أول مرة أرى فيها "زمزامة" في حياتي، كانت في أحدِ الأعراس العائلية، ولأنني كنتُ طفلاً، تمكنتُ من التلصص على أولئك النساء اللواتي سمعتُ عنهنّ قصصاً أسطورية.
جاءت بهنّ سيارة تاكسي من المدينة ليُحيين حفلاً غنائياً من منتصف الليل حتى مطلع الفجر، رأيتُ ثلاث نساء سوداوات، واثنتين قمحيتيْن، يخرجن من التاكسي، كنّ ضخاماً حسب خيالي عن المرأة، كان أحد رجال العائلة يرحب بهن، بينما يخبر قائدتهنّ أنّه جهز لهنّ الطاولة، ضحكت المرأة التي أمرت سائق التاكسي – الذي يعمل معهن- أن يخرج الآلات الموسيقية ويجهزها، دخلن الباب الموارب الذي يفصل النساء عن الرجال.
تتنوع أشكال الموسيقى التي تعرضها المرأة الليبية، حسب ما يتاح لها من آلات ونمط حياة، ألحان المرأة البدوية تختلف عن تلك التي في المدينة.
في المدينة نفسها، تختلف الألحان من جيل إلى جيل، تمكنت بعض الفتيات من غناء الراب قبل أن يختفين، ولا زالت فيديوهات اليوتيوب شاهدة على وجودهن، كما صار وجود " المنشّطة" – الدي جي الليبية- تفصيلة مهمة في حفلات العرس، ولكن أهم الفنون النسائية التي استحوذت على سمعي وفكري وتخيلاتي، كان فن "الزمزامات"، النساء الشامخات، اللاتي تحولن مع الزمن إلى مؤثرات في فكر النساء العاديات، المتشبعات بثقافة المجتمع.
شخصية الزمزامة
في تلك الليلة الأولى التي رأيتهنّ فيها، تبعتهن حتى المنصة، كان مكانهن في صدرِ الباحة الذي ستتحول لحلقة رقص، جلست القائدة بينما كان سائق التاكسي ورجل العائلة -بتنسيق من الأخريات- يجهزان الآلات، وعندما انتهى عملهما، خرجا، أما أنا فتمكنت من البقاء بعد خروج الرجال، التمّت عليهن نساء العائلة، ورحبن بهن، وقبل أن أُطرد (كما طردت التقاليد الليبية الرجال) تمكنتُ من إلقاء نظرة على القائدة، وهي تشعل سيجارة، وتشرب من كأس من خمر "البوخة".
الحاجة لطيفة إحدى كبار الزمزامات في طرابلس القرن الماضي
تُظهر هذه اليومية الخاطفة الزمزامات بنفس الصورة التي رأيتهنّ بها المرة الأولى.
الزمزامة امرأة خارج مجتمع النساء، لا يعترف لها الرجال ولا النساء بلقب امرأة، ولهذا لم تقع عليها نفس القوانين التي تقع على المرأة الليبية نظراً لانتمائها لعرقيات وخلفيات اجتماعية يراها المجتمع الليبي في الغالب غير معبرة عنه، لهذا لا يلتفت لأخلاقياتها وأسلوب عيشها، وما الذي تقوله، هذا التهميش خلق مساحة من الحرية يمكن للزمزامة أن تتحرك فيها على عكسِ بقية النساء. الحرية (وحالتها الاجتماعية والاقتصادية) تجعلها تشكل شخصية قوية، قادرة على مواجهة الزمان، تتحول فجأة لمزيج بين الرجل والمرأة.
ولهذا وقعت بين نظرتيْن، نظرة فيها احتقار ممزوج بالسخرية لما تمثله، فيسخرون من أبناء الزمزامات، ويجعلون كلمة "ولد الزمزامة " قريبة في فاعليتها من كلمة "ولد الحرام"، لأن وقوع فتاة في هذه المهنة يعني نهاية لحياتها الأنثوية وتشويهاً لصورتها وسمعة العائلة.
النظرة الأخرى فيها خوف ممزوج بالإعجاب بشخصيتها، فيحسب لها ألف حساب من قبل زبائنها، إذ يمكن أن تتحول ليلة فرح "ناشطة" تمدح فيها العروس وأم العروس إلى ليلة مصحوبة بهجاء مضمر، أو أداء ضعيف، أو حتى في أسوأ الحالات أن توقف الزمزامة الفرح، فقط لحدوث سوء تفاهم بينها وبين الزبائن مما يجعل الزبون حريصاً على إرضائها، فيشتري لها سجائر وحتى الخمور إذا احتاجت لذلك، حتى وإن لم تكن من شارباتها.
