بخبرة "الفلاح الفصيح" قطع وحيد حامد مشواره الفني في كتابة السيناريو على طريقته المثيرة للجدل والشك في الانحياز إلى المواطن ومساندة قضاياه.
بدأ حامد مشواره في السبعينيات، عندما كانت مصر ترزح تحت وطأة الانفتاح الاقتصادي، واستقرت خطواته على الأرض في الثمانينيات، عندما كانت السينما المصرية غارقة في أفلام المقاولات، ليجد نفسه في التسعينيات واقفاً بجوار "الزعيم" عادل إمام، والمخرج شريف عرفة.
ما بين المطرقة والسندان، وبين جمود الدولة البوليسية التي دشنها مبارك واستقر محتمياً بها لأكثر من 30 عاماً، ونار التطرف التي كادت تحرق المجتمع المصري، في تلك المحطة صنع وحيد حامد ملحمته الخاصة بقراره كمبدع، معالجاً قضايا المجتمع بطريقة لا تتعالى على ذوق المشاهد العادي فقط، ولكن تجسد غضبه وسخريته من الأحداث وصناع السياسات، لذلك جاء الحزن الشعبي على وحيد حامد بعد رحيله عن دنيانا حقيقياً، ومعبراً عن نجاح مشروع السيناريست (الأبرز مصرياً وعربياً) في الاقتراب من هموم المواطن العادي.
"حارب الإرهاب بكل أشكاله"
تفتح طريقة وحيد حامد في الاشتباك مع الحياة والفن باباً واسعاً للأسئلة، هو الكاتب الذي عُرف بتقديمه لأعمال اجتماعية ذات بعد سياسي، هاجمه كثيرون، واعتبروا مشروعه محاولة لتبييض وجه نظام مبارك، بينما يجادل محبوه أن إبداعاته كانت تتماس مع قضايا رجل الشارع في مصر.
في مشروع حامد المشترك مع شريف عرفة (تجسد في ستة أفلام)، لمست أوجاع المواطن في التسعينيات، وناقشت أزمة الإنسان الفرد وأزمات المجتمع العامة، بالإضافة إلى حربه التي قادها ضد الإرهاب والفكر المتطرف والأصولية الدينية، التي تنامى تأثيرها في مصر خلال التسعينيات، وتماهت مع خطاب دولة مبارك.
"في فيلم "الغول" قرر الصحافي قتل رجل الأعمال الفاسد بضربة ساطور في منتصف رأسه، عندما اكتشف أن القانون يعمل في مصلحة الفاسدين وليس العدالة"
يلفت الناقد السينمائي المصري رامي المتولي إلى عدم انحصار مشروع الكاتب وحيد حامد على التصدي للفكر الإرهابي، بل امتد لانتشار الإرهاب بشقّيه الفكري والجسدي، وقد ركز عليه كقضية كبرى في معظم أعماله الأخيرة.
ويمكن اعتبار أعماله التي أخرجها شريف عرفة، يكمل المتولي حديثه لرصيف22، منها خمسة أعمال لعادل إمام، وفيلم لأحمد زكي، على أنها مؤشر على اهتمام وحيد حامد بعدة قضايا في المجتمع المصري، ويمكن تطبيق ذلك المثال على نطاق أوسع في مسيرته بأكملها.
"وحيد لم يكن أداة طيعة تستخدمها السلطة، على العكس كان يمرر أفكاره الناقدة للسلبيات، سواء على مستوى الإدارة السياسية، كما الحال في أفلام "اللعب مع الكبار" 1991، والإرهاب والكباب 1992، أو مشكلة الانفجار السكاني والهجرة الداخلية للعاصمة، من خلال "النوم في العسل" 1996، أو فساد رأس المال وتفتت الطبقة المتوسطة في "المنسي" 1993، و"اضحك الصورة تطلع حلوة" 1998، أو تفكيكه لظاهرة الإرهاب من زاوية الفكر بعيداً عن العنف الجسدي، وتغلغل الفكر السلفي المتشدد كمكون عند عدد كبير من الشعب المصري، وذلك من خلال "طيور الظلام"، يوضح المتولي.
التنوّع والذكاء
تزامناً مع حصول وحيد حامد على جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 42، في بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، أصدر الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، كتابه "الفلاح الفصيح"، الذي يوثق سيرة حامد الذاتية.
كتب الشناوي في مقدمة الكتاب: "قضية وحيد حامد الرئيسية، أنه لا يعتبر أن قضيته تبدأ وتنتهي عند كتابة عمل درامي جذاب قادر على تحقيق النجاح الجماهيري، هو يعرف تماماً شفرة مزاج الناس، ومشاكلهم، وهمومهم، ومزاحهم، ويدرك تماماً أين يكمن جسر التواصل، وكيف يمتلك مشاعر الجمهور، إلا أنه لا يبحث عن تلك النقطة الساخنة التي يفضلها عادة كتاب الدراما، والتي يطلق عليها أساتذة علم اللغة (براعة الاستهلال)، فهي تتيح للكاتب السيطرة الوجدانية على جمهوره، وحيد لديه دائماً أهداف ومنطلقات أخرى".
في هذا السياق، يقول المتولي: "تناول وحيد حامد الدرامي دائماً ما يكون متنوعاً وذكياً، تركيزه على قضية الإرهاب هو جزء من مشروعه، يعرضه جزئياً كما الحال في مسلسل "بدون ذكر أسماء"، أو يعرضه تفصيلاً كما الحال مع "مسلسل الجماعة"، أو يتعرض لمرحلة متقدمة من تمكنه من مفاصل المجتمع كما فعل في مسلسل "العائلة".
نصيحة يوسف إدريس
منذ قدوم حامد من محافظة الشرقية في دلتا مصر إلى القاهرة، عام 1963 لدراسة علم الاجتماع بكلية الآداب، عمل على إعداد نفسه بدأب ملحوظ، ذهب إلى الكاتب يوسف إدريس، الذي يعتبره هو ونجيب محفوظ والمفكر عبد الرحمن الشرقاوي أساتذته الذين صقلوا موهبته، ونصحه إدريس بالكتابة في مجال الدراما، واستجاب حامد للنصيحة.
كتب الشناوي في "الفلاح الفصيح": "وحيد اشتغل على وحيد، قرأ كثيراً وشاهد كثيراً وتأمل كثيراً كثيراً، يقولون إن العبقرية إلهام من السماء لا يتجاوز 1% والباقي جهد مضن، على الإنسان أن يبذله لتحقيق هدفه، وهذا هو ما استوعبه وحيد حامد تماماً، ومنذ البداية، وبقدر ما كان يلتهم الكتب، في الوقت نفسه لا يتوقف عن تأمل البشر، لا يكتب وحيد إلا وسط الناس، وهكذا تعود أن يصحو مبكراً ليذهب إلى مكانه المفضل في كافتيريا الفندق المطل على النيل".
معادلات وحيد حامد
الشاعر والصحافي المصري سمير درويش، رئيس تحرير مجلة ميريت الثقافية، بدأت علاقته مع وحيد حامد في عرض فيلم "الغول" عام 1983، يقول لرصيف22 عن هذا اللقاء: "كان أول تعارف بيني كمشاهد وناشط سياسي في الجامعة، وبين وحيد حامد كسيناريست، كان الفيلم يعبر عن انتمائنا السياسي وقتها، ونظرتنا لمرحلة حكم السادات التي استشرى فيها الفساد، الذي أخذ يكبر بعد ذلك، وإن كان اختياره للنهاية صادماً، إذ قرر الصحافي الشريف أن يقتل رجل الأعمال الفاسد بضربة ساطور في منتصف رأسه، عندما وجد أن القانون يعمل في مصلحة الفاسدين وليس العدالة".
"أبطال أعمال وحيد حامد... لا يكرهون الديكتاتور، بل يتعاونون معه في كثير من الأحيان، معتقدين أنهم ينصرون الدولة التي تتعرض لمؤامرات خارجية"
ويضيف: "بعده توالت أفلام وحيد حامد مع عادل إمام، وأهمها على الإطلاق "اللعب مع الكبار"، حيث ألقى "المثقف" الساطور المزعج والدموي من يده، وقرر أن يذهب للسلطة ويتعاون معها، فكان التعاون بين البطل العاطل "عادل إمام"، وضابط أمن الدولة "المتحضر" حسين فهمي الذي يكره العنف، وإن لم ينس وحيد حامد أن يقدم نقيضه "مصطفى متولي"، حتى لا يقال إنه يحب ضباط أمن الدولة، ويراهم إنسانيين أكثر مما يراهم الناس".
يسترسل درويش في قراءته لأعمال وحيد: "كان يحب هذه المعادلات في أفلامه، في "طيور الظلام" مثلًا ستجد المحامي الألعبان، الذي يترافع في قضية دعارة مقابل ممارسة الجنس مع المتهمة، وفي مقابله محامٍ إسلامي يدافع عن "الداعرة" مقابل أن يترافع زميله المنفلت عن الإرهابيين، لأن القاضي يمكن أن يقتنع بكلامه أفضل مما لو كان المحامي ملتحياً.. وهكذا، هي معادلة أراد من ورائها وحيد حامد أن يقول إن المجتمع كعكة مقسمة بالتساوي، وبالتعاون بين الفاسدين والإسلام السياسي".
وينهي درويش حديثه قائلاً: "بالمجمل فإن الكثيرين من أبطال وحيد حامد في الدراما يمثلون وجهة نظر الناصريين، لا يكرهون الديكتاتور، بل يتعاونون معه في كثير من الأحيان على أرضية دولتية، معتقدين أنهم ينصرون الدولة التي تتعرض لمؤامرات خارجية، كما في "اللعب مع الكبار"، وفي الوقت نفسه ينحازون للبسطاء المقهورين كما في فيلم "المنسي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...