شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"كرهت جنس الذكور"... عندما تحبّ الأخت وتعشق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 10 أبريل 202106:16 م

في معظم مجتمعاتنا، يصعب على المرأة أن تتزوج بدون موافقة الأهل، وهو الأمر الذي لا يتحكم فيه الأب والأم فقط، ولكن يتدخل الإخوة ليقرروا المساحات المحرمة التي لا يجوز لأختهم أن تقترب منها، حتى لو أقرها القانون والشرع والعادات الذكورية.

"حرمني أخي من الشخص الذي أحبه، بعد قصة حب رسمت خلالها أحلاماً وردية، لا أزال أعيش صداها حتى هذه اللحظة. بت أشعر أني خادمة المنزل كما كان يرغب أهلي"، هكذا تروي الفتاة الأردنية مريم العري (23 عاماً)، قصتها لرصيف22.

النظرة الخاطفة، والابتسامة الخجول، بداية قصتهما.

الصحافية العري التي وقعت بحب شاب، جمعتهما الصدفة خلال تدريب مهني منذ عام ونصف، لتكون تلك النظرة الخاطفة، والابتسامة الخجول، بداية قصتهما.

بدأت المحادثات تتوالى يوماً تلو الآخر حائكةً قصة حب يملؤها الكثير من المشاعر، والحنان، ولم يطل الوقت حتى رغب في التقدم للزواج بها.

تفاجأت العري ذات يوم بدخول أخيها المنزل، والغضب يغزو ملامح وجهه، وسحب هاتفها المحمول، والحاسوب، وأغلق عليها باب غرفتها.

بدأت تتوارد الأفكار في ذهنها، ماذا يحصل؟ ولم يطل الوقت حتى عرفت أن أختها الكبرى أعلمت أخاها أنها تحادث شاباً، ويريد أن يأتي للتقدم إليها خلال الشهر الجاري، وبدأ الخوف يسود قلبها من أن يعلم أبوها بالأمر كونه مريضاً، ويرقد بالفراش.

تقول: "تمكن أخي من محاصرتي، مستغلاً ظروف والدي الصحية، وانفراده بزمام أمور البيت، ليجلس معي جلسة تحقيق، حتى جعلني أنظر لنفسي كأنني متهمة داخل قفص المجرمين، وبدأ يتحقق من كل شيء، وكان قلبي يتقطع، وأختي الكبرى التي فسخت خطوبتها منذ عامين ترى أنها فعلت الصواب، وأما أخي الذي أحب شابة، وذهب للخارج لكي يتزوجها، وجلب العديد من الإشكاليات، كان بقمة السعادة لما فعله".

لم تفهم العري محاولات أخيها لترهيب حبيبها، حتى لا يتقدم لها، خاصة بعد أن عرف بقصة حبهما. هل يرى الحب منحة للذكور خاصة، هل هي غيرة قبلية؟ أم يريدون الأخت أن تعيش خادمة لهم في المنزل؟

ولا يزال حبيب العري متمسكاً بها، ويخوض جدلاً وراء جدل مع أخيها.

"هدّد حبيبي بالقتل"

عاشت فريال عبد الحق (24 عاماً) أحداثاً صاخبة في عائلتها، بسبب إصرار أخيها على الزواج بمن أحبها، واستغربت تلك العاطفة التي تحول البشر، وتجعلهم متمسكين بشيء ما، ويصطنعون المشاكل، ويتحدون الجميع.

فريال، التي تعمل مهندسة ميدانية في قطاع غزة، لم تكن تتخيل أنها ستعيش هذا الإحساس، كان ذلك منذ ستة أعوام، تصفها قائلة: "سنوات جميلة، كونها مختلفة عن المراحل السابقة بحياتي".

منحها عملها التعرف على العديد من الأشخاص من كلا الجنسين، وكانت بنفس الوقت لا تؤمن بالحب كونها محافظة، حتى وقعت في حب زميلها، ليبدآ قصة حب منذ صيف 2019، التاريخ الذي لن يمحى من مخيلتها، بحسب تعبيرها.

لم تفهم العري محاولات أخيها لترهيب حبيبها، حتى لا يتقدم لها، خاصة بعد أن عرف بقصة حبهما. هل يرى الحب منحة للذكور خاصة، أم يريد من الأخت أن تعيش خادمة في المنزل؟

ومع مرور الوقت بدأ الحب يكبر، واستعد حبيبها لطلب يدها من أهلها، كما يجري العرف، كان الخوف يسيطر عليها من ردة فعل والدتها التي تعتبرها "ملجأها الآمن".

جاءت ردة فعل والدتها إيجابية، وطلبت أن تجلس مع الشاب جلسة هادئة للتعرف عليه. كانت الفرحة تغمر قلبها.

صدمت فريال من رفض أخيها لإتمام العلاقة بالزواج، تقول: "بدأ يخلق الإشكاليات التي أوصلتنا في نهاية المطاف إلى اتصاله بحبيبي، وتهديده بالقتل إن فكر في طرق باب المنزل".

