نمَّطت الأمثال الشعبية التي يزخر بها القاموس الشفوي الجزائري المرأة باعتبارها أقلُ شأناً من الرجل، كما كرست فكرة أفضليته عليها، إلى الدرجة التي تتحمل هي مسؤولية فشل الزوج، أو مآسيه.
من أبرز الأمثال الضاربة في عمق التاريخ الجزائري: "كلُ بلية سببها ولية"، بمعنى كل مُشكلة تقف خلفها المرأة، و"إذا حلفوا فيك الرجال بات راقد وإذا حلفوا فيك النساء بات قاعد"، بمعنى إذا توعدك الرجال اقضِ ليلتك نائماً، وإن توعدتك النساء اقض ليلتك جالساً.
"الخير امرأة والشر امرأة".
ومن الأمثال الأخرى التي حذرت من التعامل مع المرأة حتى يُؤمن غضبها وشرها "الخير امرأة والشر امرأة"، وكثيراً ما يُسقط هذا المثل على الحظ الذي يحالف الرجل بعد عقد قرانه سواءً كان سيئاً أو جيداً، وهو المثل الذي أُسقط على مريم، شابة جزائرية في العقد الثالث من عمرها، أم لطفل لم يطفئ شمعته الثانية بعد، إحدى اللواتي يعتبرن أنفسهن ضحية الأمثلة الشعبية التي تسيء إلى المرأة.
تقول مريم، وهي على مشارف الطلاق، لرصيف22 إن زوجها كان يُجسد بعض الأمثال في سلوكه، وتعامله معها، فكان دائماً يستعمل بعض الأمثال الشعبية التي تُوظف المرأة، وتُشبهها ببعض الحيوانات السامة والخطرة، كما كان يُطلقُ عليها لفظ "وجه النحس"، وهو اتهام يطلق عادة على الشخص الذي إذا حل بمكان وقعت به المصائب وإن لم يكن له يد فيها.
تشبيهات مسيئة للمرأة
وكان زوج مريم يُشبهها أيضاً بالأفعى، نسبة للمثل الشعبي القائل "السم من الغار ولا مولات الدار"، والمقصود أن الرجل يمكنه تحمّل لسعة الأفعى، ويقاوم سمها، غير أنه غير قادر على تحمل زوجته، خاصة إذا تفاقمت الخصومات بينهما.
ومن الأمثال التي تصبُ في هذا السياق: "المرأة أخت الأفعى العظم القاسي ترشيه"، وشبّه هذا المثل الشعبي المرأة بالأفعى في الإصرار والعناد، فالرجل الصلب بإمكانه أن يلين أمام عناد المرأة.
كذلك شبهت الأمثال الشعبية المرأة بالعقرب، مثل: "المرأة عقرب حلوة اللسان"، ويبرز هذا المثل المرأة بوجهين، وجه يتظاهر بالمحبة والإخلاص والمداعبة (حلوة اللسان)، أما الوجه الآخر فيعكس المكر والخداع والخبث والغدر والخيانة.
ترى مريم أن الرجال يسيطرون على لغة الجزائريين، وتشعر أنها كامرأة (مهما فعلت) ستظل في نظر الرجل الجزائري حواء التي أخرجت آدم من الجنة، وجنت على البشرية
ومن الأمثال التي تشبه المرأة بالعقرب: "زوج نسا في الدار كي العقارب في الغار" أي امرأتان في المنزل كالعقارب في جحرها، ويشرح هذا المثل موقف معارضي فكرة تعدد الزوجات.
ولا يقتصر تشبيه المرأة بالحيوانات فقط، بل استخدمت بعض الرُموز الطبيعية كالماء، إذ ضرب في هذا الشأن العديد من الأقوال، مثل: "اعقب على واد هدار ومتعقبش على واد ساكت"، يُقدم هذا المثل نصيحة للسائر بالمرور على المكان الذي تُثير فيه المياه صخباً وضوضاء، وتجنب الوادي الذي به مياه هادئة وساكنة، وينطبق هذا المثل على المرأة الهادئة والساكنة، فيجب أن لا يُخدع الرجل بهدوئها وصمتها، لأن ذلك الهدوء قد ينقلب مُستقبلاً.
ويقول المثل الجزائري الشائع: "ثلاثة ما فيهم أمان المرأة والبحر والسلطان"، فهذا المثل يقارن المرأة بالبحر لأنه لا يمكن الوثوق به، لتقلبه غير المتوقع، والوضع ذاته ينطبق على السُلطان فهو يُظهرُ الحنان والعطف تجاه شعبه، ولكنه سرعان ما ينقلب نحو الأسوأ في حالة إحساسه بالخطر أو التهديد.
ويقول مثل آخر: "ما تقوم القيامة إلا على مطيرة وإلا ظفيرة"، و"المطيرة" مشتقة من المطر أي الماء و "الظفيرة" هي المرأة التي تكاد تكون في غالب الأحيان محور صراع.
"يلقبونني بزوجة النحس"
عانى زوج مريم من البطالة بعد عمله في مجال الأشغال العمومية في محافظة داخلية، ولكنه كان يرى أنها هي المسؤولة عما حل به، تقول: "كان في كُل مرة يُوجه لي أصابع الاتهام، ويقُول إنني لم أكن فأل خير عليه، وأصبحت شماعة يُعلقُ عليّ دائما فشله، حتى أهله صارُوا يُلقبونني بزوجة النحس".
حول تأثير تلك الأمثال الشعبية على المرأة في الواقع، تقول الباحثة الجزائرية في علم الاجتماع، غنية خلاصي، إن تأثير هذه الأمثال يحصل على مستويات متعددة، الأول مرتبط بالمستوى الذهني، إذ تتشكل أمثال تقوم على صور نمطية، ترسم سمات الشر والمكر والخديعة كسمات أنثوية، وهو ما يستدعي الحذر، حذر المرأة من المرأة، وحذر الرجل من المرأة.
أما المستوى الثاني فيتعلق بالعلاقات والسلوكات، التي تتأسس انطلاقاً من المعطى السابق، وهو ما يبرر الشك في كل ما تقوم به المرأة، وقد تصبح هذه الأمثال أيضاً مرجعاً لتبرير العنف ضدها رمزياً أو جسدياً.
والمستوى الثالث، توضح الباحثة، يتعلق بنقل هذه الأمثال والسلوكات والممارسات إلى الأجيال الصغيرة عبر التنشئة الاجتماعية ليستمر الوضع ولو نسبياً.
تصور الأمثال الشعبية في الجزائر المرأة بأنها ماكرة، تضمر الشر، وتحط من قدرها، ويطالب البعض بقرار سياسي يحظر تداولها، لانتشارها حتى وسط النخبة والمثقفين
وتلفت خلاصي إلى أن التحولات الإيجابية التي تعيشها المرأة في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية لم تقض على تأثير تلك الأمثال الشعبية.
وتُؤكد أن التحولات في وضعيات المرأة السياسية والاقتصادية وفي أدوارها ومكانتها في المجتمع الجزائري لم تقض نهائياً على ما سبقت الإشارة إليه، وتقول: "الرجل تحديداً في المجتمع الجزائري يعيش ازدواجية في التعامل مع المرأة، فمن جهة يعترف بحقها في التعليم والعمل، ولكنه في الآن نفسه يراها في منزلة أدنى منه، لذا إذا أرادت الاستمرار في النجاح أن تدفع ثمن ذلك، خاصة عندما نتحدث عن العلاقة الزوجية، وهذا الثمن ليس بالضرورة مادياً".
وترى أن "التخلص من هذه الأمثال الشعبية ليس أمراً هيناً، وقد يأتي مثلاً بقرار سياسي، فهي مُدونات تعيش في بنى المجتمع العميقة جداً، وجزء من الموروث الثقافي، لكنها تتعايش مع منظومات جديدة حول المرأة وتتصارع معها من أجل البقاء، مما يتطلب الوعي بخطورتها على رمزية المرأة الإنسان، ثم العمل على رسم البدائل".
وتوافقها في الرأي الناشطة النسوية، دليلة حسين، فتلك الأمثال لا تزال متداولة في اللغة اليومية للجزائريين، وتقول: "تحولت إلى قناعات لدى كثيرين، وتبرز في تصرفاتهم وسلوكياتهم".
"ورغم وضوح المفاهيم الخاطئة في تلك الأمثال، تبناها المجتمع، وتبنتها حتى الطبقة الواعية والمثقفة للأسف"، تؤكد حسين.
وتلفت مريم إلى أن الرجال يسيطرون على لغة الجزائريين، وتشعر أنها كامرأة (مهما فعلت) ستظل في نظر الرجل الجزائري حواء التي أخرجت آدم من الجنة، وجنت على البشرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 18 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 19 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت