من العصب.

عصبة الصمادة

وظهر في خارطة منشورة على المركز، الاختلاف الواضح جداً، بين المدن الفلسطينية، في طبيعة لباس النساء، فلكل واحدة لون خاص وطريقة خياطة منفصلة، ونوع قماش مميز، وهذا دليلٌ بائن، على الأهمية التي كان يحظى بها موضوع اللباس والتزّين، لدى الفلسطينيات في فترة ما قبل النكبة.

صناعة الكحل التقليدية

تعلّمت السيّدة هادية قديح (64 عاماً) على يديّ والدتها وجدتها، قبل أكثر من خمسين عاماً، صناعة الكحل العربي على الطريقة التقليدية البدائية، وأتقنت أيضاً الطرق المُثلى لاستعماله كزينة، هو وغيره من أصناف مرطبات الشفاه، وأدوات التجمّل الأخرى.

تروي لرصيف22 أنّها منذ الصغر كانت تهتم بمشاهدة أمها ونساء البيت وهنّ يتجهزن للأفراح والمناسبات السعيدة التي كانت تُقام وقتذاك داخل المنازل، موضحةً أنّ تلك الأمور كانت بسيطة، ولا يوجد فيها تكلّف كبير كما اليوم.

أُم هادية التي أنجبت ابنتها في عمر الثلاثين تقريباً، عاشت أيام ما قبل النكبة، بكل التفاصيل والحكايات الجميلة، فالنكبة حلّت على شعب فلسطين، وهي في عمر الثانية والعشرين تقريباً، وكانت تقتنص كلّ الفرص لتخبر الجميع عن الحياة قبل ضياع الأرض والحقوق.

تروي السيدة هادية أنّها وُلدت في مدينة خانيونس، ووالدتها كذلك، والأخيرة لم تعش تفاصيل الهجرة من مكانٍ إلى مكانٍ، لكنّها عاشت الفرق بين "الحياة الحرّة"، و"الحياة تحت وطأة الاحتلال والحكم الخارجي"، وشهدت أحداث العدوان الثلاثي عام 1956، وبعدها حرب سنة 1967.

وتلفت إلى أنّ لباسهم التقليدي كان يتلخص بالثوب التراثي، وفي أوقات العمل في الزراعة والأرض يزيد عليه "الداير" وهو قطعة قماشية فضفاضة، تشبه التنورة النسائية.

واستعملت النساء القرويات والبدويات، في فترة ما قبل النكبة، المساحيق الناتجة عن عملية تجفيف بعض أوراق النباتات الطيبة، مثل "زهر الحنون" والورود ذات الألوان الزاهية، لترطيب الشفاه وزيادة نضارة "الخدود" وجمالها.

الثوب "وصية متوارثة"

قصصٌ كثيرة من تفاصيل الحياة قديماً لا زالت عالقة في ذهن السيّدة هادية. منذ سنوات شبابها، حرصت على الحفاظ على موروثها الثقافي والاجتماعي الذي حمّلته إياه والدتها، وأوصتها به في آخر حديثٍ دار بينهما قبل وفاتها.

"الثوب البدوي الواحد كان يحتاج شهوراً طويلة لصناعته، لكنّه كان يصمد على جسد الفتيات سنوات كثيرة، قد تزيد عن الثلاثين، ويتحوّل بعدها إلى قطعة تراثية ممكن أن يتم تزيين جدران البيوت، والمقاعد العربية بها"

وعملاً بوصية أمها، لم تلبس طوال أيام عمرها سوى الأثواب الفلاحية التي تصنعها بيديها، ولم تستعمل في زينتها غير الكحل الطبيعي الذي تصنعه بنفسها.

تنوّه إلى أنّها علّمت بناتها وزوجات أبنائها وأحفادها الصغار طرق إعداده، كما أنّها تحرص على إهدائه لنساء حيها وعائلتها، لاستعماله في المناسبات السعيدة، بعد أن تضعه في مكاحل نحاسية قديمة.

وتكمل: "كنا نستعمل في السابق العطور المستخلصة من النباتات المتنوعة، كالنعناع، والليمون والريحان، لتعطير الملابس والأثواب، وكانت الرائحة التي تنبعث منها قوية جداً وجميلة، بشكل مضاعف، عمّا نعرفه اليوم".

