شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الحياة هي كيف تشعر بالخوف في بلدك

الحياة هي كيف تشعر بالخوف في بلدك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 11 ديسمبر 202011:02 ص
Read in English:

Life In Fear … The Heavy Toll Iraqis Pay Daily


يقف قربي مثل طفل ضائع ولا هوية له، إنه يلاصق قلبي بشكل مجنون، أحياناً أشعر بالشفقة عليه، وأرمي بكل ما أملك لضمه إلى صندوق روحي، للأسف، لم أحظ يوماً بفرصة ابتعاده عني.  

لقد لازمني الخوف كالظل منذ اللحظات الأولى للحرب، بدا شكله على هيئة صاروخ جامح، أراد لعب الغميضة معنا، ينفجر مرة في شارعنا، ومرة يأفل في منزل قريب، نضج سريعاً عند هروبنا للاختباء في منزل جدي، لكني واجهته بصرامة عند استشهاد عمي، وتمكنت من حمل قطعة بحجم الكف، متفحمة، لوضعها في القبر. 

هل لاحظتم؟ أخاف من كل شيء...

أردت تعلم القوة من هذه الخسارة، تمهلت مع الخوف وجعلته ينتظر عند حافة غرفتي فترة من الزمن بعد مقتل عمي، ولنقل إني تناسيته، وأصبح في حياتي مثل رمشة عين، لا انتبه لحدوثها. تخيلوا أن زميلتي في المرحلة المتوسطة سقطت أمامنا برصاصة كاتمة، وغرقت ببحر دمائها، ولم أشعر بسوى الصدمة الأبدية، شاهدت في اليوم التالي كلاباً مجتمعة لتأكل جسد عامل نظافة كان قد قُتل، طردت الكلاب، مضيت إلى مدرستي. ما هذا يا إلهي!  

 نعم، شعرت به لمرات بشكل طفيف، من أصوات الانفجارات، أو عند تأخر أبي، حتى حين ارتديت الحجاب بالقوة والتهديد، شعرت برهبة قليلة ممزوجة بالضحك على مظهري الخارجي، لم أملك وقتها قميصاً بكمين طويلين، كان مشهد الحجاب مع قميص بنصف أكمام أمر مضحك للغاية، لكن لكل الأحوال، لم أهَب بعدها فكرة وجود ميت في طريقي، ولم يخش قلبي رؤية دماء المدرسة تسير بين الصفوف، كانت الأيام تجري بالرصاص ولا نشعر بحرارتها.

شعرت بالخوف لمرات بشكل طفيف، من أصوات الانفجارات، أو عند تأخر أبي، حتى حين ارتديت الحجاب بالقوة والتهديد، شعرت برهبة قليلة ممزوجة بالضحك على مظهري الخارجي، لم أملك وقتها قميصاً بكمين طويلين، كان مشهد الحجاب مع قميص بنصف أكمام أمر مضحك للغاية

هل تبدو الأيام أصعب حينما نخاف أو أسهل حينما يتجرد الوقت، لعله يكبر، يكبر باتساع عين روحك التي لا تستطيع مواجهته بعد سنين؟ أقول هذا لأني استطعت الخروج من تلك الحروب منتصرة بالهزيمة، وغير مبالية بالخوف، أعيشه اليوم بتفاصيله، بلا هوادة، كيف ولماذا ومن المفترض أني بدوت أكبر عمراً، إذ كلما نضجنا سنة في بلاد القتل، نكتسب مناعة من الصفات البشرية الطبيعية، أهمها بالطبع هو الخوف، أي، عليّ أن أكون أقوى، وأن أضحك حينما استمع لصوت انفجار أو رؤية صاروخ عابر من شرفة غرفتي، لمَ صرت ارتعب أكثر؟  

اليوم كبر خوفي وتفرع وأصبحت له أغصان صغيرة تتغذى على مياه روحي، حقاً بت أخاف من الأخبار العاجلة والقتل المتكرر للمتظاهرين، أخاف من قتل الأحلام جداً، ومن رؤية وجوه الأمهات وهن يسرعن لاحتضان بقايا أبنائهن، أخاف القرارات السياسية وأحاديث المسؤولين، أخاف حتى من خبر لمقتل شخص في بلد معيّن، بلا شك، بلدي سيتحمل عواقبه، أخاف الخروج مع أصدقائي إلى مكان ما، ستكون جل أحاديثنا عن الهجرة، فكرة وداعهم مؤذية، أخاف على عائلتي ومن أحب هكذا بطريقة أوتماتيكية رتيبة ومملة، لدرجة أن اتصالاً منهم يجعل قلبي يدق سريعاً، أخاف كثرة تجمع السيارات العسكرية، شكلها يذكرني بأني أعيش في سجن كبير، أو رؤية متسول في الشارع، سأفكر بحياته البائسة التي جعلته يتوسل الدموع والنقود، سأفكر حتى بالجندي الذي يلازم سيطرته العسكرية ولم ير وجه زوجته منذ أسابيع، وآه كم ترعبني فكرة وجود مشروع قيد الانجاز، أخشى أنه لن يكمل ويبقى مجرد طابوق كما الجامع الذي يصارع البناء منذ سبعة عشر عاماً قبالة مكان دراستي، كما أفكر بالنفايات التي ستبدو مثل جبال وتغرقنا، أفكر بخوف من الشتاء ومطره الذي يبدو نقمة علينا من دون الدول، أخاف حتى من الصيف الذي يمنحنا الأرق المجاني، والالتفات يميناً ويساراً، هل لاحظتم؟ أخاف من كل شيء... 

اليوم كبر خوفي وتفرع وأصبحت له أغصان صغيرة تتغذى على مياه روحي، حقاً بت أخاف من الأخبار العاجلة والقتل المتكرر للمتظاهرين، أخاف من قتل الأحلام جداً، ومن رؤية وجوه الأمهات وهن يسرعن لاحتضان بقايا أبنائهن

أحياناً أشعر أن طفل الخوف الذي تركته يوماً في الحرب كبر، وحينما فتحت الباب له، كان قد اعتاش على حياتي بكل ضخامته، الحياة هي كيف تشعر بالخوف في بلدك، لا أعلم إذا ما فكر أحدهم بالخوف في بلاده أو أنه حتى استشعر خطواته، ياه كم يبدو الأمر مرعباً ومهلكاً، أشعر أني منهكة، وأشعر كما يقول خالد حسيني "ما هي الفرصة لترى شيئاً لم يلوث بعد؟".

ما الذي بقي نقياً أستطيع الشعور فيه بسكينة وسلام؟ ولو كان رصيفاً يمنحني الطمأنينة، سأعيش ممتنة له أبد الدهر. لكن، أرصفة المتنزهات أيضاً قد تبدو مرعبة في لحظة هنا.

السؤال هو أننا لمَ نخاف وممن؟ حقيقةً أخاف من كل شيء باستثناء نفسي، وأحياناً أخاف منها، وهنا تبدو الأمور أصعب، المرء الذي لا يخاف من ذاته، قد لا يعوّل عليه، صار الخوف أعمق، الخوف من الخسارة، لا أن أخسر. أربح الخوف، لكن ذعري الأكبر من نفاد صبري تجاه هذا الوطن، والهروب، الهروب مع خوفي، إلى أمان آخر.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image