لوحة للفنان الليبي عبد الرزاق الرياني، تظهر إحدى الزمزامات وهي تدخن
كما تأكل الزمزامات في ليلة الفرح، قبل أن تمتد اللقمة إلى أفواهِ الضيفات. خوفاً من الهجاء وأن تسيء لسمعة المضيفين بين الناس.
العلاقة الحرجة مع الرجل
الزمزامات مرآة عاكسة لطريقة عيش الشابات
يعود تاريخ المسجل لوجود "الزمزامات" لأكثر من مئتي عام، كنّ يغنين في حفلات "حريم القرمانلي" حاكم طرابلس، وبعض مواكبه، وفي حفلات الأعراس. لكنني هنا لستُ بصدد سرد تاريخي لهن والبحث عن أقدم "زمزامة"، وإنّما لتحليل كلمات بعض الأغاني التي سمعتها والبحث أكثر في شخصية الزمزامة، أغان متنوعة بين الحب، والفقدان، والهجاء، والمديح، وأغان سياسية واجتماعية، بعضها أخذ طابعاً كوميدياً، والبعض الآخر طابعاً تراجيدياً. وإذا كان مشهد الراب الليبي الآن مرآة عاكسة لطريقة عيش الشباب وتفكيرهم وأحلامهم وقصصهم، فالزمزامات مرآة عاكسة لطريقة عيش الشابات.
لا تغنّي الزمزامة عن معاناتها، وحياتها، وطريقة عيشها، لم تقابلني أغنيّة يمكن التمحيص فيها عن قصصهن التي عايشنها، قصص قد تكون صادمة للمجتمع الذي يحيط بهن في أحسن الأحوال، على عكسِ مؤديي الراب فالزمزامات يعشن على ما يمكن لزبائنهن أن يدفعوا لهنّ، وهم يدفعون أموالاً طائلة تصل أحياناً لعشرة ألاف دينار ليبي في الليلة الواحدة، فقط ليسمعوهن، ويرقصوا على ألحانهن، يغنين ما يخالج المرأة الليبية الأخرى من أحاسيس وقصص تمر بهن، وأحد هذه المشاعر شعورها تجاه الرجل.
" حتّى راجلي، يدلل فيا... حتّى راجلي، يموت عليا، حتّى راجلي يغار عليا". الرجل محور أغاني الزمزامات، حتى عندما يغنين للعروس ويمدحن جمالها وحسبها ونسبها، فالغاية هي المحور الذكوري، تنقسم صورة هذا الرجل إلى عدة صور، أهمهما صورة الحبيب المثالي، " السلطان" العريس الذي تنتهي عذابات المرأة من نظرات حاسديها بالزواج منه، الفارس الذي تمكن من انتزاعها من بيت أبيها وجعلها تسكن قلبه وبيته، الذي تكمن قوته في تدليله لها، وغيرته عليها، وهي صورة الرجل المثالي للكثير من النساء في البلاد.
الرجل الذي يمكنه أن يتحمل مسؤولية زوجته وأم ذريته، تتكرر هذه التيمة في العديد من أغانيهن، التي أحياناً تفتعلها الزمزامة، لمشاكسة العريس أو أخي العروس اللذين قد يكونان في الاستماع خارج خيمة النساء.
الصورة الثانية عن الرجل، ورغم مزجها بالكوميديا، هي صورة أكثر حضوراً في تلك الأغاني، تنتقم الزمزامة للفتيات المعذبات من الغادرين والخائنين والرجال الذين يعتقدون أنّ بنات الناس " لعبة"، يمكنهم أن يؤجلوا ويوقفوا حياتهن من أجلهم. بعض هذه الأغاني قوية في كلماتها لا في معانيها فقط، قوة نابعة من الانتقام الذي قد لا تستطيع الفتيات التعبير عنه في حالتهن العادية، بعيداً عن الرقص.
ويمكن للزمزامة أن تشتم "تلعب يا تيس"، " أطلقني يا لعنبوها حيي"، بل تهدد بفضحه أمام عائلته، "راني نديرها نمشي لحوشه، قدام صغاره، ونديرله دوشة". فالخيانة في الصورة النمطية للمرأة الليبية هي مفصل علاقتها مع الرجل، قد تصبر على ضربه لها أو احتقاره لوجودها، لكنها تواجه صعوبة في وجود امرأة أخرى في حياته أو أن تكون علاقتها معه مجرد لعبة تضييع وقت بالنسبة له.
الزمزامة الليبية، يُشترى لها السجائر والخمر، ويحسب لها ألف حساب، وفي أغانيها تطلب من المحبوب أن يأتي في منتصف الليل لـ"نسقيك من فمي عسل"، وتبادر بمغازلة الرجل "يا فراولة... غير اعطيني محاولة"
لكن الزمزامات لا ينسين حتى أم العريس، فيغنين لعذاباتها، مرة أخرى ليكون الرجل هو المحور، ويضعن خطوطاً لعلاقتها مع زوجة ابنها، "ولدي تحكم فيه مراته... جيّة لحوشي حرماته، حيه يا حيه، زعما سحراته". يغنين أيضاً للنساء اللائي قد يخونهن رجالهن، وإن كانوا في السبعين من العمر، بعد أن تبدل حالهم وقعت أعينهم على الجيل الجديد.
الزمزامات والأجيال
كنتُ في السادسة عشرة عندما استمعتُ لأغنية "كاتشب مايونيز هريسة"، أغنية تعترض فيها الزمزامات على لسان عجوز ليبية، تريد أن تزوّج ابنها لتتفاجأ أن الزوجة (فتاة من الجيل الجديد) لا تعرف الطبخ، بل تمقت الأكلات التقليدية، ولا تخاف من الاعتراف بأنّها لا تعرف كيفية تحضير الكسكس، بل تذهب الفتاة في مواجهتها للعجوز أكثر، "غدايا وعشايا سكالوب، لازم من طاسة مشروب وكاتشب ومايونيز هريسة". تصوّر هذه الأغنية صراع الأجيال، وحركة تغيير المجتمعات.
أحد ألبومات زمزامات وريدة على شريط كاسيت
الزمزامات هنّ أصوات الأجيال، تتنوع أغانيهن حسب الجيل الذي سيستقبلها، يرى البعض أنّ أغاني الزمزامات هذه الأيام هي أغانٍ رذيلة تحرّض الفتيات على التمرد والثورة، على الهروب مع الحبيب. ويتحسرون على الأغاني القديمة التي كانت الكلمات فيها تغني للحب "الحقيقي"، الحب العذري المليء بالعذابات والأحلام والطموحات التي إما تنتهي بنسيان المحبوب والشكوى من الفقد أو الظفر والفخر به.
أؤمن أنّ موسيقى الزمزامات موسيقى توثيقية لحال المرأة الليبية، المرأة التي نادراً ما نسمع عنها، هي أغانٍ تتبع " الترند" بل أحياناً تخلق ذلك "الترند"، انتشرت أغنية " كاتشب مايونيز هريسة" في ليبيا وتونس والبلدان المحيطة، لأنّها في البدء أغنية راقصة، أغنية بها كوميديا.
ظهرت بعد ذلك، أغنية تحارب نظرة الجيل القديم للجيل الجديد، بل تذكر الأغنية الأولى وتسخر من طريقة تفكيرها، هذه الأغنية ذاتها وفي الكثير من وصلاتها (نوباتها باللهجة الليبية)، تؤرخ الزمزامة لطريقة تفكير جيل الشابات الجدد، طريقة قد تكون خاطئة، "نبي بزناس رافع خشمه على الناس"، " نبيه في الصالة عرسي، نتزوج وندير شغالة".
لا يتوقف هذا التأريخ الشفهي على هذه النقطة، بل إنّ حالات التمرد تصل إلى طرق يراها المجتمع مخجلة، فتطلب من المحبوب أن يأتي في منتصف الليل، لتسقيه القُبل، "نسقيك من فمي عسل مقطر". بل أحياناً تظهر هذه الأغاني المرأة السباقة في طلب الحب بإرسال رقم هاتفها والهرب مع الحبيب، " نحبك موت... حتى اماليا زبطوني، نمنع بالدرقة من خوتي، ياما في جرتك ضربوني، آي لاف يو، نحبك موت". وتصل إلى درجة "معاكسة" الرجل، "يا فراولة... غير اعطيني محاولة".
لا يمكن للمرأة العادية الغناء بهذه الطريقة، وهنا يقع تميّز الزمزامة، إنّها المرأة القادرة على البوح بما يخجل منه المجتمع، وبممارستها هذه تمكن المرأة، النساء الأخريات، من البوح، بالرقص، أو الغناء خلفها، بما قد تخجل منه، في رخصة يعطيها لها المجتمع في حفلة العرس. وقبل حتى أن تتجرأ المرأة في أن تتحدث في السياسة، كانت الزمزامة السباقة في تناولها.
السياسة والزمزامات
هناك لعبة يستخدمها الخصوم الليبيون بالاستعارة من الموروث الشعبي في وصف أعدائهم، فإذا كانت الثقافة العربية المعاصرة تستخدم اسم أبي الطيب المتنبي، للدلالة على ما يلعبه الإعلام في تمجيد الحاكم وهجاء الأعداء، فالثقافة الليبية تستعير اسم الزمزامات للدلالة على نفس الصفة. يتحول الإعلاميون والمتحدثون باسم أحد أطراف النزاع وكتّابهم بل وشعرائهم حتى، فجأة إلى زمزامات في نظر الناعت.
ورغم أنّ هذه السمعة اكتسبتها الفنانات لأنّهن يغنين لمن يدفع، إلا أنّهن لهنّ مساهمات في الغناء السياسي، فقد هجوْنَ الشيخ أبو الإسعاد العالم، أحد المؤسسين للمملكة الليبية، قائلات له: "يا لعور يا عين اللاص، أمك جاباتك فرطاص"، ومدحن المناضل بشير السعداوي بأن أخذن من شعر الشاعر الليبي أحمد الحريري "منين قالوا السعداوي جي.. دهشت وبخوا عليا المي". كان لهن أيضاً دور في الأغاني التي صاحبت الثورة الليبية، إما معها أو ضدها.
"ما يخوفنا حلف النيتو، والجيش بنصره حالفنا"، تغني إحدى الفرق الموسيقية في باب العزيزية، مقر العقيد القذافي، واحدة من الحفلات الموسيقية القليلة التي رقص فيها الرجال والنساء جنباً إلى جنب على موسيقى الزمزامات، في الطرف المقابل غنّت أخريات بالمجد لحلف الناتو الذي دعم الثورة الليبية، كما غنّين لعملية الكرامة التي قادها خليفة حفتر، وغنّين ضده بالطبع.
"شن بلاكم يا ليبيين، سكارة ولا حشاشين"، تهجو زمزامة الليبيين الذين تخلوا عن القذافي، وتغني أخرى تحسراً على زمن القائد، " يا جيش عليه القيمة... يرفع رايتنا القديمة، نبّوا".
يدرك المجتمع المحيط بهن، أنّهن قادرات على صنع التغيير، وأنّهن مؤثرات، يتجلى هذا التأثير في القدرة على تحريك الجمهور في الفنانة "فاطمة الطرابلسية"، التي غيّرت اللعبة، وأخذت الزمزامات من حفلات العرس، وأشرطة الكاسيت، والسيديهات إلى النجومية.
الزمزامة النجمة
في عام 2016، انتشرت أغنية تحت عنوان "احنا" في وسائل التواصل الاجتماعي الليبية، تحمل فيه فنانة اسمها فاطمة الطرابلسية عكازاً فوق رأسه جمجمة، أثارت هذه الأغنية مجموعة من التعليقات والانتقادات ضد ظهور امرأة ليبية بهذا الشكل، لحقت فاطمة سخرية على شكلها، ونعتها العديدون بالقبح.
لم تكن الأغنية من اللون الذي اعتادت عليه فاطمة، لون "الزمزامات"، لهذا اتسعت رقعة الانتقادات للتشكيك في جودتها الفنية.
للزمزامات مساهماتهنّ الخاصة في التعبير السياسي، بجانب جرأتهنّ في الغناء عن الحب، يغنين مع أو ضد، ومن أغانيهن "ما يخوفنا حلف النيتو، والجيش بنصره حالفنا"، "شن بلاكم يا ليبيين، سكارة ولا حشاشين"
منتصف الخمسينيات كان مفصلياً في تاريخ الأغنية الليبية، بدأت عمليات تسجيل الموروث الثقافي الموسيقي الليبي في ذلك العام، وخرجت من أستوديوهات التسجيل الجديدة مجموعة من المغنيين.
قبل ذلك التاريخ، كان الفنانون يعتمدون على الذاكرة الشعبية في الغناء، والالتماس بالشعب والغناء في الحفلات والمقاهي والحانات، كان الروّاد الجدد من الرجال، سيمضي زمن قليل قبل أن تبدأ المرأة الليبية في تسجيل صوتها في الأغنية، لكن الزمزامات لم يكنّ من أولئك الفنانات.
هناك القليل ليُذكر عن الزمزامات قبل الخمسينيات، وجدتُ صورة واحدة لزمزامات وسط حفل لا يبدو نسائياً، وعندما تمكنَّ من تسجيل أغانيهن في أشرطة الكاسيت والأقراص الليزرية لم يكنّ نجمات، فرقة "بنات الأوائل"، إحدى أوائل الفرق التي تنال شهرة واسعة في البلاد، لم ينظر لهن كنجمات، هنّ أنفسهنّ لم يكن ينظرن لأنفسهن كنجمات، هناك فرق بين الشهرة والنجومية، باعت الزمزامات مجموعة من الألبومات في أقراص ليزرية، هذه الأقراص كانت في العادة تحمل صوراً لنساء لسن ليبيات، كالفنانة الأمريكية أفريل لافين أو الممثلة التركية توبا بيوكستون.
لم يُعرف الكثير عن أسلوب حياة الزمزامات، الإذاعات الليبية لم تلتفت لهن إلا في ما ندر، وكان ذلك في الغالب من أجل توثيق نوع من أنواع الفن التقليدي. لم يعرف عنهن الكثير، سوى ألقابهن التي يتخذنها للهروب من ملاحقة المجتمع لهوياتهن الحقيقية، فاطمة الطرابلسية نفسها كانت تتخفى تحت اسم "الحمصة" كما تخفت أجيال من الزمزامات تحت ألقاب كالسباقيتي، السلطانة، احويوه، واحتيرة، ومريومة، اللقب الذي التصق بفاطمة كان بداية لشهرتها، وفرصة تمسكت بها.
في عام 2017، لأول مرة في حياتي أسمع بزج زمزامة في السجن، كانت تلك الزمزامة فاطمة الطرابلسية، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي الليبية بين ساخرين منها وشاكرين للمعتقلين على تخليصهم منها، وبين أناس يتساءلون عن سبب حبسها، قال البعض بسبب أغانيها، وقال آخرون بسبب قضية أخلاقية لها علاقة بالمخدرات، اختفت فاطمة عن الساحة الليبية لعام ونصف، فترة حبسها، وعندما عادت رمت ذلك الماضي وعادت أكثر قوة.
جلبت فاطمة معها الكثير من الجدل، فالزمزامات حتى هذا اليوم، يلاحقهن خوف كالكثير من النساء، من الكاميرا، يصورن أرجلهن وأيديهن في حفلات الأعراس ويضعنها على يوتيوب، مانعين المتلصصين من الرجال من جهة، ومحاولة بسيطة للدعاية لأعمالهن للزبائن من النساء من جهة أخرى. لكن السلطانة فاطمة الطرابلسية، كما تحب أن توصف، كانت جريئة، في أسلوب غنائها، وفي الاستفادة من الموروث الثقافي للزمزامات، في كلماتها وفي ظهورها، فهي تظهر في منصات التواصل الاجتماعي وتتحدث لجمهورها وتخبرهم بجديد أعمالها الفنية.
ومن أعمالها الفنية، ما يوثق للعنف الذي تعيشه المرأة الليبية، " خوي كبسني شعري بلا وشاح، في فم كبدي طريحة رفسني"، هذه الصورة الشنعاء، أن يمسك الأخ أخته في حق لها، بل ويضربها في مكان يمكنه أن يقتله بها، ليست صفة مبالغة من فاطمة، بل واقع تعيشه المرأة الليبية، واقع ترقص عليه تلك المرأة عند سماعها.
أصدرت فاطمة الطرابلسية أغانٍ وألبومات بعد حبسها، وغنّت لأول مرة في قناة ليبية كزمزامة، لا لتوثيق الأعمال الفنية الليبية أو إظهارها لليبيين، بل لأنّها نجمة، ولأن القناة تعرف أنّ هناك من ينتظر حفلة تغني فيها فاطمة، حتى الطريقة التي خرجت بها، لم يعتد عليها الجمهور الليبي. كانت ترتدي فستان سهرة، وحُلىً وتسريحة شعر كانت تراها الزمزامة فقط في حفلات الأعراس التي ترقص الضيفات فيها على ألحانهن، بينما يرتدين هنّ ملابس متواضعة ولا يهتممن كثيراً بمظهرهن. وبدأت ولأول مرة، الزمزامة تغني من أجلها هي، لا تنظر لمن يستمعها كزبون بل كجمهور، تأخذ فنها بجدية أكبر، وتواجه المجتمع المحيط بها وتثبت وجودها كامرأة، من ضمن بقية النساء، وأعلنت للجميع أنّها "السلطانة"، حتى وإن كانت الأغاني التي تغنيها لا يتفق معها الكثيرون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي