يبدو من غير المألوف للمجتمع الغزي مشاهدة فتيات يعملن في مهن تُعدّ حكراً على الرجال بحسب ثقافتهم السائدة، لكن ماذا لو قلنا إن هنالك فريقاً نسائياً هو "الأول من نوعه"، كسر الصورة النمطية تلك، باختيار الصعاب في مهنة ظهرت على السطح مؤخراً تحمل اسم "فني طاقة شمسية".
رماح البحيصي (20 عاماً)، إحدى العضوات في الفريق النسائي، امتهنت العمل بـتركيب خلايا طاقة الشمسية، إحدى أدوات الطاقة البديلة عن الكهرباء بغزة، بعد إنهاء دراستها "دبلوم مهني"، وهو تخصص حديث في كليات القطاع.
تخرج رماح يومياً، مرتدية "البزة" ذات اللون البرتقالي، اللباس المخصص لمن يعملون/ن بهذه المهنة، تتنقل على أسطح مباني المواطنين/ات، وتحمل ألواح الطاقة الشمسية، متعاونة مع زميلاتها.
امرأة تعمل فنية طاقة شمسية في غزة
تقول رماح لرصيف22: "واجهت صعوبات كبيرة، بدايةً عند اختيار التخصص المهني، كونه حديثاً في الكليات الجامعية الغزية، ولا تعمل فيه الفتيات، وزاد الأمر تعقيداً بعدما انخرطت في سوق العمل، رغم أني سريعاً ما وجدت فرصة للعمل فيه".
واجهت رماح الكثير من نظرات السخرية، والبعض وصفها بعبارات "بذيئة"، وهناك من أطلق عليها صفة "مسترجلة"، وقالو لها: "شو بدك بمهن الرجال، انتو النسوان ما تركتو شي للرجال"
واجهت رماح الكثير من نظرات السخرية، ولاحقها التنمر حيثما ارتحلت، والبعض وصفها بعبارات "بذيئة"، وهناك من أطلق عليها صفة "مسترجلة"، لأنها تحمل الألواح الشمسية بنفسها، تقول: "منذ طفولتي معتادة العمل في مجالات صعبة، وآخرون قالوا لي "شو بدك بمهن الرجال، انتو النسوان ما تركتو شي للرجال"، وبعضهم استهزأ بطريقة لباسي، وأحيانًا ينظرون لي بازدراء".
طاقم نسائي في غزة يعملن على معالجة الخلايا الخاصة بتركيب الألواح الشمسية
شكلت حملة التنمر التي عرقلت طريق رماح، وفريق العمل النسائي، ضغوطاً نفسية كبيرة، وقررت رماح أكثر من مرة ترك العمل بتخصصها، لكن تشجيع والدتها لها أنقذها، وكان بمثابة مجذاف دفعها للتجذيف بقوة، وضرب كلام الناس بعرض الحائط.
وتروي رماح موقفاً أثر فيها، وأحبطها، في إحدى جلساتها مع زملائها، دار نقاش حول فكرة عمل المرأة، خاصة بعد زواجها، وكانت هي ممن دافعن عن هذه الفكرة، وتبنتها، لكن تفاجأت برد أحدهم عليها بشكل هجومي مما سبب لها الشعور ببعض الإهانة حينذاك.
امرأة تعمل فنية طاقة شمسية في غزة
تعيش معظم الفتيات في غزة بين نارين، الخروج من براثن البطالة وقسوتها باختيار تخصصات مطلوبة في السوق، ونظرة المجتمع الذي يقسو عليهن، ويرى تلك المهن (رغم احتياج سوق العمل لها) محرمة على الفتيات، تحت مسمى أن لهن قالباً معيناً من المهن، لا يجوز أن يتجاوزنه وفق ثقافة البعض.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2020، هنالك فجوة واضحة في نسبة المشاركة في القوى العاملة، والأجر اليومي بين النساء والرجال.
وتشير الإحصاءات إلى فجوة واضحة في نسبة المشاركة بين الجنسين في سوق العمل في العامين 2015 و 2019، فقد بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 18% من مجمل النساء في سن العمل لعام 2019، وهي النسبة ذاتها لعام 2015، ويذكر أن نسبة مشاركة الرجال في القوى العاملة بلغت 70% لعام 2019، وهي النسبة ذاتها لعام 2015، مع وجود فجوة واضحة في معدل الأجر اليومي بين النساء والرجال، إذ بلغ معدل الأجر اليومي للنساء 98 شيقلاً، مقابل مئة وشقلين للرجال.
امرأة تعمل فنية طاقة شمسية في غزة
غادة كريم، هي أيضاً من الفريق النسائي الذي يعمل بمهنة تركيب خلايا شمسية للشركات، والمنازل، وقطاعات صحية وتعليمية وخاصة.
ووفق شرح الفريق النسائي بشأن طبيعة المهنة التي تعتمد على جهدين، بدني وعقلي، لتركيب ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المباني وتمديد كهرباء عامة: داخلية وخارجية عبر التحكم بقانون أوم، واستخدام جهاز متعدد القياسات الرقمية، ليقوم بتحديد كميات الكهرباء لدائرة حسب طبيعة التيار الكهربائي وأطواره، وتقوم الفتيات بنقل الألواح الشمسية، وتثبيتها على حامل الحديد "الستاند"، واللحام بأدوات مخصصة بذلك.
طاقم نسائي في غزة يركبن الألواح الشمسية
درست غادة هندسة وتشغيل وتركيب وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية، وأصرت على اختيار مهنة، تبدو حديثة على السوق حتى تأخذ فرصة للعمل فيها بسرعة، هروباً من طوابير البطالة بقطاع غزة.
ولكن مع إصرار الفتيات، بدت فكرة عملهن تلاقي قبولاً في المجتمع، فالمواطن وليد سكر، صاحب مصنع صغير، يقول إنه في البداية كان غير مطمئن لفكرة أن تقوم فتيات بتركيب ألواح طاقة شمسية لشركته، فمن وجهة نظره يحتاج هذا العمل لجهد وفن كبيرين، وهذا ما لا تقدر عليه الفتيات، بسبب طبيعة بنية جسدهن، لكن بعد نصيحة أحد أصدقائه قرر خوض التجربة، وتسليم أحد المشاريع لأيدي أنثوية، لأنهن يثبتن جدارتهن في العمل.
تحديات كبيرة تواجه هذه المهنة، فهي أكثر من مرة كادت تفقد حياتها بسبب تماس كهربائي 48 فولتاً بأحد الأعمدة، وتواجه أحياناً خطر الصعود على أسطح البنايات، وكذلك "نظرة الناس التي لا ترحم"
لكن من ناحية أخرى، ككثيرين في القطاع، لا يزال المواطن رأفت وشاح يحمل وجهة نظر واحدة اتجاه عمل الفتيات بهذه المهنة، قائلاً: "وإن امتلكت الفتيات قدرة بدنية وعقلية للعمل في هذا المجال، فلا أستطيع أن أغامر بتوكيل هذه المهمة لفريق نسائي، وطالما اعتدنا بغزة أن للفتيات طابعاً مهنياً معيناً، وكذلك الرجال، لا يبدو من الجيد الخلط في الأدوار المهنية".
طاقم نسائي في غزة يركبن الألواح الشمسية
وتلقى مهنة تركيب الألواح الشمسية بغزة رواجاً كبيراً بسبب تفاقم أزمة الكهرباء، إذ هناك احتياج لها في سوق العمل وفق أخصائيين اقتصاديين.
وتوقعت دراسة حديثة للبنك الدولي بعنوان "تأمين الطاقة من أجل التنمية في غزة والضفة" ارتفاع ذروة الطلب إلى 900 ميغاواط بحلول عام 2030، في أسواق غزة، وسيكون للطاقة الشمسية دور كبير في زيادة الإمدادات اليومية من الكهرباء.
وفي الوقت نفسه، ستساعد في ضمان استمرار العمليات الصحية المنقذة للحياة، وربط شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتحسين إمدادات المياه، وعمليات العلاج المناسبة لمياه الصرف، والمساعدة في تطوير أنشطة الأعمال. والأهم هو التأكد من استمرار وصول الكهرباء إلى المشتركين حتى لو تضرر، وتوفير فرص عمل.
وتكمل رماح التي تمتهن العمل بتركيب خلايا الطاقة الشمسية أن هنالك تحديات كبيرة تواجه هذه المهنة، فهي أكثر من مرة كادت تفقد حياتها بسبب تماس كهربائي 48 فولتاً بأحد الأعمدة، وتواجه أحياناً خطر الصعود على أسطح البنايات، وكذلك "نظرة الناس التي لا ترحم" على حد وصفها، عند عودتها في وقت متأخر من العمل للمنزل بباص الشركة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع