"آخ يا بلدنا" آخر ما قدمه شوشو ورحل. المسرحية التي غنى فيها "شحادين يا بلدنا" سنة 1974.
إذا نظرنا إلى كلمات الأغنية نرى أنها لم تكن تنطبق على واقع لبنان في تلك الفترة الزمنية، فلبنان لم يكن في عجز مالي واقتصاد منهار أو فساد كما نعيشه اليوم، ليخيل لنا أنه تنبأ بأحداث واقعنا الحالي ليصف لبنان اليوم.
حسن علاء الدين
حسن علاء الدين الذي عرف بشوشو، فنّان الشعب، أبو مسرح الفقراء، مارد المسرح الكوميدي بجسمٍ نحيل وشارب ضخم، ارتبطت مسرحياته بالوطن والمجتمع والإنسان. صاحب روح دعابة وفيض من المرح والفكاهة، ذو لهجة بيروتية ساذجة، مقدم بعفوية نمطاً قرقوزياً، أو أراجوزاً حياً شكلاً وصوتاً وحركة، مؤمن بالحرية والإنسانية ورمز للمستضعفين والمضطهدين.
قدّم الصحافي والكاتب القدير فاروق الجمال، كتاباً بعنوان "آخ يا بلدنا"، ويذكر فيه أن شوشو ابتدأ مسيرته بالاشتراك في برنامج إذاعي يقدم للأطفال، حيث كان يقلد فيه صوت طفل. ثم انتقل إلى برنامج "يا مدير" الذي كان يقدمه محمد شامل، منتقداً فيه عيوب المجتمع اللبناني، وبعدها انتقل إلى برنامج "شارع العز" الذي وضع قصته محمد شامل. وفي سنة 1965، كان موعد انتقال شوشو من نجاحه التلفزيوني الواسع إلى نجاحه المسرحي الكبير.
"آخ يا بلدنا" آخر ما قدمه شوشو ورحل... المسرحية التي غنى فيها "شحادين يا بلدنا" سنة 1974
شوشو ناقد السياسيين
أسس نزار ميقاتي المسرح الوطني كأول مسرح ثابت في لبنان، بالاشتراك مع شوشو. ويتحدث الكاتب فاروق الجمال في كتابه عن المسرح الوطني ذاكراً: "في وسط الخضم والفوضى الفكرية برز فجأة اسم مسرح شوشو ونزار ميقاتي الوطني، في تشرين الثاني عام 1965، بمسرحية (شوشو بك في صوفر). ولأن شوشو موهبة خارقة، ولأن نزار ميقاتي ذكي جداً، هجم الجمهور بشكل مجنون على المسرح، حتى أن المسرحية استمرت تعمل طيلة ستة أشهر متواصلة"، وكانت هذه المسرحية مقتبسة عن مسرحية "لا بيش".
ويكمل فاروق الجمال بالحديث عن شوشو، فيقول: "إن المسرحية في مسرح شوشو كمسرحية، والإخراج والديكور وسائر العناصر التي يتألف منها العمل المسرحي، ليست مطروحة بحد ذاتها، وإنما هي إطار لممثل فكاهي هو شوشو.
وهنا يكمن الفرق بين مسرح شوشو وباقي النشاطات المسرحية في لبنان، ففي هذه المسارح نرى أن النص والإخراج والفكرة الرئيسية وهدف العمل ونوعية الجماهير، تعتبر مشاكل مطروحة تناقش وتبقى حاضرة أمام الجمهور الذي يأخذها جميعها بعين الاعتبار، وفي حين أن هذه العناصر ليس لها أي أهمية في مسرح شوشو، لأنها مجرد إطار يترك فيه شوشو الذي تجلب شخصيته كممثل موهوب أكثر عدد ممكن من الناس.
لقد كان باستطاعة شوشو أن يقدم في مسرحه أي نوع من أنواع المسرح، ولكنه اختط لنفسه طريقاً معينة، واتجه نحو المسرح يهدف إلى إمتاع الناس والترفيه عنهم عبر الإضحاك.
ومن جهة أخرى، فإن شوشو، خلافاً لباقي المسرحيين اللبنانيين، توجه نحو الجمهور الواسع. ففي حين كان يهدف المسرحيون اللبنانيون في أعمالهم إلى إجبار المثقفين والفنانين والنقاد والصحافيين على الاعتراف بفنهم، ليسجلوا فيما بعد نجاحاً فنياً معيناً، فإن شوشو كان طموحه ليس بالتوجه نحو المثقف والناقد، بل نحو الجمهور العادي".
"وتبقى الإشارة في النهاية إلى شخصية شوشو التي تعتبر ركيزة هذا المسرح الأولى إن لم نقل الوحيدة، ولا نأتي جديداً حين نقول إن جمهور هذا المسرح يأتي ليتفرج على شوشو بالدرجة الأولى، بلهجته البيروتية الشعبية وحركاته المبهرة، وعلى رفاقه الممثلين الذين تحولوا بالنسبة للناس إلى جزء من شخصيته".
اشتهر شوشو بمسرحياته الغنائية الساخرة وأشهرها كانت "شحادين يا بلدنا" التي عرضت حوالي خمسة أشهر على خشبة المسرح الوطني، داهم آنذاك عدد من رجال الأمن مكتبه، وصادروا 135 أسطوانة وسحبوا الأسطوانات التي في الأسواق. ومع ذلك ما زالت "شحادين يا بلدنا" على ألسنة اللبنانيين يرددونها ليومنا هذا
شوشو والمسرح الوطني
اشتهر شوشو أيضاً بمسرحياته الغنائية الساخرة، وأشهرها كانت "شحادين يا بلدنا"، والتي ما زالت على ألسنة اللبنانيين يرددونها ليومنا هذا، وكما ذُكر أن الرقابة صادرت أسطوانة "شحادين يا بلدنا" التي كانت ضمن مسرحية "آخ يا بلدنا"، والتي عرضت حوالي خمسة أشهر على خشبة المسرح الوطني، حيث داهم آنذاك عدد من رجال الأمن مكتبه، وصادروا 135 أسطوانة وسحبوا الأسطوانات التي في الأسواق.
وكما هو مذكور في كتاب فاروق الجمال بأن شوشو كان يجري مكالمة مع أحد، وقال له: "أنا أعبر عن الانتقادات التي أسمعها كل يوم بصورة كاريكاتور تجعلها تؤثر في الناس وتلفت انتباههم إلى القضايا التي أنتقدها. في الصحف هناك التحليل السياسي وهناك الكاريكاتور، أنا أقدم الكاريكاتور وأترك لغيري أن يقدم التحليل السياسي".
وفعلاً لم يكن هناك في لبنان مسرح سياسي في المعنى الشامل، بل كان هناك مسرح حزبي فقط، باستثناء مسرح الرحابنة ومسرح شوشو.
كان بين 1965 و1975، فنان شعبي بمعناه الواسع الخلاق، يقف على مسرح يُضحك لبنان كله، ويبكي اللبنانيين أحياناً أكثر مما يضحكهم. "آخ يا بلدنا" كانت آخر صرخة لشوشو، وصرخها اللبنانيون جميعهم معه قبل أن يرحل، وتلك الصرخة ما زالت تطفو على امتداد لبنان النازف. لقد خسر لبنان فنّاناً أصيلاً في تاريخ النهضة المسرحية الحديثة، ومع ذلك لم نكن أوفياء لشوشو، لم نكرم شوشو بعد موته كتكريم يطمح له الفنان بعد رحيله، نادراً ما نذكره في المناسبات المسرحية والفنّية، قلة قليلة من الجيل الجديد تعرفه، لم نعطِ لظاهرة شوشو دراسات وتحليلات فنّية وسوسيولوجية كما يجب.
أقل ما يمكن فعله من الحكومة والمسؤولين والمسرحيين العمل على إعادة إحياء التراث المسرحي والفنّي، مثل إعادة إنشاء مسرح وطني يكون مسرحاً شعبياً يعلم الفقراء كيف يحبون المسرح، مسرحاً مصنوعاً للفقراء وللبسطاء. وبالنظر إلى الكوميديا اللبنانية اليوم، فالأعم الأغلب اليوم، قياساً مع كوميديا شوشو، ينطبق المَثَل "أين الثريا من الثرى". يرى ناقدون فنيون، منهم الناقد الفني الكبير حلمي بكر، أن الإنتاج الفني اليوم، فناني اليوم يرتكبون جريمة في حق الفن، لا بل إنهم يسيئون إليه، وبالتالي يجب على الشرطة أن تزج بهم في السجون، وعلى نقابة الفنانين اتخاذ إجراءات فنية بحقهم.
في لبنان، إن كوميديا اليوم هي إيروسية لا ذوقية. انزع منها العُري والإيحاء الجسدي والألفاظ المموهة جنسياً والميوعة... فلا يتبقى منها ما يُذكَر، هؤلاء الكوميديون اليوم هم ورثة شوشو، لكنهم خانوا أمانة شوشو، طمسوا مجد شوشو. لنعيش على أمل أن يأتي من يستلهم روح شوشو ولو بعد حين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...