أخو فريال هو الذكر المخول بالقبول والرفض بعد وفاة الأب، وقد افتعل عشرات المشكلات مع أهل زوجته لكي يتزوجها، لماذا يرفض هذا الوضع، بدلاً من أن يؤيده ويشجعه؟ تتساءل فريال.

"تخلَّى عني لخوفه عليّ"

"وجدتُ أن الحل الأنسب هو الانسحاب من المشهد للحفاظ على سلامتي"، هكذا قرر حبيب ميساء غالي (21 عاماَ)، وهو الرجل الثاني الذي أحبته، وتقدم لها، ورفض اثنان من إخوتها الذكور الفكرة.

تصف ميساء نفسها بـ"الفاشلة في الحب"، وتلقي باللوم على نفسها بعد تخلي الشخص الثاني عنها، نتيجة ردود فعل أخويْها، اللذين يعتبران أفعالها مخالفة للعادات والتقاليد المتعارف عليها، لأنها تعرفت على رجل قبل الزواج، وأحبته، وهما يقنعانها دائماً بأن زواج الحب "فاشل، ويخلق العديد من المشاكل الزوجية".

ولكن ميساء لا تتقبل فكرة الزواج التقليدي، تقول: "لا أرغب أن أعيش تجربة خطوبة تنتهي بانفصال".

بدأت تسيطر عليها أفكار سوداء، ففكرت في الانتحار، ومسكت السكين وجرحت يدها اليمنى، فما كان من أخيها إلا أن اتهمها بالكفر، تقول: "كرهت جنس الذكور، وأهلي"

لم تفعل ميساء ما يخالف الشرع أو الأخلاق التي يفرضها الذكور على المرأة، تعرفت على حبيبها في المرحلة الجامعية، وجمعتهما الصدف عدة مرات، وبدأت تحب حديثه، ووضوحه في علاقته معها، ولهفته لإتمام العلاقة بالزواج في أقرب وقت.

تقول لرصيف22: "أنا مستغربة من فعل أخويَّ اللذين وضعا العصا أمام الراعي، وأوقفا حياتي بين يديهما، ولم يكتفيا بذاك الحد بل بدأت الحرب النفسية، التي جعلتني أكره رؤيتهما حتى في المنزل".

"توبي إلى الله"

سالي محمدي "اسم مستعار"، (22 عاماً) وقعت في اتهامات الكفر ومخالفة أمر الله من قبل أخيها، الذي هاجمها بحدة جعلتها تفقد الثقة بجنس الذكور وأهلها، بعد منعها قسراً من التواصل مع ذاك الشخص الذي يحتل مكانة كبيرة في حياتها، والذي قدم لها المساعدة في العديد من المواقف، جاعلاً من موقفه معها وسيلة لتتقرب منه في وقت كانت لديه الرغبة بذلك، وكانت الأمور تسير في مسار لطيف في بناء بيت زوجية، ولكن لم يكتمل الحلم جراء قيام أخيها بمهاجمتها باسم الدين، وصنع حواجز كبيرة بينها وبين الشاب.

"ما نقوم به خطأ ويرفضه الدين والإسلام".

تقول: "لم يكتف أخي بذلك الحد، ولكن منع الشاب من أن يتقدم لخطبتي، لأن ما نقوم به خطأ ويرفضه الدين والإسلام، ولا يصح أن يستمر".

لم تستطع سالي مواجهة أخيها، فطبيعة المجتمع في الضفة الغربية ذكورية، وبدأت تسيطر عليها أفكار سوداء، ففكرت في الانتحار، ومسكت السكين وجرحت يدها اليمنى، فما كان من أخيها إلا أن اتهمها بالكفر، وشدد عليها أن تتوب إلى الله، وطفق يردد عليها دائماً: "كل ياللي تعمليه ربنا ما يرضاه".

يعلق رمضان قديح، أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى سابقاً، قائلاً إن المجتمع الفلسطيني لا يزال  قائماً على الفكر العرفي التقليدي، ولا يحترم الديمقراطية الفكرية، وذلك يعود إلى كون العرف والعادات من تحكم المجتمع، ولكن الأجيال الناشئة باتت تدرك الخلل في علاقات الزواج، والذي يتمثل في الزواج بالطريقة التقليدية، دون تعارف مسبق. 

ويستدرك القديح بأن تدخل الإخوة الذكور لا يزال قائماً في خصوصيات الأخت، مانعين حدوث زواج قائم على تعارف مسبق، بسبب تربية الأم والأب، وهذه معضلة تسبب ضغوطات نفسية، وتدفع إلى فشل الحياة الزوجية للأخت.

أما سالي فلا تستطيع أن تفسر حياة أخيها، الذي تزوج عن حب، وذهب إلى منزل حبيبته قبل الخطوبة، وتبادل المشاعر معها، وتسأل نفسها "لماذا هي نعم، وأنا لا؟"، تقول: "لم أجد الإجابة سوى أنني كرهت جنس الذكور، وفقدت الثقة فيهم، وفي أهلي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image