لليوم الخامس عشر على التوالي تستفز إسرائيل، بقواتها الأمنية ومستوطنيها- الذين تحميهم هذه القوات- الفلسطينيين المحتجين بسلم على موائد الإفطار في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. في الوقت الذي انتشرت فيه حملة "أنقذوا الشيخ جراح" على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجاً على مخطط إخلاء 28 عائلة فلسطينية من بيوتها. وكانت هُجرت هذه العائلات من منازلها عام 1948، عَقِب النكبة، لتستقر عام 1956 في حي الشيخ جراح، لكن مأساة التهجير والنكبة عادت لتلاحقهم مرة أخرى. إذ يحاول المستوطنون الإسرائيليون، بمناصرة القضاء الإسرائيلي، اقتلاعهم من المكان. هذه العائلات سكنت في حيّ الشيخ جراح عندما كانت الأردن تُسيطر على الشقّ الشرقي من مدينة القدس الذي احتل عام 1967. حيث وفرت الحكومة الأردنية حينها الأرض للعائلات اللاجئة، فيما تبرعت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ببناء المساكن لها، بحسب الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين، وهو منظمة غير حكومية. يقضي الاتفاق بين العائلات اللاجئة والحكومة الأردنية بأن يتم تفويض الملكية للسكان بعد 3 سنوات من إتمام البناء، لكن احتلال إسرائيل لما تبقى من مدينة القدس في أعقاب نكسة 1967، حال دون متابعة تفويض الأرض، وتسجيلها بأسماء العائلات.
تأتي اقتحامات قوات الاحتلال لبيوت المهددين بالإخلاء، الاقتحامات، واستفزازات المستوطنين، تزامناً مع اقتحام المسجد الأقصى وحملة اعتقالات عنيفة تشنها القوات الأمنية الإسرائيلية هذه الليلة.
"تدعي الجمعيات الاستيطانية ملكيتها للعقارات في الشيخ جراح، لكن هذه الجمعيات بالأساس اشترت عقوداً مزيفة من يهود لا تثبت أي ملكية لهم فيها"
إذا كان القاضي غريمك
"إذا كان القاضي غريمك، فلمن تشتكي؟"، بهذه الكلمات بدأت منى الكرد، الشابة العشرينية والناشطة التي تنتمي لعائلة الكرد المهددة بالإخلاء لصالح المستوطنين. تقول الكرد لرصيف22، إنّ "العائلات المهددة بالإخلاء في حيّ الشيخ جراح، تنازل عن صفتها كعائلات لاجئة، مقابل تملك المنازل التي سكنوها بالاتفاق مع الحكومة الأردنية". وتضيف: "تدعي الجمعيات الاستيطانية ملكيتها للعقارات في الشيخ جراح، لكن هذه الجمعيات بالأساس اشترت عقوداً مزيفة من يهود لا تثبت أي ملكية لهم فيها". وتشير الكرد، وهي فرد من عائلة مكونة من 7 أفراد إلى أنّ "حيّ الشيخ جراح مستهدف منذ عام 1972، وبدأ المستوطنون بالسيطرة على عدد من المنازل منذ ذلك العام في الحيّ دون وجه حق أو اثباتات قانونية". مؤكدة أنّ "القضاء الإسرائيلي لا يمكن أن يكون محايداً، فهو يصدر قراراته بناء على أجنذة سياسية بحتة".وفي حديث مع يعقوب أبو عرفة، الذي سكنت عائلته عام 1956 في حي الشيخ جراح بعد أن لجأت من أراضي 48، وهو أحد أفراد أسرة مهددة بالإخلاء في الحي، قال لرصيف22: "إن الاتفاق الذي تنتظره المحكمة الإسرائيلية لن يتم. هم يطالبوننا بأشياء نرفضها تماماً. المستوطنون وشركة "نحلات شمعون" الاستيطانية المسجلة في الولايات المتحدة يدعون ملكية الأرض على الرغم من أنهم لم يثبتوها حتى اليوم. نحن لا نؤمن بالمحاكم الإسرائيلية، فهي غير عادلة وتابعة للمستوطنين. إن مطالبتنا بالتنازل عن الأرض غير شرعية، تهدف إلى جعلنا مستأجرين محميين. وذلك بهدف إقامة مشروع قدّمه المستوطنون والشركة تلك إلى بلدية القدس يسعى إلى بناء 12 وحدة سكنية للمستوطنين". ويضيف أبو عرفة: "رفضنا هذا الطلب وقلنا إننا مستعدون لوضع إيجار بيوتنا في صندوق المحكمة، على أن يأخذ المستوطنون هذه المبالغ مقابل إثباتهم لملكية الأرض، وإرجاعها في حال لم يثبتوها".
"تويتر قام بانتهاكات للمحتوى الفلسطيني بسبب التضامن ونقل النشطاء للاعتداءات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي"
"زعران" في منزلنا
تعيش منى الكرد وعائلتها، كابوساً منذ 12 عاماً، حيث "الزعران" الإسرائيليين يشاركونهم منزلهم. فتقول بشأن ذلك: "في عام 2000 قام أبي بتوسيع مساحة السكن في منزلنا، لأن العائلة كُبرت. لكن بلدية الاحتلال أغلقت المساحة المضافة وفصلتها عن المنزل القديم، بزعم عدم استصدار رخصة بناء من بلدية الاحتلال. عادة في هذه الحالات، تصدر بلدية الاحتلال في مدينة القدس أمراً بهدم المساحة التي بنيت بدون تصريح، لكنها أغلقتها وبعد 9 سنوات من التوسيع، أسكنت مستوطنين ذكوراً فيها". وتتابع: "هؤلاء المستوطنون مختارون بعناية؛ عنيفون وإرهابيون ومسلحون، ذكور فقط. وظيفتهم استفزاز وإرهاب الفلسطينيين في المكان. نتشارك مع هؤلاء "الزعران" المنزل نفسه تقريباً. فمدخلنا واحد، وساحة المسكنين واحدة، كانوا يعتدون على عمتي وجدتي المسنتين قبل وفاتهما دون رحمة". تستذكر الكرد تهجير عائلتين من الحيّ قبل قرابة 12 عاماً، بالقول: "في عام 2009، هُجرت عائلتي الحنون والغاوي، بناء على قرارات قضائية إسرائيلية ظالمة، ما دفع العائلتين لنصب الخيم والمبيت في الشارع لأكثر من 6 شهور، ويبدو أننا التاريخ يعيد نفسه، ولن نتخلص من مطامع الاحتلال في حينا".استفزازات تفوق التصورات
استفزاز إسرائيل بقواتها ومستوطنيها في حيّ الشيخ جراح، فاق كل التصورات، حتى طال مائدة رمضانية نُصِبت كأحد أشكال الاحتجاج السلمي ضد التهجير. ففي يوم الخميس الذي 6 أيار/ مايو، هاجم عدد من المستوطنين، الصائمين العُزّل على موائد الإفطار بغاز الفلفل، الذين بدورهم دافعوا عن أنفسهم بما توفر أمامهم من سلاح؛ الطعام والشراب والمقاعد. لم يكتف المحتلون بالاعتداءات واقتحام المنازل وإطلاق الرصاص الحيّ وترديد الشعارات الاستفزازية بحق الفلسطينيين والمسلمين، بل وصل بهم الأمر إلى أن يقوم نائب في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ببناء مكتب أمام المحتجين الفلسطينيين في حيّ الشيخ جراح، لكن المقدسيين دمروه.ولعل المستوطنين، بحماية قوات الاحتلال، قادرون على اقتحام البيوت بالقوة وسرقتها، دون أدنى اكتراث للمحاكم والقضاء. وفي سؤالنا حول السيناريوهات التي تتوقعها العائلات من قبل المستوطنين، يقول أبو عرفة: "نحن نتوقع هذا السيناريو. فنحن في النهاية نتعامل مع مستوطنين وقضاة صهاينة. وقد نصل إلى مرحلة كهذه. هم يتقدمون للمحكمة ضدنا كأفراد وليس كجماعة. نحن 28 بيتاً يستفردون بنا حين يتقدمون بدعوى ضد عائلتين أو ثلاث. الآن القضية ضد أربع عائلات، وفي الأشهر القادمة ستُقدّم قضية ضد ثلاث عائلات أخرى".
"الإسرائيليون مسيطرون على العالم، وها هم يضربون كل شيء بعرض الحائط من أجل تهويد القدس. لكننا سوف نبقى في الشارع، نناضل ونرفض حتى آخر قطرة دم"
وحول رد الفعل الذي ستتخذه العائلة في حال استُخدمت القوة وأخلي البيت، يؤكد أبو يعقوب: "مشكلتنا ليست قضائية. فالقضاء غير عادل بالمطلق. مشكلتنا سياسية صرفة. نحن نحاول الضغط على الحكومة الأردنية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا ودول أخرى. لاحظنا بأن الضغط على إسرائيل بدأ يُمارس من أجل وقف هذا النزيف. لكن للأسف، الإسرائيليون مسيطرون على العالم، وها هم يضربون كل شيء بعرض الحائط من أجل تهويد القدس. لكننا سوف نبقى في الشارع، نناضل ونرفض حتى آخر قطرة دم".
"السوشيال ميديا" أداة احتلالية أخرى
لم تعد الأسلحة الفتاكة والتكنولوجية بحوزة الاحتلال، أدوات "إسرائيل" لتحقيق أهدافها الاستعمارية، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة أخرى للتمكن من عزيمة الفلسطينيين وبحثهم عن حقهم. تقول مبادرة "صدى سوشال" الفلسطينية، إن موقع "تويتر" أغلق أكثر من 50 حساباً لنشطاء فلسطينيين. وجاء في منشور على صفحتهم الرسمية في "فيسبوك": "تويتر قام بانتهاكات للمحتوى الفلسطيني بسبب التضامن ونقل النشطاء للاعتداءات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في حي الشيخ جراح بمدينة القدس. تويتر يعاقب الحسابات التي تنقل اعتداءات الاحتلال في حي الشيخ جراح". وكانت هذه الحسابات قد نشرت تغريدات تتضمن وسم انقذوا الشيخ جراح باللغة العربية والانجليزية". واعتبر مركز صدى سوشال إغلاق هذه الحسابات بأنه "عقاب للنشطاء وتواطئ بين إدارة تويتر وأجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي وذلك لخفض التفاعل مع قضية الحي".إنستغرام يحذف قصص ناشطين فلسطينيين تظهر لنا ما يحدث في الشيخ جراح، ليس لدينا حتى أبسط حق في نقل ما يجري
ويقول المصور الصحفي هشام أبو شقرة، أحد الناشطين الذين تم حجب صفحتهم الرسمية على موقع "تويتر": "تم حجب صفحتي على الموقع بسبب منشور وثقت فيه لحظة قيام مستوطنين إسرائيليين بالاعتداء على المتضامنين والأهالي في حيّ الشيخ جراح باستعمال غاز الفلفل على مأدبة الإفطار". ويضيف: "لا أدري أين الخطأ في منشوري؟ أين التحريض؟ نحن صحفيون نحاول نقل الوقائع للعالم دون تزييف أو مبالغة، هذا فعلاً ما يقوم به المستوطنون في القدس. ما تقوم به تطبيقات التواصل الاجتماعي عبارة عن تساوق مع رواية الاحتلال الإسرائيلي. فالسلطات الإسرائيلية تضغط على إدارات هذه التطبيقات، من أجل الحد من نشر الرواية الفلسطينية مثل قضية الشيخ جراح". ويضيف: "هاشتاغ (أنقذوا الشيخ جراح) لاقى صدى كبيراً في العالم العربي خاصة، والعالم عامة. وذلك استفز إسرائيل، فلجأت للحرب الرقمية ضدنا". ويشير أبو شقرة إلى أنّ "هدف إسرائيل الآن هو الحد من إيصال المعلومات الصحيحة والرواية الفلسطينية".
حساب منى الكرد على موقع "انستغرام"، لم يسلم هو الآخر من الحجب، بسبب "القصص المباشرة" التي تنشرها على التطبيق. تقول منى: "كنت أنشر أحداث الشيخ جراح، لحظة بلحظة. لم أحرض. حاولت أن أظهر للعالم من هم المستوطنون ومن هم قوات الاحتلال. رغم ذلك اتهمني موقع انستغرام بأنني أنشر تحريضاً وإرهاباً، لكن فعلياً كنت أنشر الحقيقة لا غير". رغم ذلك، نجح بعض خبراء وسائل التواصل بإرجاع حساب الكرد، بعد ساعات من حجبه. وحول ذلك تقول منى: "نحب شعب لا نكل ولا نمل، سنقاوم بشتى الطرق، على الأرض وعلى الصعيد الرقمي".
"هاشتاغ" أنقذوا الشيخ جراح
"أنقذوا حي الشيخ جراح"، هاشتاغ انتشر عالمياً باللغتين العربية والإنجليزية تضامناً مع أهالي الحي. أسامة موسى نشر تغريدة على "تويتر"، حاكى فيها بين اعتقال أحد المتظاهرين في حيّ الشيخ جراح، واعتقال الشرطة الأمريكية للأفريقي من أصل أمريكي جورج فلويد في عام 2020، مرفقاً التغريدة بهاشتاع "أنقذوا الشيخ جراح". أما علي الطويل، فقد نشر تغريدة للافتة كتب عليها باللغة الإنجليزية: "حياة الأفارقة والفلسطينيين مهمة"، مرفقاً إياها بـ"الهاشتاغ" المذكور. من جهتها، قالت فرح البرغوثي في تغريدة مرفقة بالهاشتاغ على موقع "تويتر": "إنستغرام يحذف قصص ناشطين فلسطينيين تظهر لنا ما يحدث في الشيخ جراح، ليس لدينا حتى أبسط حق في نقل ما يجري. نحن نرفض أن يتم إسكاتنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون