شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
سئمت المثالية في الحب والصداقات بل وأخاف منها

سئمت المثالية في الحب والصداقات بل وأخاف منها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 7 يناير 202101:25 م

لم أبحث يوماً عن صديق أو حبيب مدهش، أريد شخصاً عادياً أكون معه على سجيّتي، أُخطئ أمامه كما يفعل البشر، يحبّ من أحب ولا يلومني إن لم أكره شخصاً عزيزاً عليّ لا يروق له بطبيعة الحال، وأكون له كذلك. ليس بالضرورة أن يشاركني اهتماماتي، أصدقائي، هواياتي وأحلامي، لكن دون أن يُقلّل من شأنها أو شأني، لا يُعطي ردّات فعل مبالغاً بها ليبهرني، فأتمكن بذلك من تفسير ملامحه إن ضاق صدره أو اتسع، إن غضب منّي أو راق له ما قدّمته بحبّ. لا يلومني لأنّي لم أبالغ، ويدركني إن أضعت نفسي، يُعاتبني بدل أن يخافني، لا يتنمّق ولا يتصنّع ولا يتشدّق، وإن نقدني فليكن بحب، دون تجريح أو تقليل أو إنقاص. 

ولهذا، لم ترق لي العلاقات المثالية، بل إنها تُخيفني كثيراً، لأن الخطأ فيها لا يُغتفر، فالطرفان من فرط العطاء ينسيان أنهما خطّاءان كمثيلاتهما من الكائنات الحية، وهذه العلاقات سُرعان ما تنتهي فجأة ودون أي مقدّمات، حين يخرج أحدهما عن طوره فيُظهر مساوئه التي أخفاها دفعة واحدة أمام شريكه أو صديقه، بعد وقت طويل من محاولته إخفائها عنه، وهنا ينسحب أحدهما، أو الاثنان، مرّة واحدة أو بشكل تدريجي، ينقطع الودّ ويرى الواحد شخصاً جديداً في الآخر، لم يتعرف عليه طوال فترة القرب.

 قرأت الكثير من الكتب المثيرة في حياتي، ولم يبهرني شيء مثل الأبطال الطيبين الذين كان يصرّ الكتّاب على إظهار صفاتهم السيئة، ربما لأني أخاف من هذه المثالية الزائفة، وكنت أرى من أبطال الواقع أشخاصاً عاديّين، لا يتكبدون العناء ليرسموا ابتسامة على شفاه من حولهم، من تقودهم عفويّتهم فلا يرهقون أدمغتهم بالتفكير الصائب خوفاً من اقتراف خطأ عادي، أولئك الذين حين يُقدّمون لك هدية، يعرفونك للدرجة التي يستطيعون بها أن يبهروك بورقة أو وردة أو نصّ قصير أو حبّة شوكولا، تعيد لك اتزانك حين يصير يومك بها حلواً جدّاً.

لم ترق لي العلاقات المثالية، بل إنها تُخيفني كثيراً، لأن الخطأ فيها لا يُغتفر، فالطرفان من فرط العطاء ينسيان أنهما خطّاءان كمثيلاتهما من الكائنات الحية، وهذه العلاقات سُرعان ما تنتهي فجأة ودون أي مقدّمات

هم الأشخاص العاديون فقط، المثيرون بطبيعتهم، لا يحتاجون إلى إرهاق أنفسهم بالتفكير بكيفية أن يكون الشخص مثيراً، من يمكنك قضاء يوم طويل برفقتهم دون أن يصيبك اضطراب نفسي، وأنت خائف من أن تصرّح لهم بشعورك، فلا تتردّد بنقدهم بلطف أو نصحهم برفق، أولئك الذين إن أخطأوا بحقّك، لم تأكل نفسك وأنت تفكّر بأفعالهم، بل تذهب إليهم لتلومهم وتخبرهم بأنك استأت منهم، فلا يخاصمونك ولا يغيّرون صورتك الحلوة في رؤوسهم، من يقدّمون لك شيئاً بسيطاً فتراه عظيماً، لأنهم اختاروا الوقت المناسب وشعروا بحاجتك لما قدّموه، وحين يفعلون شيئاً حسناً لا يمدحون أنفسهم، ولا يرغمونك على مدحهم، من يتجنّبون الإطراء، يحفظون الود وتدهشهم البساطة التي تحبّها كما تدهشك.

قبل أيام، صوّبت الأحداث حولي سكاكين من بشر، أحداث متعاكسة متسارعة، لم أتدارك نفسي فيها، كنت خائفة ومستاءة. أشغلت رأسي كثيراً وأعترف بأنه فعل أحمق مني، فقررت أن أُريح نفسي بالاستجابة لطلباتها المبالغ فيها، كأن أتناول البرغر بسعراته العالية، في ساعة متأخرة، مع أشخاص أحبهم دون تصنّع. كان ذلك أكثر شيء أحتاجه آنذاك، لكن ما حصل أني أخرجت الوحش السيء الذي وُلد من تراكمات حبستها في صدري لوقت طويل، وبصرخات وتخبطات كثيرة، لخبطت المكان من حولي، وضربت كل شيء جميل بعرض الحائط، ولا يُمكن وصف حالتي بكلمة "سيئة" فقط، فقد كنت سيئة بشكل مبالغ فيه، ما جعلني أهرب من المكان، محاولة الابتعاد قدر الإمكان نحو أقصى نقطة لا يجدني فيها أحد.

أريد حياة معتدلة، فرحاً معتدلاً، حزناً معتدلاً، خوفاً معتدلاً، حبيباً عادياً وصديقاً لا يلومني إن لمت نفسي، ولا يبني لي صورة مثالية تقيّدني، فأنا مليئة بالأخطاء التي أود أن يدركها من أضعهم بحبّ في دائرتي الحميمية

وجدت أرجوحة في مكان مقفل، وجلست عليها بينما تُغرق أمطار كانون الأول كل ما حولي. نسيت هاتفي ونقودي، فكّرت بالكثير من الأشياء، لكن أكثر ما أخافني فكرة أن تراني صديقتي على هذه الصورة. كان الأمر مفجعاً حقّاً، ربما لأنني اعتدت في علاقاتي أن أكون مثالية بشكل مفرط، وبدأت أفكر كثيراً بالمبررات التي سأعطيها لها، فلم تثبت في رأسي جملة منطقية واحدة. لقد أخرجت في وجهها كل الوحوش التي سكنتني دفعة واحدة، جهّزت نفسي لرحيلها، وفكّرت بسيناريو طويل عن اعتذارات مقرفة، وحين عدت إلى المنزل احتضنتها وبكيت كثيراً، لتخبرني بدورها أنها بعد خمس دقائق فقط تذكّرت الأمر الذي كان يزعجني، وحاولت اللحاق بي، فوقفت كثيراً أمام بابي ظنّاً منها أني استغرقت بالنوم، ولم تطلب مني اعتذاراً واحداً، بل عُدنا للعب الشدّة، بعد وقت قصير من بكائي المتقطع بالنحيب واللهاث. لقد حُلّ الأمر ولم ترني سيّئة كما كنت في مرآتي، لقد برّرت لي دون أن تسمع اعتذاراتي، ولم تبتعد!

الآن، أُدرك نفسي أخيراً، فلا قدرة لي على المبالغة، أريد حياة معتدلة، فرحاً معتدلاً، حزناً معتدلاً، خوفاً معتدلاً، حبيباً عادياً وصديقاً لا يلومني إن لمت نفسي، ولا يبني لي صورة مثالية تقيّدني، فأنا مليئة بالأخطاء التي أود أن يدركها من أضعهم بحبّ في دائرتي الحميمية.

إنني أحاول منذ وقت قصير أن أعود إلى سجيّتي، وها أنا أقلّل الرقم، فأعزف عن العد إلى المائة قبل القيام بأي شيء، الآن صرت أعد حتى الخمسين، وأود أن أكتفي بالعشرة!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard