تشعرُ نسيمة، في العقد الثالث من عُمرها، وأم لطفل عمره عام، سمراء، ذات حُضور طاغٍ، بالمرارة لأنها تلقت طعنة قاسية بعد أن هجرها زوجها، وتركها معلَّقة "تموت ببطء في مواجهة نظرات المجتمع المحبطة".
تتحدث نسيمة لرصيف22 عن قصتها مع شريك حياتها الذي لم يمض على ارتباطها به سوى عامين، وكان ثمرة هذا الزواج ابنها الوحيد إسحاق، تقول: "عندما تقدم لخطبتي، كان يبدو لي شاباً متديناً، وخلوقاً، أبلغني أنه مستقر مادياً، وله مسكنه الخاص، فوافقت، والفرح يملأ قلبي، بعد أن يئست".
تنظر نسيمة حولها، وتلتفت يميناً وشمالاً وكأنها تستعيد وقائع التجربة الأليمة، التي مرت بها، وتقول: "منذ الشهر الأول من الزواج بدأت المشاكل تُلاحقنا لأنه زوج غير مسؤول، وعاطل عن العمل، ورافض لكل فرص العمل المُتاحة له من دون سبب واضح. كنا ننفق من راتبي الشهري، وهو ينام كثيراً ليلاً ونهاراً، وبين الحين والآخر يضربني ضرباً مبرحاً لأنني كنت أبدي انزعاجي من وضعيته".
"صرتُ عصبية وسريعة الغضب"
تقول نسيمة، وعلى وجهها علامات الامتعاض واليأس: "اختار التملص من المسؤولية اتجاهي واتجاه ابنه الذي لا يزال رضيعاً، هجرني ورفض تطليقي هُروباً من التكاليف التي يجبر على دفعها إن طلقني، كدفع النفقة الغذائية التي تعتبر وفقاً للقانون الجزائري إلزامية للأب على أولاده، وحتى بالنسبة لكراء عقار من أجل الحضانة".
فكرت نسيمة مراراً في اللجوء إلى القضاء لاتخاذ إجراء المتابعة في حق زوجها بسبب تخليه عن التزاماته المعنوية والمادية المترتبة عليه، غير أن تشبثها بأمل عودته حال دون ذلك.
"الخيانة الزوجية بمثابة سم قاتل، أتجرع قطرات منه يومياً، فأنا أموت ببطء، وما زاد الأمور تعقيداً تخليه عن واجباته المادية والمعنوية اتجاه أطفالنا"
لا تنكر نسيمة، في سياق حديثها عن تشبثها بخيط من ضياء الأمل، أنها وقعت أكثر من مرة في اليأس والإحباط، لكن عندما تنظر إلى عيني طفلها، تحاول الوقوف من جديد لمواجهة العقبات القاسية، التي تنتظرها لأن المجتمع لا يرحم المرأة، خاصة إذا كانت مطلقة أو معلقة.
نسيمة اليوم تواجه أحلك الظروف وأقساها، لأنها لم تكن تريد العودة إلى بيت أهلها، تقول: "صرت عصبية وسريعة الغضب، وحتى تصرفاتي ساءت، لأنني أتألم عندما أرى طفلي وحيداً من دون والده، فُهو يدفع ثمن خطيئته".
"الخيانة سم قاتل"
تعيش فتيحة، شابة جزائرية، في العقد الثالث من عمرها، وهي أم لفتاة في التاسعة من عمرها، وطفل في السادسة من عمره، حالة من الضياع، لا تشعر بوجود هدف تعيش من أجله، لأن كل فرصة لتعديل وضع عائلتها قد انتهت بعد أن هجرها زوجها لأجل امرأة أخرى.
التقت رصيف22 بفتيحة لأول مرة أمام مدرسة في منطقة باب الزوار (الضاحية الشرقية لمدينة الجزائر العاصمة) تنتظر خروج ابنها لترافقه إلى المنزل كما تفعل دوماً. شابة بيضاء البشرة، طويلة القامة، لها بريق خاصة في عينيها الخضراوين.
تعود فتيحة إلى بداية حكايتها في حديثها لرصيف22: "عندما تزوجته لم أبلغ بعد عتبة العشرين، طلب مني عدم مواصلة مشواري الدراسي مقابل حياة رغيدة، فوافقت رغم أنني كنت على مشارف الجامعة".
"عشنا الاستقرار بكل نواحيه النفسي والفكري والعاطفي والروحي في السنوات الأربع الأولى من زواجنا، لكن سرعان ما انقلبت الأوضاع رأساً على عقب إذ تغيرت معاملته معي، وكأنه شخص آخر. وهو كان طيباً جداً قلما أغضب منه، وإذا غضبت كان يصالحني سريعاً. ثم راح يغيب عن المنزل ولا يتصل للسؤال عن أسرته".
تُعيد فتيحة ضبط ذاكرتها على اليوم الذي اكتشفت فيه خيانة زوجها، تقول: "الخيانة الزوجية بمثابة سم قاتل، أتجرع قطرات منه يومياً، فأنا أموت ببطء بسبب المعاناة التي أتكبدها، وما زاد الأمور تعقيداً انعدام مصدر رزقه بسبب تخليه عن واجباته المادية والمعنوية اتجاه أطفاله".
"لا وجود للمعلقة في القانون"
تقول فتيحة: "صرنا نقتات من صدقات أهل الخير". وتختم: "مرت عليَ خمس سنوات وأنا معلقة لا متزوجة ولا مطلقة. أريد استرجاع حريتي وكرامتي وكبريائي التي فقدتها كلها لكثرة التنازلات التي قدمتها".
لا يختلف وضع فتيحة عن وضع جارتها سارة، التي كانت معروفة في الحي بجمالها وأناقتها المكتسبة من ثقتها بنفسها، وقد شاءت الأقدار أن تصاب بمرض السرطان، وهي تودع عامها الـ35. في السنوات الأولى من حياتها الزوجية، هجرها زوجها وتركها تصارع المرض وحدها، لأنه لم يتقبل شكلها بعد المرض.
"صرت عصبية وسريعة الغضب، وحتى تصرفاتي ساءت، لأنني أتألم عندما أرى طفلي وحيداً من دون والده، فُهو يدفع ثمن خطيئته"
ومن المواقف الصعبة التي اختبرتها سارة، رغبة زوجها في طردها من المسكن الذي تقطنه وابنهما الوحيد الذي لم يتجاوز العشر سنوات الأولى من حياتها، من أجل الزواج بأخرى من سن بناته.
تقول الناشطة النسوية، دليلة حسين، لرصيف22 إن الحالة المزرية التي تعيشها فتيحة ونسيمة تنطبق على الكثيرات، وأخبرتنا بقصة صادفتها عندما كانت مقبلة على تقديم دروس حفظ القرآن وتفسيره في عدة مساجد وجمعيات ومؤسسات خاصة. تقول: "عندما كنا نصل لتفسير الآية التالية (للذين يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) تحدثت الكثيرات من النسوة عن المعاناة التي يعشنها بسبب تخلي أزواجهن عنهن، وأغلبهن كبيرات في السن".
وتُؤكد أن بعض المعلقات مضطرات إلى البقاء في بيت الزوجية من أجل السكن والحفاظ على استقرار أطفالهن، ويرفضن رفضاً قاطعاً اللجوء إلى القضاء للفصل في هذه المعضلة، وتستشهد الناشطة النسوية بالعديد من الحالات كالإيلاء والنشوز. وهناك أيضاً ما يسمى بالطلاق العاطفي والوجداني. وكل هذه الحالات تنطبق على المرأة المعلقة، التي ليس لها حقوق الزوجة، ولا حقوق المطلقة التي قد تعيد إليها صياغة حياتها من جديد.
وتُوضح دليلة حسين أنه لا وجود لمصطلح "المُعلقة" في القانون الجزائري، أي أن المشرّع لم يُسلط الضوء على هذه الفئة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون