تخطّت رانيا رفعت الكثير من الصعاب لتتمكن من تحقيق حلمها. وبعد أن تخرجت من كلية الحقوق، وتعلمت فن النجارة في إحدى الورش، قامت بالالتفات إلى عروض مسرح الدمى أو الماريونيت، لتجد بين يديها "عروسة"، تحركها بأصابعها في عروض توعوية، وتحث الجميع من خلال ما درسته من مواد قانونية، أمام عدد ضخم من الجماهير من كافة الأعمار.
تقول رانيا: "أسست مسرح البرجولا عام 2011، وكان العرض الأول في 3 يونيو 2011، في موقف أوتوبيس روض الفرج". وتوضح أن "البرجولا هو مسرح توعوي اجتماعي، سياسي، قانوني. لذلك اخترت اسم برجولا، فهذه الكلمة تعني المظلة لأنواع كثيرة من المسارح، لنرى ما يحتاجه المجتمع ونضعه في إطار مسرحي، تحت مظلة البرجولا".
وتضيف: "تتكون فرقتنا من 15 شاباً وشابة يتم اختيارهم من خلال صفحة موقع التواصل الاجتماعي Facebook، ويقع الاختيار على عدد منهم بعد مجموعة اختبارات تؤهلهم للانضمام إلى مدرسة البرجولا". وتشير رفعت إلى أن أعضاء الفرقة يخضعون خلال 3 أشهر لتدريب يشمل التصنيع والتحريك والتمثيل للعرائس في البرجولا، وكل ما يحتاجه المسرح، وفي التصفيات النهائية يتم اختيار 5 أفراد. وتفتح البرجولا بابها كل 3 شهور لضم مواهب جديدة.
تؤكد صاحبة مسرح العرائس أن مسرحها خشبي متنقل، مرفق بمخزن خاص به، تم تصميمه ليكون مجموعة متماسكة، له طريقة لوضع الديكور والإضاءة والستائر. وتقول إن سمة التنسيق اكتسبتها من والدها الذي هو مهندس معماري، بالإضافة إلى أنها تعلمت النجارة على يد "مابوليا"، أحد نجاري منطقة عابدين. وهذه المهنة تعد بمثابة هواية لها مقابل مهنتها الأساسية، المحاماة.
ولأن مهنة المحاماة تلح عليها، ينقسم المسرح الذي تقدمه إلى جزئين، قسم المسرحيات وقسم الاسكتش. تعالج المسرحيات القضايا الكبيرة كالتحرش الجنسي بالأطفال في المدارس. وتقول رانيا: "هذه القضية من أهم القضايا التي أهتم بها الآن، وأقوم بكتابة النص بعد الدراسة الجيدة للمنهج داخلياً ودولياً". وتضيف: "مدة المسرحية 40 دقيقة، يكون الجمهور متلقياً يشاهد مسرح عرائس، لا نظهر خلاله إطلاقاً، والشق الآخر هو المسرح القانوني، ويكون تفاعلياً من دون خشبة مسرح، نظهر خلاله للجمهور، ويتم التعامل مع القضية بشكل مختلف". وتعطي مثالاً على قضية التحرش، التي يتم تغطيتها من الناحية القانونية والدولية، لمعرفة أين نحن من العالم. وتوضح رانيا أنه يتم كتابة الاسكتش بطريقة جماعية من الفريق بلغة عامية سهلة، ليستقبلها الجمهور. وبعد نهاية العرض يطلب من الجمهور التفاعل مع الفريق، من خلال اختيار الموقف غير الثابت وإعادة المشهد مرة أخرى، حتى يتم إصلاح الموقف السلبي في المشهد، هكذا يكون الإخراج تفاعلياً على المسرح.
وبحسب رفعت، يتم نقل التوعية القانونية في حق الضحايا في الموقف، وتقديم المعلومات الصحيحة، التي ستصبح داعماً للضحية أكثر من غيرها، والأخطاء التي تحدث في الموقف من الناحية النفسية والقانونية أيضاً. كما يتم تدريب الضحية على كيفية الدفاع عن نفسها والاستنجاد.
وعن كيفية تنظيمها للأمر، تقول: "كوني محامية جنائية لا يمكن أن يؤثر المسرح على عملي الأساسي، كما أنني قمت بتسخير فني لخدمة المجتمع واستخدمت دراستي أيضاً بطريقة مختلفة، مع علمي الكامل أن المحاماة تحولت إلى لقمة عيش وتجارة أكثر منها أخلاقيات. وتضيف: "أقوم بتوعية الناس على حقوقهم وواجباتهم من خلال الفن، الطريقة الأقرب إلى القلب والعقل أيضاً، لان انتشار القضايا يرجع غالبها إلى الجهل بالقانون".
تؤكد رفعت أن نشاطها متابع من جميع الفئات العمرية، ووصلت إلى غالبية المحافظات. لكن للفن دائماً أعداء، لذا لم يسلم البرجولا من هذا العداء، فتشير رانيا إلى تعرضهم لمضايقات من بعض الذين يرون أن العرائس أصنام. وتقول: "لكن من يحمينا هم المشاهدون، لأننا لا نذهب إلى أي مكان من دون دعوة من أهالي المنطقة، من خلال صفحتنا على Facebook".
ولنجاح المشروع، كان لا بد من أن تكون الجوائز حليفة لها، فقد حصلت على جائزة الشخصية النسائية الأكثر تأثيراً العام الماضي، في استفتاء شعبي أقامه مركز القاهرة للتنمية. وحصلت على درع الإبداع من مركز الإبداع والفنون في المحلة الكبرى، إلى العديد من الجوائز الأخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...