مقاومة الاحتلال في شوارع حي "الشيخ جراح" بمدينة القدس المحتلة مستمرة لليوم العاشر على التوالي.
ويقطن سكان حي الشيخ جراح، الواقع خارج أسوار البلدة القديمة في القدس مباشرة بالقرب من باب العامود الشهير، في تلك المنازل منذ خمسينيات القرن الماضي، بينما يزعم المستوطنون اليهود أنهم اشتروا الأراضي، بشكل قانوني، من جمعيتين يهوديتين اشترتا الأرض منذ أكثر من 100 عام.
أثارت الاقتحامات واستفزازات المستوطنين غضب الأدباء والمثقفين الفلسطينيين في الداخل والخارج، فراحوا يبدون تضامنهم مع أهالي حي "الشيخ جراح"، عبر هاشتاجات: "#الشيخ_جراح ،#الشيخ_جراح_في_خطر ، #حي_الشيخ_جراح ، #انقذو_حي_الشيخ_جراح ،#لن_نرحل ، #القدس_تنتفض".
واستنكر المثقفون التوسع الاستيطاني ومواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي مصادرة الأراضي بطريقة ممنهجة، معتبرين أن الصمود والتحدي هو الخيار الوحيد للفلسطينيين.
كما يشارك عدد من أدباء الداخل الفلسطيني، ولا سيما المقدسيون منهم، ضمن فعاليات تضامنية مع أهالي "الشيخ جراح"، مثل الإفطار الجماعي هناك، إلى جانب الوقفات الاحتجاجية، وكلاهما لم يسلم من اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين؛ حيث قام مستوطنون برش غاز الفلفل على فلسطينيين شاركوا في موائد إفطار رمضانية في حي "الشيخ جراح".
مؤشر على ما تنوي دولة الاحتلال تنفيذه في القدس كلها
من جهته، يؤكد الأديب الفلسطيني محمود شقير، ابن مدينة القدس المحتلة، لرصيف22، أن ما يجري في حي الشيخ جراح من ممارسات عنصرية إقصائية إسرائيلية، إنما هي مؤشر على ما تنوي دولة الاحتلال تنفيذه في القدس كلها وليس فقط في حي الشيخ جراح؛ حيث يجري الاستيلاء على بيوت المقدسيين وتهجيرهم بشكل مباشر من القدس، وذلك للاستمرار في تهويدها وأسرلتها، وإحلال مستوطنين يهود في مكان المواطنين المقدسيين، أهل المدينة الأصليين".
الروائية الفلسطينية صونيا خضر: "ما يحدث في الشيخ جراح سيتكرّر في أحياء أخرى ومدن فلسطينية أخرى في حال نجحوا في ذلك، لكن الشباب المقدسي والفلسطيني هم أملنا الوحيد وهم وحدهم من يتصدون وسيتصدون للدفاع عن القدس"
ويضيف شقير: "إن مخطط الترحيل وتهجير المقدسيين والاستيلاء زوراً وبقوة السلاح على بيوتهم وأملاكهم، يتم في ظل الضعف العربي والتشرذم وفي ظل اكتفاء الاتحاد الأوروبي وغيره من قوى السلام في العالم بإصدار بيانات الشجب والإدانة؛ في حين المطلوب إجراءات عملية لمعاقبة دولة الاحتلال وردعها، وتمكين الشعب الفلسطيني من الخلاص من هذا الاحتلال العنصري البغيض".
الوقع علينا أشد إيلاماً بسبب جدار الفصل العنصري
بينما تقول الكاتبة الفلسطينية بديعة زيدان، المقيمة بمدينة رام الله: "العديد من المثقفين الفلسطينيين أدباء وفنانين لديهم من الصداقات الكثير حول العالم وهو ما يجعل من صفحاتهم عبر مواقف التواصل الاجتماعي منصات إعلامية عربية ودولية، فهم عبر نقل ما يجري في حي الشيخ جراح وشرحها والتعليق عليها، أو عبر محاكاتها بنص شعري أو سردي فإنهم ينشرون القضية عالمياً".
وتتابع بديعة: "شاهدنا وشاهد العالم الاعتداءات اليومية على الأهالي في حي الشيخ جراح، الذي لا يمكننا، نحن سكان الضفة الغربية، الوصول إليه بسبب الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري، لذلك يكون الوقع علينا أشد إيلاماً. فأنا من سكان مدينة رام الله التي تبعد عن القدس مسافة 15 كم تقريباً، أي أقل من ربع ساعة بالسيارة ولا أستطيع دخولها".
صراع على الرواية والذاكرة كما هو صراع على الجغرافيا
في حين يرى الكاتب الصحفي والناقد السينمائي الفلسطيني يوسف الشايب، الصراع الفلسطيني مع الاحتلال لطالما كان صراعاً على الرواية والذاكرة، كما هو صراع على الجغرافيا التي هي مكون أساسي لهذه الذاكرة ولهذه الرواية.
ويقول الشايب: "ومن هنا تتأتى المساعي الإسرائيلية ومنذ احتلال العام 1967 إلى تهويد القدس وطمس هويتها العربية الفلسطينية عبر طرق شتى، من بينها ما لا يبتعد عن الثقافة بمفهومها الواسع، كتغيير أسماء الشوارع والحارات في القدس، والسطو على المباني التاريخية والدينية وحتى المقابر، وبينها المتحف الفلسطيني الذي تأسس إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، والحارة البخارية، والقائمة تطول، وليس آخرها حي الشيخ جراح".
ويضيف: "حي الشيخ جراح حي عربي صاف، لكونه تأسس بعد النكبة، وخلال فترة الحكم الأردني، إذن فإنه يكتسب خصوصية ما في هذا الاتجاه، وبالتالي فإن مساعي السيطرة عليه من قبل عصابات المستوطنين والاحتلال يعتبر خطوة متقدمة في سياسات الاحتلال، لجهة السيطرة على ما هو أحدث، كما تم السطو على غيره سابقاً وبالتالي تهويد القدس بكاملها.
وهنا يأتي دور المثقف الفلسطيني للانتصار لحظياً للشيخ جراح وأهله وللقدس عامة عبر الكتابة الإبداعية، أو استعادة بثّ أفلام وثائقية وروائية حول القدس، والأهم بناء استراتيجية ثقافية للتأكيد عبر الفنون جميعها على عروبة القدس وأصالتها، والتأكيد على كيف كانت من أبرز الحواضر الثقافية عربياً".
وصمة عار في تاريخ القيادة العربية
فيما تقول الكاتبة الفلسطينية أهداب حوراني، المقيمة في مدينة حيفا، إن محاولات تهجير سكان حي الشيخ جراح ما هي إلا تذكير بنكبة شعبنا المستمرة، لا يمكن التعامل بهذه القضية بقانون الدولة، بل الصمود والمقاومة بكل الوسائل. لا تنتظروا أحداً كما فعل الفلسطينيون سنة 48، فالبقاء للقوي فقط، القضية ليست قانونية إنما سياسية ووجودية، لا بل مفصلية، باختراق الأحياء العربية بالقدس الصامدة، يجب رفع الوعي كي نمنع نكبة جديدة تلبس حلّة قانون الدولة الابرتهايدية. الشيخ جراح هو جرح غير مندمل للشعب الفلسطيني، إما الفلسطينيون وإما المستوطنون".
وتضيف حوراني: "نحن المثقفين ندعمهم بالمظاهرات والاحتجاجات ونشر الموضوع، وهناك الحراك الفحماوي يدعو للوصول إلى الشيخ جراح والإفطار معهم والتواجد معهم.
يرى الكاتب الصحفي والناقد السينمائي الفلسطيني يوسف الشايب، الصراع الفلسطيني مع الاحتلال لطالما كان صراعاً على الرواية والذاكرة، كما هو صراع على الجغرافيا التي هي مكون أساسي لهذه الذاكرة ولهذه الرواية
وهناك مستوطنون اعتدوا على موائد إفطار في الشيخ جراح، وكلنا شاهدنا هذه الاعتداءات في بث مباشر على مواقع التواصل، هذا هو المستوطن وهذه هي أفعاله، فهم يفعلون أي شيء من أجل الاستيطان. الذي يحدثُ الآن وصمة عارٍ في تاريخ القيادة العربية، هو إعلان وقح أن القدس لا تعنينا".
ما يجري في حي الشيخ جراح هو تغريبة أخرى
بينما تؤكد الروائية والشاعرة الفلسطينية صونيا خضر، المقيمة بمدينة رام الله، أن ما يجري في حي الشيخ جراح هو تغريبة أخرى، أسلوب مكرر لهمجية الاحتلال ولا إنسانيته، يحاولون بكافة الطرق إخلاء المدينة المقدسة من سكانها وأهلها الحقيقيين بذرائع وقحة، ولا يتوانون عن قمعهم حين يقاومون ويرفضون الإخلاء.
وتضيف صونيا: "ما يحدث في الشيخ جراح سيتكرّر في أحياء أخرى ومدن فلسطينية أخرى في حال نجحوا في ذلك، لكن الشباب المقدسي والفلسطيني هم أملنا الوحيد وهم وحدهم من يتصدون وسيتصدون للدفاع عن القدس. هي حرب حقيقية يخوضها الشباب الفلسطيني العزّل ولن يتراجعوا مهما كلف الأمر، ونحن الفلسطينيين نثق بهم كل الثقة، ونعرف أنهم سيُفشلون مخططات الاحتلال وينتصرون للقدس عاصمة فلسطين".
حرب قذرة أكثر من حروب الغاب
وفي الختام، يقول الكاتب والصحفي الفلسطيني أمير أبو عيد، ابن مدينة القدس المحتلة، إن حي الشيخ جراح هو تجديد لنكبة 48 ومجزرة دير ياسين، وعار جديد على صمت العرب. حرب قذرة أكثر من حروب الغاب؛ لم تستثن رضيعاً أو عجوزاً أو امرأة أو ضريراً.
العالم يرى بعينيه على الفضائيات مباشرة كيف أُخرج سكان حي الشيخ جراح من بيوتهم بالقوة، وتكسّرت عظام من ساندهم بقلة حيلته من حرارة روحه على طهارة القدس، ووقع الكثير جرحى وأسرى إداريين، لا حكم عليهم حتى ينتهي الغاصب من إخلاء كامل الحي، والاعتداء اليومي على نساء العرب وشرف العرب وكرامة العرب، ومقدساتهم وأرضهم، ولا نهاية إن بدأت أحصي على ماذا اعتدوا؟".
ويضيف أبو عيد: "نحن في فلسطين تعاهدنا أباً عن جد بأن لا نستسلم وأن نحرر الأسرى والمسرى ونحرر أيضاً وهن العرب.
أتمنى أن يقرأ كل العرب هذه العبارة: أخبار فلسطين ليس لمن عنده فضول أن يسمع، فلسطين تمَجِّدُ كلَّ ماجِد وتبصُقُ كلَّ راضٍ ذليل، لهذا فلسطين أملها بالعرب وليس بحكام العرب، كل بلد عربي واجب عليه يتضامن مع فلسطين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...