هل كانت السينما المصرية عنصرية حقاً، وهل ارتبط الأمر حصراً بذوي البشرة السمراء؟ وجهنا السؤال للمؤرخ الفني البارز محمد شوقي الذي استعرض العديد من الحوادث التي عاشها ممثلون وممثلات في تاريخ السينما، وكشفت عن أسباب مختلفة جعلتهم عرضة للتمييز.
بموازاة ذلك، حملنا السؤال للعديد من الفنانين الذين تحدثوا عن العنصرية في السينما المصرية، وهل هي مرتبطة بالبشرة فقط كما ساد الاعتقاد، وهل في الأمر مبالغة؟
نبدأ بنقل بعض الروايات عن فنانين واجهوا مواقف عنصرية مختلفة، كما رواها شوقي لرصيف22.
أحمد زكي والكرنك
لا نستطيع أن نعمم، هناك ممثلين كبار كانت بشرتهم سمراء تألقوا في الماضي والحاضر، لكن هذا لا يعني أن العنصرية تجاه البشرة السمراء لم تكن موجودة، بدليل ما تعرض له أحمد زكي في بداياته.
في المقابل، لا يدلل ذلك على أن العنصرية سمة من سمات السينما، بدليل أن أحمد زكي نفسه نجح وتألق وأصبح واحداً من أهم النجوم في تاريخ مصر.
المشهور من مواقف العنصرية، كانت قصة الفنان أحمد زكي مع المنتج رمسيس نجيب الذي قال: "الواد الأسود ده الناس هتصدق إزاي إنه حبيب سعاد حسني". في ذلك الوقت، كانت السينما المصرية تعتمد على فكرة فتى الشاشة الأول الذي يكون نجماً وسيماً بمواصفات جمالية عالية، يقود بطولات الأفلام كنور الشريف، وحسين فهمي، ومحمود ياسين وغيرهم، وهذا هو السبب في كلام نجيب الذي كان يؤمن بموهبة أحمد زكي، لكنه عارض تمثيله للدور.
المنتج ممدوح الليثي روى رد فعل أحمد زكي على هذه القصة حيث كان أمامه كوب ماء فكسره وثار ثورة عارمة في الاستوديو، حتى هدأه المخرج علي بدرخان وقال له: "هتنجح يا أحمد"، فردّ الأخير قائلاً: "بكرة كل دول هيجروا (سيركضون) ورايا"، وهو ما حدث بالفعل حيث كان صاحب أداء أسطوري، ومثّل مع سعاد حسني، وظهر كحبيبها في العديد من الأعمال الأخرى.
محمود المليجي وأمينة محمد
كان محمود المليجي صاحب بشرة ليست سمراء بشكل كامل، لكنها كانت سبباً في رفض الممثلة الشهيرة أمينة محمد عام 1937 إسناد دور البطولة له في فيلمها "تيتا وونج"، وهو من ضمن الأفلام المفقودة في السينما المصرية رغم نجاحه في الاختبارات وتفوقه على نجوم آخرين خاضوا الاختبار مثل حسين صدقي وشكري سرحان.
في محاولة لإثنائه عن العمل، طلبت منه أمنية محمد وقتها إحضار بدلة سموكينغ، رغم ظروفه الصعبة، وهو ما حدث بالفعل، ومثّل الدور الفنان الكبير حسين صدقي، المعروف بوسامته الكبيرة.
تنمر أنور وجدي
الفنان عادل أدهم تعرض للعنصرية أيضاً، رغم أنه ليس صاحب بشرة سمراء، ففي عام 1944 تم ترشيحه لبطولة فيلم "ليلى بنت الفقراء" أمام ليلى مراد، لكنه لم يعجب المنتج أنور وجدي، وقال له الأخير: "أنت آخرك تمثل أمام مراية بيتكم مش أمام ليلى مراد".
ابتعد أدهم عن الفيلم والسينما بعدها لما يزيد عن عشرة أعوام، قبل أن يعود ويثبت نفسه كأحد أهم ممثلي السينما المصرية.
ضياع حلم توفيق الدقن
من الفنانين الذين تعرضوا لمواقف عنصرية في السينما المصرية بسبب لون البشرة ومقاييس الوسامة قديماً هو الفنان توفيق الدقن الذي كان مرشحاً لبطولة فيلم "الرجل الثاني"، عام 1959.
وقتها، اعترضت صباح على وجوده بسبب شكله ولونه وطوله، كونها كانت أطول منه، وكذلك فعلت سامية جمال في فيلم آخر فأُسند الدور لرشدي أباظة وكان الفيلم سبب شهرة الأخير، والبدء بلعب أدوار البطولة المطلقة.
"أبو ضحكة جنان" لم ينجُ
لم ينجُ النجم الكوميدي التاريخي إسماعيل يس من العنصرية والتنمر على شكله من بعض الفنانين في السينما.
لعل أبرز موقف يذكر كان رفض الفنانة راقية إبراهيم التمثيل معه، في أول فيلم يشهد بطولته المطلقة وهو "المليونير"، وقالت إنها لن تحب إسماعيل يس بعد أن ظهرت كحبيبة لأوسم فنانين عصرها، رغم محاولات أنور وجدي المستميتة لإقناعها بقبول الدور.
"أنت آخرك تمثل أمام مراية بيتكم"... كان هذا ما سمعه الفنان عادل أدهم عندما تقدّم للتمثيل أمام ليلى مراد، وهو واحد من مواقف تمييزية مختلفة تعرض لها فنانون كثر في تاريخ السينما المصرية، فما هي أبرز تلك المواقف وأسبابها؟ المؤرخ الفني محمد شوقي يروي بعضها وفنانون يشاركون قصصهم
هكذا، ذهب الدور لواحدة من أجمل الممثلات في تاريخ السينما المصرية، وهي الفنانة كاميليا.
بكاء علي الكسار
النجم علي الكسار وقع أيضاً ضحية للعنصرية بسبب لونه ولكن ليس من المنتجين والمخرجين بل من جماهير تردد وقتها أنهم مستأجرون من منافسي الفنان الكوميدي الشهير.
وتعود واقعة التنمر التي تعرض لها الكسار أثناء عرض مسرحيته "حمار وحلاوة"، فكان أمام المسرح صور مسيئة له تسخر من لونه وتتنمر عليه، لكنه كان يسخر من الأمر ويقول إن هذا يعني نجاحه، حتى فوجئ في أحد العروض بواحد من الجمهور يتحدث بصوت عالٍ ويتنمر على لونه، فبكى علي الكسار على خشبة المسرح حتى رُفعت الستارة أثناء الفصل الثالث من المسرحية.
لم يفقد الكسار موقعه في بطولات الأعمال السينمائية بسبب عنصرية تعرض لها، كما تردّد، بدليل أنه كان بطلاً لأكثر من 15 فيلم، مثل فيلم "ألف ليلة وليلة".
المشكلة أن السينما تغيرت بعد ثورة 23 يوليو، وأصبح صعباً على الكسار أن يتغير ويتطور معها فظهر في أدوار ثانوية بسيطة ورفض أدوار عديدة لم يرها مناسبة لتاريخه، كالدور الثانوي في فيلم نجيب الريحاني "غزل البنات" وذلك لأنه كان يعتبر الريحاني منافسه ولا يجوز أن يكون سنداً لمنافس له.
بعد ذلك، تراجع وقبل بعض الأدوار البسيطة جداً حتى لا ينساه الجمهور، وذلك مع فنانين مثل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وإسماعيل يس وغيرهما.
أدوار الخدم في السينما المصرية
من ضمن الأسباب التي روجها البعض للاستدلال على وجود عنصرية في السينما المصرية هو الإسناد الدائم لكل أدوار الخدم لأصحاب البشرة السمراء.
في الأربعينيات، كان معظم الخدم في مصر من الطبقة السمراء وهم من كانوا يشغلون وظائف البواب والسُفرَجي والخادم، ولعل أبرز هؤلاء الفنان سيد سليمان الذي ظهر في دور السفرجي في أفلام عبد الوهاب.
وكذلك الفنان الكبير وأحد أشهر أصحاب البشرة السمراء في تاريخ السينما المصرية وهو محمد كامل، إذ كان في بداية حياته مونولوغيست مع إسماعيل يس وشكوكو، لكنه تحول إلى السينما وجسد هذه الأدوار ليصبح رصيد أفلامه ما يقرب من 150 فيلماً مع كبار نجوم السينما مثل إسماعيل يس وأنور وجدي وحسين صدقي، بينما كان آخر أفلامه مع الفنانة مريم فخر الدين عام 1958 في فيلم "طاهرة".
بعد ثورة يوليو، اختفى الوجه الأسمر من البيوت، والآن قليلاً ما نجد دور خادمة في عمل فني لأن الخادمات أيضاً قلوا في البيوت المصرية.
ينتهي هنا حديث شوقي عن مواقف عنصرية عاشها فنانون، لننتقل إلى حديث فنانين بأنفسهم، اختلفت نظرتهم للأمر.
مهجة عبد الرحمن ودور الخادمة
الفنانة مهجة عبد الرحمن، صاحبة البشرة السمراء، والتي كانت بطلة فيلم "البيه البواب" مع أحمد زكي أكدت أن العنصرية في السينما هي السبب في ابتعادها عن الفن لفترة طويلة.
بعد تألقها في فيلم "البيه البواب" توقع لها الجميع النجاح الباهر، لكنها اختفت وأصبحت تظهر في مشاهد قليلة في أفلام ومسلسلات، جسدت فيها دور الخادمة أو الفقيرة المعدمة التي تتسول قوت يومها، وهو ما أغضبها بشدة وجعلها تقرر الابتعاد تماماً عن الوسط الفني في مصر.
تقول مهجة عبد الرحمن لرصيف22: "اختارني الممثل الكبير الراحل أحمد زكي معه في فيلم البيه البواب مفضلاً إياي عن فنانات كبيرات رُشحن عليه، وبالفعل تألقت وحققت نجاحاً منقطع النظير، وبعد الفيلم عُرضت علي العديد من الأدوار، وقد جاءتني بطولة في فيلم ′قانون إيكا′ مع الفنان محمود عبد العزيز والفنانة آثار الحكيم، لكن دون أية مقدمات تم ترشيح ممثلة أخرى لدوري، كانت الراقصة منى السعيد".
وتابعت: "لم أصف السينما المصرية كلها بالعنصرية في تصريحاتي في هذه الفترة، لكن هناك أشخاص داخل صناعة السينما ينظرون لصاحب البشرة السمراء نظرة مختلفة، وكأنه معدوم الموهبة أو ممثل درجة ثانية".
مهجة عبد الرحمن أكدت أنها قبلت بدور الخادمة في مسلسل "شيخ العرب همام" مع يحيى الفخراني عام 2010 بعد أن ألح المخرج عليها، وبعد أن رفضت العمل معه في وقت سابق، لكن لما رأت منه الإصرار على أن تكون موجودة في عمل له، قررت التراجع عن موقفها احتراماً له.
"أبو الهول" وهويدا السودانية
حققت هويدا السودانية نجاحاً كبيراً في رمضان الماضي بصحبة الفنانة المصرية فيفي عبده في برنامج المقالب "خلي بالك من فيفي" عندما كانت تجسد شخصية "أبو الهول"، وهي خادمة مجنونة وملبوسة بالجن وتهاجم ضيوف الفنانة فيفي عبده.
