"خائفة، أستيقظ من نومي، أبدأ بتفقد أرجاء الغرفة وزوجي ممدد بجواري، في أعماق نومه، ولا يبالي بأمري، وذلك بعد رميه لي بهذه الدوامة التي أعيشها منذ عام، بعد زواجنا بأشهر، منذ أن فرض عليّ التخلي عن نظامي الغذائي النباتي، وآكل اللحوم"، تحكي نور سعد (29 عاماً).
"أرى البراءة بعيونها"
تعيش نور، وهي موظفة بالسكرتارية في القطاع الخاص بغزة، حالة نفسية معقدة بسبب رفض زوجها نظامها الغذائي النباتي، إذ ترفض أكل اللحوم لأنها ترى أن الحيوانات والطيور أليفة، وكيف نقتلها بدم بارد، ثم نضعها على النار، ويتم طهوها وتناولها.
لا تتقبل نور فكرة تناول اللحوم بشكل مطلق، وترى ما يقوم به الآخرون (ومنهم زوجها) حراماً، ومنافياً للمنطق. تقول لرصيف22: "اعتدت النظام النباتي منذ عمر الـ11 عاماً، أتبع نمطاً غذائياً قمت بدراسته بعناية، ما جعلني أحصل على جسم متناسق وخالٍ من الدهون والترهل، وذلك جعلني مميزة بين الأخريات، وجذب زوجي لي، ولكن السب الحقيقي في لجوئي إلى النظام الغذائي النباتي هو عطفي على الحيوانات".
وتوضح نور أكثر مشاعرها: "أرى بعيونها البراءة، وكأنها تتوسل إلينا عندما نقتلها".
إلى أين تذهب زوجات نباتيات في غزة وسط أزواج ذكور، يعنفونهن، ويضربونهن، والحجة "لا نريد أطفالاً مشوهين"… سهاد لجأت إلى الله
يحاول زوج نور إجبارها على تناول اللحوم بمبرر "ما بنفعش يلي بتعمليه، صحتك هيك بتضعف"، ولكنها ترى الدافع محاولة فرض سلطته عليها، وما أكل اللحوم إلا محاولة من سلسلة محاولات القهر التي يقوم بها. واعتدى عليها بالضرب ذات ليلة، أثناء تناول العشاء، وتطورت كوابيسها منذ تلك اللحظة، وبدأت ترى في أحلامها حيوانات تُذبح، وتُضرب، وتعذب، مما يدفعها للنهوض خائفة.
أما سهاد عبد القادر (24 عاماً)، ربة منزل تسكن في قطاع غزة، فقد اعتادت الجلوس باكية في خلوتها المنزلية كل مساء، من الواقع الذي تعيشه بعد زواجها منذ ستة أشهر.
"لم أتوقع يوماً أن تنتهي بي الحياة لهذا المطاف، عنف واضطرابات نفسية، صدقاً أنا بحاجة لطبيب نفسي"، تقول سهاد لرصيف22.
يقوم زوج سهاد بإحضار الدواجن حية إلى المنزل لكي يذبحها، ويجبر زوجته على تنظيفها، ومساعدته في ذبحها، وهي لا تقاوم رؤية الدم، وذبح الحيوانات، ما دفعها إلى النظام الغذائي النباتي منذ الطفولة.
في بيت الطفولة، كان والدها يحترم رغبتها، ورغبة شقيقيها ووالدتها، فيوفر لهم الأكل النباتي، دون أن يضطر أحد من العائلة لرؤية الدم، والذبائح.
أما الآن، فيجبرها زوجها على تناول اللحوم، وهي ترفض، حتى بات كابوساً يومياً، تقول: "أهرب من العالم إلى فراشي وأبكي، في حين يخرج زوجي لقضاء وقته مع أصدقائه، في لعب ورق الشدة فيما أنا أموت بخلوتي".
وتضيف: "بدأت أهرب من واقعي إلى الله، أسأله أن يدلني إلى حلول للواقع الذي وضعني زوجي فيه".
"يحرمني من الخضار"
أما زوج تمارا فريد (26 عاماً)، وتعمل صحافية، فيعتمد معها نمطاً مغايراً في التلاعب بنفسيتها، لحملها على الخضوع إلى قراراته في تناول اللحوم، والتخلي عن النظام النباتي، الذي اعتادته منذ تسعة أعوام، بسبب شراء الخضار والفواكه بكميات قليلة.
أعدّت له الطعام ذات ليلة، واستغربت الهدوء الذي ساد البيت، وفاجأها بوضع قطعة من اللحم في فمها بالقوة، فأخرجتها، فانهال عليها بالضرب، وأصابها بكدمات
تقول تمارا لرصيف22: "في حال طلب شراء الخضار أسمع عشرات الشتائم والتوبيخ، ما دفعني إلى إحضار الخضار من راتبي الشخصي، ولكن لم تنفع الفكرة، بل زادت الأمور تعقيداً، بسبب قيامه بجمع الخضار وإعطائها لأهله، ما جعلني بحيرة قاتلة، في وقت يفعل كل تلك المحاولات لكي يجعلني أتناول اللحوم التي لا أستطيع تناولها".
وهي تحاول دائماً إقناع زوجها بأن صحتها جيدة ولا تحتاج إلى تغيير نظامها الغذائي النباتي، وقال لها مرة: "بديش يطلعوا الأولاد مشوهين عشان اكلك هاد".
شكلت تلك العبارة جرحاً بالغاً في قلبها، وباتت تكره رؤياه، خاصة أنه يعاندها، ويستميت في إخضاعها لسلطته، بأن تتناول اللحوم بشتى السبل.
“دس اللحم في فمي"
مثل زوج تمارا، يرى زوج ريما الفاتح، اسم مستعار (23 عاماً)، يحاول إقناعها بأن عدم تناول اللحوم سيجلب له أبناءً مشوهين. ويبدأ مسلسل التوبيخ، والضرب، والشتم في كل مرة ترفض فيها تمارا تناول اللحوم، وتتصاعد الأمور سوءاً ويشتد العنف.
تقول ريما: "زوجي معلق جميع الأمور على ضرورة أن آكل اللحوم لأجل إنجاب أطفال صحتهم جيدة، على الرغم من إيضاح الأطباء له أن ذلك لا يشكل أي خطر أو مخاوف على صحة الأم أو الطفل، بناءً على البرنامج الغذائي الذي تتبعه".
تأزمت الأمور بالنسبة إلى ريما، فحضرت له الطعام ذات ليلة واستغربت الهدوء الذي ساد البيت على غير المعتاد، وفاجأها بوضع قطعة من اللحم في فمها بالقوة، فأخرجتها، فانهال عليها بالضرب، وأصابها بكدمات.
بعد واقعة الاعتداء تدخل أهلها، محاولين إقناعه بأن أفعاله الخاطئة، ولكن لم يتغيّر.
"يملكون أجساداً خالية من الدهون".
توضح طبيبة التغذية إسلام حمدان أن النباتيين، وفق الدراسات العلمية الحديثة، ينعمون بصحة جيدة، في حال استطاع الشخص الذي يتبع هذا النظام الغذائي تبنّي برنامج صحيح ومنظم". وتقول لرصيف22: "هؤلاء يمتازون عن آكلي اللحوم أنهم يملكون أجساداً خالية من الدهون، ما يجعلهم أقل عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة، أخطرها القلب، وذلك حسب الدراسات العلمية".
وبالنظر إلى قضية تأثير النظام الغذائي على سلامة حمل النساء، فليس لها برهان علمي، بحسب إسلام، فالمرأة ما دامت تتناول العناصر التي يحتاجها الجسم، لن يكون لذلك أدنى تأثير على سلامتها وسلامة الجنين، وكل ما تحتاجه إجراء فحوص دورية وتناول فيتامينات.
وتختم إسلام: "المفهوم القائم لدى الذكور حول هذا الأمر غير صحيح، ويجب تغييره بشكل جذري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...