شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"شتمني وضربني وأصر على ختاني"... نساء يتحدثن عن "الأخ الأكبر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 6 يوليو 202004:45 م
لا يقتصر العنف الأسري على العنف الواقع على الزوجة فقط من زوجها، أو الابنة من أبيها، ولكن خلف الأبواب نجد عنفاً آخر واقعاً على الأخت الأنثى، سواء كانت هي الأصغر أو الأكبر من أخيها الذكر.

"أبي هو السبب"

تحكي منة محمود (20 سنة)، طالبة جامعية من القاهرة، عن أخيها الأكبر، أنه كان "يميل للعنف في طباعه، وتعامله مع المحيطين به بشكل غير طبيعي، وتصدر منه ردود أفعال عنيفة لا تتناسب مع طبيعة الموقف".

تقول منة لرصيف22: "معي كان الأمر مؤذياً، نفسياً، وجسدياً لأقصى درجة، فكان لا يمر أسبوع إلا ويمارس عنفه علي، وأنا لا حول لي ولا قوة، فأبي هو السبب وراء طباعه تلك، وأمي امرأة ضعيفة البنية والحيلة، خاصة وأن أبي أيضاً كان معنِّفاً لها، وهو من ربّى أخي على أن التعبير الوحيد عن الغضب أو أي مشاعر أخرى لا يأتي إلا بالعنف".

وكانت منة تتألم كثيراً عندما ترى معاملة والد أو أخ صديقتها، التي تتسم بالإنسانية والتحضر، تضيف: "كنت أحكي لها عن سبب كدمة ما رأتها على ذراعي مثلاً، أنها بسبب ضرب أخي لي، فكانت تصاب بالصدمة، وتغضب كثيراً، والحقيقة أنني في مرحلة طويلة من حياتي كنت متخيلة أن هذا هو الشكل الطبيعي لعلاقة النساء بالرجال، حتى قابلت صديقتي تلك ووالدها وأخاها، فعرفت أن هناك رجالاً يحترمون زوجاتهم أو شقيقاتهم، وأن أخي وأبي هما النموذج غير الطبيعي".

"تخيلت العنف الشكل الطبيعي لعلاقتنا مع الرجال".

أما نور.م (19 عاماً)، طالبة في جامعة الاسكندرية، وهي من البحيرة، فقد وصل أخوها معها لمستويات أعلى من العنف، حيث تسبب في ختانها وهي في عمر الخامسة عشر، بحسب روايتها لرصيف22.

تقول نور: "أخي كان هو السبب في ختاني وأنا أبلغ من العمر 15 عاماً، فقد تزوج وخانته زوجته، فظل يلح على أبي وأمي ليتم ختاني، رغم أنهما كانا غير مصرين على أن يتم ختاني، وكانا على استعداد لأن يتركوني بطبيعتي، ولكنه أراد أن ينتقم من زوجته ومن النساء جميعاً فيّ أنا، وكانت حجته أن عدم الختان يجعل الفتيات غير مهذبات ومنحلات، وقد يخنّ أزواجهن في المستقبل، بعدما تم خداعي من قبل أبي وأمي حتى يتم ختاني، قاطعت أخي وسأظل مقاطعة له للأبد، لقد اعتبرته مات وأسقطته من حساباتي، وحتى اليوم أرى وجهه في كوابيسي يومياً، وأستيقظ من نومي وأنا أصرخ".

"كلما تحدثت مع صديقاتي، يحسدوني عشان أنا مش مسلمة، يقولوا لي: "يا بختك ولا أبوكي بيضربك علشان الصلاة، ولا أخوكي بيضربك علشان الحجاب"، ولا يعلمون أنني أتعرض للتعنيف من أخي والضرب والأذى النفسي لأسباب دينية أيضاً"

فيما تروي نيفين جاد (24 عاماً)، عاملة في أحد المصانع في الإسكندرية، "كلما تحدث معي صديقاتي عن الفرق بين المسلمين والمسيحيين، كنوع من المداعبة أجد صديقة لي تقول: "يابختك ولا أبوكي بيضربك علشان الصلاة، ولا أخوكي بيضربك علشان الحجاب"، ولا يعلمون أنني يومياً أتعرض للتعنيف من أخي والضرب والأذى النفسي لأسباب دينية أيضاً، فظل فترة يحاول أن يفرض علي صديقه الذي رغب في الزواج مني، وظل يستخدم كل وسائل الترهيب الدينية والنفسية".

وتتابع نيفين، لرصيف22: "بعدما فشل في إجباري على الزواج، وطلبت من عمي التدخل لحمايتي، أصبح أكثر عنفاً وضغطاً عليّ، فأصبح ينتظر أقل هفوة ليعنفني، مثل عدم ذهابي للكنيسة يوم القداس، أو عدم صيامي أحد الصيامات من بدايتها، رغم أن الدين المسيحي ليس به أي وصاية دينية من أحد على أحد، ولكنه كان يحاول أن يكرهني في المنزل بأي طريقة حتى أقبل بالزواج من صديقه، لم ينقذني منه سوى قدوم أحد قريباتي من إحدى مدن الصعيد للدراسة بالإسكندرية، وطلبت مني هي ووالدتها أن أقيم معها".

"الأسرة تجعل الرجال عنيفين"

تعلق المعالجة النفسية دعاء عبد الرحمن، في حديث لرصيف22: "عامل كبير من ضمن عوامل زرع العنف داخل بعض الرجال، هو الأسرة، فهي أول نموذج ومثال يبني حجر الأساس لشخصية أي طفل".

وأشارت عبد الرحمن إلى الأب باعتباره نموذجاً للرجل، والأم نموذجاً للنساء، بالنسبة لجميع الأبناء، فلو أن الطفل نشأ في أسرة تسمح وتبيح العنف أو تدعمه عن طريق ممارسة العنف بين الأبوين، أو من الأبوين على الأطفال، فهذه تكون بذرة لتكوين طفل عنيف، ثم يأتي بعدها دور المجتمع والذي يشمل المدرسة والجيران والعائلة الكبيرة، بحسب عبد الرحمن.

تكمل عبد الرحمن حديثها عن تأثير المجتمع، قائلة: "للأسف في أغلب الأحيان تكون البيئة مشجعة ومحرضة على العنف وتعتبره من مآثر الرجولة، وهو ما يرسخ داخل الطفل الذكر أن من حقه أن يمارس العنف ليثبت وجوده، أو أن يكون قادراً على أخذ حقه، وإن لم يفعل سيكون مستضعفاً وسهل الهزيمة".

وتتابع عبد الرحمن: "فرص ممارسة العنف تكون أكبر في حالة وجود أخت أنثى، فيتم تنشئة الطفل على الشعور بحق ممارسة العنف تجاه أخته، وأن له دوراً رقابياً عليها لتقويم سلوكها، وهو ما يكون محل ترحاب كبير من المجتمع، بل ويكون هذا هو مقياس الرجولة بمفهومها المغلوط السائد".

وتستدرك عبد الرحمن: "لكن لابد من فهم أن هناك أسباباً أخرى غير النفسية لتشجيع العنف، واعتباره الطريق الوحيد للوصول للهدف، حيث يظهر هذا جلياً في المجتمعات غير القادرة على إثبات حقها أو فرض سيطرتها بوسيلة حوارية أو منطقية، أو غياب القدرة على الإقناع بالحجة، وهنا دائرة العنف والتي تحتاج لتمريرها يجب أن يكون الشخص عنيفاً وذا ميول عدوانية وغير قادر عن التعبير عن نفسه بشكل سلمي فيلجأ للعنف، وكذلك وجود طرف ضعيف وحلقة أضعف، مثل أن يكون أخيه أو أخته الأصغر، خاصة وأن هناك اتفاقاً ضمنياً ومعلناً في المجتمع أنه أقوى منهما وأكثر استحقاقاً بممارسة العنف".

"فرص ممارسة العنف تكون أكبر في حالة وجود أخت أنثى، فيتم تنشئة الطفل على الشعور بحق ممارسة العنف تجاه أخته، وأن له دوراً رقابياً عليها لتقويم سلوكها، ويكون هذا هو مقياس الرجولة بمفهومها المغلوط السائد"

ويرجع الباحث ابراهيم سليمان الرقب، في كتابه "العنف الأسري وتأثيره على المرأة"، ظاهرة العنف التي يمارسها الذكور إلى  عصور قديمة، سبقت الإسلام، وتجذرت في المجتمعات الناطقة بالعربية.

كتب سليمان الرقب: "العنف ليس ظاهرة حديثة وإنما كان العرب يمدحون الاتصاف بالقوة والبطش لا بأخلاق الرحمة والعدل، ومنهم من قتلوا أولادهم –لاسيما البنات- ومنهم من وأدهن، وهو ما يظهر في بعض الأشعار مثل معلقة الشاعر زهير بن أبي سلمي، حيث قال: "ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه.. يهدم، ومن لا يظلم الناس يُظلَم"، وكأنما الشاعر يحثّ الناس على أن يظلموا حتى لا يقع عليها ظلم، كذلك قال عمرو بن كلثوم في معلقته:

لنا الدنيا ومن أمسى عليها.. ونبطش حين نبطش قادرينا

بغاة ظالمين وما ظلمنا.. ولكنا سنبدأ ظالمينا".

وترى عبد الرحمن الحل في كسر دائرة العنف، الذي يمارسه الأخ على أخته يبدأ من الأسرة، تقول: "يمكن كسر تلك الحلقة بداية من الأسرة، فتبدأ في تربية أطفالها بدون العنف، وتعي أنه ليس هو وسيلة التربية والتقويم السليمة، وحتى إن كانت نتيجته أسرع لكن يجب أن تلجأ للحوار دائماً، والأساليب العقابية التي تحمل الطفل مسؤولية أخطائه التي ارتكبها، وهناك يتم كسر حالة التشجيع على العنف أو تأييده، وهو ما ينطبق على أي فعل عنيف حتى لو كان عملاً سينمائياً أو صادراً عن شخص خارج محيط الأسرة، أو حتى باستعمال الأمثلة الشعبية التي تروج للعنف وتعتبره دليل الرجولة والقوة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image