بعد تألقها في "البيه البواب" توقع لها الجميع نجاحاً باهراً، لكنها اختفت. مهجة عبد الرحمن واحدة من الذين اتُهمت السينما المصرية مراراً بالعنصرية تجاههم. يقول البعض إن التمييز بحق الفنانيين أسبابه مختلفة ويرى آخرون أنه ليس أصيلاً... مؤرخ فني وفنانون يشاركون قصصهم
تقول لرصيف22: "ظهرت في العديد من الأعمال في أدوار ثانوية كخادمة أو عاملة أو ساحرة أو سيدة فقيرة معدمة منذ بدايتي عام 2012 في مسلسل فندق رايق، وهذا الأمر أصابني بالإحباط وجعلني أفكر كثيراً في اعتزال التمثيل والتركيز في وظيفتي الأساسية وهي تدريس الصفوف الابتدائية والإعدادية في مصر".
وعن حقيقة تعرضها للعنصرية في السينما المصرية، أكدت أنها سمعت أحد المخرجين يقول لها: "أنت آخرك تكوني خدامة"، ما أدخلها في نوبة اكتئاب طويلة، ولكنها أكدت في الوقت ذاته أنها لم تقابل أحد بهذه العنصرية بعده داخل السينما المصرية، إذ وجدت كل ترحاب ودعم من فنانين كمحمد رمضان وفيفي عبده والفنان محمد ثروت.
سيد رجب ينفي
قال الفنان سيد رجب، البالغ من العمر 70 عاماً، لرصيف22: "لا أشكك في كلام أي أحد قال إنه تعرض لتنمر أو عنصرية بسبب لون بشرته، إذ لا أعرف ما حدث معه حقاً، لكنني سأتحدث عن نفسي فقط، فأنا منذ أن وطأت قدماي السينما المصرية لم أتعرض مطلقاً للتنمر أو العنصرية من أي من عناصر العمل السينمائي المصري، بل الكل كان يدعمني بقوة بعد نجاحي وإثبات موهبتي".
وعن حقيقة تأخر نجوميته الكبير، ردّ قائلاً: "أنا لم أتأخر إلا بسبب القدر والنصيب، إذ بدأت مشواري الفني في المسرح حيث عملت لسنوات طويلة في مجال المسرح التجريبي والحر وقدمت العروض المسرحية داخل وخارج مصر ثم جاءت علاقتي بالسينما بأدوار صغيرة في في أفلام ′أحلام مسروقة′ عام 1999 و′حب البنات′ عام 2004 و′الأولة في الغرام′ عام 2007 و′قبلات مسروقة′ عام 2008 ثم الدور الذي غيّر حياتي هو دور المعلم سراج زرزور في فيلم ′إبراهيم الأبيض′ عام 2009 وبعده فيلم ′الشوق′، وهكذا توالت الأدوار حتى وصلت إلى البطولة بفضل الله وحمده".
سبب غياب عبقرينو
الفنان عبد المنعم عبقرينو صاحب البشرة السمراء الذي ظهر وتألق في "فيلم ثقافي" عام 2000 من بطولة أحمد رزق وفتحي عبد الوهاب وأحمد عيد، أكد لرصيف22 أنه لم يتعرض مطلقاً للتنمر أو العنصرية في السينما بسبب لون بشرته، بل كان يستغل إطلالته في تجسيد شخصية عبقرينو الأسمراني التي عشقها الناس وأحبوها وعرفوه بها، وكانت سبباً في شهرته الكبيرة في مجال الكوميديا.
وعن سبب ابتعاده منذ أكثر من 12 عاماً، بعد ظهوره الأخير في فيلم "الحكاية فيها منة" عام 2008 من بطولة المغني إيساف والممثلة بشرى، قال: "غيابي طوال هذه الفترة ليس له علاقة مطلقاً بعنصرية أو تمييز، لكن بسبب تواجدي خارج مصر لظروف خاصة، وقد عدت مؤخراً وجاهز للعودة للسينما بعد انتهاء أيام فيروس كورونا".
وأيّد عبقرينو ما قاله رجب وهو أن الموهبة هي من تفرض نفسها ولا يوجد في السينما المصرية عنصرية، بل من الممكن أن تتواجد قلة من العنصريين من عناصر العمل السينمائي، ويُعدون على أصابع اليد الواحدة، على حد تعبيره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.