يقول أستاذ التاريخ في جامعة الأقصى في غزة، خالد صافي، إنّ طبيعة الزينة الفلسطينية للنساء كانت تختلف بين القرى والمدن، وبين المناطق البدوية، في كثير من الأمور، لكنّها وعلى الرغم من ذلك تشابهت في أخرى، ومنها "الحناء"، التي كانت تستعلمها النساء بألوانها المتعددة للتجمّل، وإخفاء بعض الشيب إذا ما ظهر في الرأس.

ويضيف لرصيف22: "الكحل والأثواب المطرزة، وعقود الذهب وقروطه، ومعلقات الأنف الذهبية، والوشم على الوجوه واليدين والذقن، كانت من أبرز أدوات التجمّل والتزين لدى النساء"، منبهاً أنّ الأثواب واللباس كان أيضاً من تلك الأدوات.

ويشير إلى أنّ بلدة المجدل، الواقعة شمال قطاع غزة، كانت تُعتبر عاصمة تصنيع القماش والنسيج في فلسطين، وكانت تصدّره إلى باقي المناطق، وهناك تفصّله النساء، حسب العادات والتقاليد المُتبعة في القرى.

حياة المدينة المختلفة

طبيعة الحياة المدينية في فلسطين، لا سيما في مناطق حيفا ويافا وعكا، التي تشتهر منذ وقت طويل بأنّها مكان تحط به كلّ الأجناس، من كلّ أصقاع الأرض، للتجارة والترفيه، كانت مختلفة.

الانفتاح الذي عاشته تلك المدن ترك أثراً على نسائها، إذ تأثرت طبيعة حياتهن وزينتهن كثيراً بالحضارات الغربية، خاصّة البريطانية، كون بريطانيا كانت تشكل في ذلك الوقت "سلطة الانتداب" التي تدير شؤون البلاد، إلى ما قبل وقت وقوع النكبة.

تروي السيّدة صبحة المصري، التي تهّجرت مع أهلها من مدينة يافا عام 1948 إلى قطاع غزة، وكانت آنذاك تبلغ من العمر 13 عاماً، أنّ حياتهم في فترة ما قبل النكبة، "كانت مليئة بتفاصيل الجمال والحبّ".

منطقة سكن المصري السياحية التي كان يتركز فيها عدد من مفاصل حكم الانتداب، جعلها مميزة باختلافها عن باقي المناطق، وترك الاختلاط آثاراً على أهلها الذين كانوا يتابعون آخر صيحات الموضة والأزياء العالمية.

تروي لرصيف22 أنّ لبس النساء كان "قصيراً" وكان عبارة عن "فساتين مزركشة"، و"تنانير"، متذكّرة أنّهن كثيراً ما كنّ يستمعن للأغاني القديمة التي كانت تبثها الإذاعات، والتي غالباً ما تعج كلماتها بعبارات العشق والغرام.

وسمعت "الحاجة صبحة" من أمها وعماتها، كثيراً عن قصص الحبّ التي نُسجت بين صبايا يافا وشبابها في مدارس المدينة وجامعتها.

وتحكي أنّ جمال الفتيات كان جذاباً جداً، وكثيرات منهن كنّ يحرصن على قص شعورهن على الطرق العصرية، ويقلدن قصات شعور الشابات اللواتي تصل صورهن إليهنّ عبر أغلفة المجلات والصحف التي كانت توزع آنذاك من خلال مكاتب البريد.

وكانت "الحناء" الطبيعية، وفقاً لها، من بين أبرز منتجات التجميل التي كانت تتفق على استعمالها نساء المدن والريف، وكانت هناك سيدات متخصصات في نقشها على اليدين، بطرق رائعة، وتصميمات ترى أنّها الأجمل على الإطلاق.

"كانت نساء المدن يعملن على تقليد الفنانات والمغنيات اللواتي كنّ يشاهدن حفلاتهن على مسارح المدن الفنية، التي كانت تزدهر في ذلك الوقت"، يقول الدكتور صافي.

ويتابع: "كنّ يُقبلن بشكلٍ كبير على شراء مستحضرات التجميل المتنوعة التي تشمل أحمر الشفاه والمرطبات والعطور وغيرها من الأدوات التي كانت تساهم في زيادة جمالهن وجاذبيتهن".

وعن العرس الفلسطيني بشكلٍ خاص، يروي أنّ العروس كانت ابنة بيئتها، وتخضع في تجمّلها لنفس معايير الجمال التي تخضع لها باقي النساء، مع إضافات بسيطة لها علاقة بالاستحمام بماء الزهر والورد، والحرص على إبراز أدوات الزينة الأخرى من كحل وأحمر شفاه وغيرها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image