شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"تسريبات فنسن" تقدم رؤية "غير مسبوقة" للفساد المالي العالمي… والمنطقة تحظى بنصيب منها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 21 سبتمبر 202003:50 م

في كشف "غير مسبوق" لـ"الفساد المالي العالمي والمصارف الشهيرة التي تُمكّنه"، نشر موقع  BuzzFeed News الأمريكي بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) مئات الوثائق الحكومية المسربة تحت عنوان "ملفات فنسن" (FinCENFiles).

وتُظهر الملفات تدفقات المال القذر في جميع أنحاء العالم، وأسماء شهيرة من المحركين الرئيسيين لهذه العمليات التي تتحايل على قوانين تجريم غسل الأموال والعقوبات على الإرهاب.

تكشف الوثائق عن تواطؤ العديد من المصارف المعروفة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض أبرز أقوى الأنظمة المالية في العالم مثل ألمانيا وبريطانيا في السماح لأعداد من المهربين والإرهابيين والسياسيين الفاسدين والأوليغارشية السيئة السمعة في جمع مبالغ طائلة للشبكات الإجرامية وجني الأرباح.

من المصارف المتورطة التي ذكرتها الوثائق "نيويورك ميلون"، و"ستاندرد تشارترد"، و"جي بي مورجان تشيس"، و"باركليز"، و"إتش إس بي سي" و"دويتشه بنك"، والأخير هو أكبر مؤسسة مالية في ألمانيا وأحد أكبر المقرضين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. 

ويُشكّل مثلت هذه المصارف مجتمعة أكثر من 85% من تقارير النشاطات المشبوهة الواردة في التسريبات. مع ذلك، زعمت المصارف المشار إليها أنها قامت بدورها في التزام الإجراءات القانونية لمكافحة المعاملات المالية القذرة المحتملة.

ما هي "ملفات فنسن"؟

"FinCEN" هو اختصار لاِسم مكتب معروف بـ"شبكة مكافحة الجرائم المالية"(Financial Crimes Enforcement Network) تابع لوزارة الخزانة الأمريكية، وهو معني بـ"مكافحة غسيل الأموال، وحماية النظام المالي من الاستخدام غير المشروع، وتعزيز الأمن القومي من خلال جمع المعلومات الاستخبارية المالية وتحليلها ونشرها والاستخدام الإستراتيجي للسلطات المالية"، أي ما يعتبر شبكة إنفاذ الجرائم المالية في البلاد.

وينفّذ "فنسن" مهمته عبر تلقي بيانات المعاملات المالية، وتحليل تلك البيانات ونشرها لأغراض إنفاذ القانون، وبناء تعاون عالمي مع المنظمات المماثلة في الدول الأخرى ومع الهيئات الدولية، وفق موقعه الرسمي.

أما "ملفات فنسن"، فهي وثائق سرية مسرّبة تكشف عن الطرائق التي اعتمدتها المصارف الكبرى لنقل الأموال المشبوهة في جميع أنحاء العالم. وهي عبارة عن آلاف "تقارير الأنشطة المشبوهة" (SARs) التي تقدمها المصارف والمؤسسات المالية حين اشتباهها في حركة غير قانونية لتداول المال.

"تقدم رؤية غير مسبوقة للفساد المالي العالمي، والمصارف التي تمكّنه، والهيئات الحكومية التي تفشل في إيقافه"... "ملفات فنسن" تفضح تداول أكثر من تريليوني دولار لمصلحة الإرهابيين والمهربين والسياسيين الفاسدين بين عامي 2000 و2017، وللمنطقة نصيب منها

حصل موقع "باز فيد نيوز" على هذه الملفات التي تقدر بـ2100 من السجلات المالية السرية لوزارة الخزانة الأمريكية في العام الماضي، وشاركها مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين. 

طوال 16 شهراً، عمل 400 صحافي من 88 دولة ونحو 108 مؤسسات إعلامية في جميع أنحاء العالم، منها مؤسسة "إنكيفادا" للتحقيقات الاستقصائية في تونس ومؤسسة "أريج" العربية للصحافة الاستقصائية، على تحليل هذه الملفات التي تمثل نحو 22 ألف صفحة من المستندات والجداول، وإجراء مقابلات مع المحققين الماليين والضحايا.

وبحسب ما أشارت التحقيقات الصحافية، فإن "SARs" لا تعد في ذاتها إدانة بل مجرد تقرير للفت نظر السلطات إلى نشاط مشبوه محتمل. وخلال تقصيه دقة الشكاوى الواردة في الملفات المسربة، تمكن فريق الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين من الوصول إلى 17600 سجل إضافي ذي صلة بالمؤسسات المالية عبر طلبات قانون حرية المعلومات.

اللافت أن هذه الملفات المسربة التي قد تبدو هائلةً ليست إلا مجرد مقتطف صغير إذ يمثل التسريب 0.02% فقط من جميع تقارير المعاملات المشبوهة التي تلقتها السلطات الأمريكية بين عامي 2000 و2017.

ما خطورة هذا التسريب؟

من الأمور الصادمة بشأن التسريبات حسب ما أشار إليه من تابعوها، كان مدى انتشار المعرفة بالجرائم المالية -سواء في المصارف أو في السلطات الإشرافية- وطرائق استمرار هذا العمل في كثير من الأحيان خلال عدة سنوات. ومن ثم، توضح أيضاً مدى عدم اكتمال نظام مكافحة غسل الأموال والجرائم المالية.

وفي عداد عشرات الشخصيات البارزة التي أظهرت الملفات تورطها، كان المدير السابق لحملة ترامب بول مانافورت الذي أدين بالاحتيال والتهرب الضريبي.

وبحسب "باز فيد نيوز"، تقدم التسريبات "رؤية غير مسبوقة للفساد المالي العالمي، والمصارف التي تمكّنه، والهيئات الحكومية التي تفشل في إيقافه". 

ويلفت الموقع مثلاً إلى أن المملكة المتحدة هي "الحلقة الأضعف في النظام المالي"، إذ تغرق لندن في الأموال الروسية، وفق التسريبات.

وتلقي مراجعة الملفات الضوء، بشكل مقلق، على المسار المعقد الذي حصل فيه تداول نحو تريليوني دولار أمريكي من الأموال المشبوهة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في ما يخص دور المصارف.

وترسم الملفات صورة مفصلة لكيف أن "أهم المصارف في العالم تعرف بالضبط متى تُستخدم حساباتها لتغذية اقتصاد الظل الذي يسوده الفساد وغسيل الأموال"، وكيف "يتجاهل المسؤولون التنفيذيون والموظفون إشارات الإنذار والتحذيرات الداخلية للحسابات المشبوهة ويعالجون المعاملات للمحتالين المدانين وتجار المخدرات ورجال العصابات والإرهابيين"، في حين "لا تستطيع أقسام غسيل الأموال إثبات وجودها في المصارف، ولم يعد بوسع سلطة الإشراف المالي مواكبة العدد الكبير من التقارير".

وغالباً ما يُصوّر غسل الأموال باعتباره "جريمة بلا ضحايا"، لكنه ليس كذلك كما أظهرت التسريبات، فالأموال المسروقة يخسرها المجتمع والحكومات على نحو يؤثر على تنمية المدارس والجامعات والمستشفيات ودور رعاية المسنين وبناء الطرق وحماية البيئة أو إنفاذ القانون.

تعقيباً على ما ورد في التسريب، قال خبير غسيل الأموال غراهام بارو لـICIJ: "المجرمون أنفسهم ليسوا وحدهم الذين يغسلون الأموال. لذا فإن المصارف تلعب دوراً مهماً حقاً لأنها النظام الذي تُنقل من خلاله الأموال من بلادهم إلى مكان آمن"، مضيفاً: "نحن جميعاً ندفع ثمن ذلك في النهاية. لأن هذه الأموال تأتي من ضرائبنا ومساهماتنا في المجتمع".

ما نصيب المنطقة من هذه الفضيحة؟

لم تتضح جميع المصارف والأسماء المتورطة في التسريبات في ما يخص المنطقة العربية لعدم إمكان نشر ملفات "فنسن" المسربة كاملةً أو حتى توفيرها عبر قاعدة بيانات قابلة للبحث، لأنها -على عكس التسريبات السابقة مثل أوراق بنما- تتكون من وثائق حكومية يُعاقب القانون الأمريكي على نشرها.

لكن الجزء المنشور منها، حتى الآن، يتضمن تورط عدد من المصارف العالمية والمؤسسات المالية والشخصيات الشهيرة في عمليات غسل أموال وتحايل على عقوبات تخص الإرهاب في الشرق الأوسط. 

وأفادت الملفات، على سبيل المثال، أنه بين آذار/ مارس عام 2013 ونيسان/ أبريل عام 2014، ذهب نحو 50 مليون دولار من الأموال غير المشروعة إلى شركة هي جزء من منظمة الباكستاني ألطاف خاناني لغسل الأموال، والتي تشمل عملاء حزب الله اللبناني وطالبان وعصابات المخدرات المكسيكية، وفقاً للحكومة الأمريكية. وكان قد حُكم على خاناني بالسجن 68 شهراً عام 2017 بتهمة غسل حوالى مليون دولار.

في الوقت نفسه، أشارت إلى تورط فرع "دويتشه بنك" في موسكو مع شركات وهمية مرتبطة بالجريمة المنظمة، وبرنامج الأسلحة السوري.

وتبين أن تحويلات مصرفية مشبوهة أجريت لمصلحة تنظيم داعش إبان سيطرته على مناطق واسعة من العراق بلغت قيمتها أربعة مليارات من الدولارات الأمريكية بين عامي 2014 و2015.

في موازاة ذلك أُثيرت الشبهات، بحسب التسريبات، بشأن شركة النفط السعوديّة الرسمية "أرامكو" التي تلقت 29 تحويلاً مالياً بقيمة مليار ونصف المليار دولار من شركة "بتروبراس" البرازيلية النفطية العملاقة في خضم فضيحة غسل أموال في تجارة سيارات للشركة البرازيلية، عُدّت من أضخم فضائح الفساد في التاريخ.

أحد ملفات المعاملات المشبوهة تعلق بنجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، جمال، الذي قيل إنه أدار حساباً في مصرف "بي أن سي" الأمريكي إبان وجوده في السجن على خلفية شبهات فساد وإساءة استخدام السلطة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011 وذلك عبر شركته MED-INVEST LTD. 

وتظهر إحدى الوثائق كيف أدار جمال من سجنه تحويلات ضخمة، إذ أٰرسلت إلى شركة MEDICAL INNOVATIONS & TECHNOLOGIES خلال أسبوعين في الفترة نفسها عبر أربع حوالات بلغ مجموعها 422.797.02 دولار.

"لا تمثل سوى 0.02% من جميع تقارير المعاملات المشتبه فيها بين عامي 2000 و2017"... تسريب 2100 من الوثائق الرسمية الأمريكية التي تفضح تورط مصارف عالمية في "تدفقات المال القذر"

شركة وثلاثة مصارف إماراتية تحت الضوء

ومن 20 شخصية بارزة وُجّه إليها الاتهام بالوقوف خلف تدفقات المال القذر في جميع أنحاء العالم، اتُهم رضا ضرّاب باستخدام حسابات في 20 مصرفاً لإجراء 137 معاملة مشبوهة مقدارها 147 مليون دولار بين عامي 2011 و2016. وهو ما أشير إليه في تقريرين للنشاط المشبوه ضمن الملفات المسربة.

وضرّاب هو تاجر ذهب إيراني تركي، اعترف عام 2017 بالذنب أمام محكمة اتحادية بمانهاتن في ما يتعلق بمساعدة إيران في التهرب من العقوبات عبر جرائم عدة، منها التزوير والتآمر وغسل الأموال.

قال المدّعون العامون إن ضرّاب قدم رشوة إلى مسؤولين في الحكومة التركية ومديرين تنفيذيين في "بنك خلق" المملوك للدولة من أجل السماح لإيران باستخدام عائدات مبيعات النفط والغاز بغية شراء الذهب، وإنه سهّل عمليات شراء ذهب بمليارات الدولارات قبل أن يُهرّب الموظفون لديه الذهب في حقائب إلى دبي، حيث جرى بيعه، وفقاً لشهادته أمام المحكمة. واستخدمت إيران عائدات مبيعات الذهب هذه لتسديد مدفوعات دولية، بعضها بالدولار عبر النظام المالي الأمريكي، في انتهاك لقوانين العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.

علاوةً على ذلك، تورط اثنان من المصارف الإماراتية وإحدى الشركات العامة بالبلاد في التعاملات المالية المشبوهة لضرّاب. واتهم المصرف المركزي الإماراتي بعدم اتخاذ اللازم حيال ما أبلغ به من هذه النشاطات المالية المشتبه فيها

ويعتقد الادعاء العام الأمريكي أن "شركة غونيش للتجارة العامة"، ومقرها دبي، كانت جزءاً من شبكة، ويديرها ضرّاب، أجرت تعاملات تخطت قيمتها مئات ملايين الدولارات لمصلحة النظام الإيراني والجهات الإيرانية الأخرى المشمولة بالعقوبات الأمريكية.

وتُظهر الملفات أن الشركة التي أخضعت أعمالها للتصفية خلال العامين الماضيين، أجرت معاملات مالية مشبوهة مقدارها نحو 142 مليون دولار أمريكي في إطار النظام المالي الإماراتي خلال عامي 2011 و2012. 

وكانت واشنطن قد أوضحت عام 2016 أن "غونيش" ضالعة في مخطط كبير يهدف إلى تقويض العقوبات المفروضة على إيران. وحذّر مصرف "ستاندارد تشارترد" البريطاني في نيويورك المصرف المركزي الإماراتي، عام 2012، من مئات التعاملات المريبة التي لاحظها لـ"غونيش"، وفق ملفات "فنسن".

ولم يبالِ المصرف المركزي بهذه التحذيرات واكتفى بالقول إن "القضية أحيلت إلى الجهات القضائية المختصة" و"الحسابات (المبلغ عنها) أغلقت في أيلول/ سبتمبر عام 2011"، لكن الشركة استمرت في "مواصلة نشاطاتها المريبة" عن طريق "استخدام حسابات مختلفة لدى مصارف أخرى"، منها مصرف رأس الخيمة الوطني ومصرف الإمارات دبي الوطني.

وتبيّن ملفات "فنسن" أن "غونيش" تمكنت من تدوير عدد من التعاملات وُصفت بأنها مريبة حتى شهر أيلول/ سبتمبر 2012، معظمها من خلال مصرف رأس الخيمة الوطني.

وفيما لم يعلق مصرف الإمارات دبي الوطني على الأمر، قال مصرف رأس الخيمة إنه لا يعلّق على التعاملات التي تجري من خلاله مراعاةً للسرية، مصراً على أنه يتقيد بتعليمات وبنود مكافحة غسيل الأموال والعقوبات المالية، وأنه يتبع سياسات صارمة وضعها لهذا الغرض.

ورفض "FinCEN" التعليق على محتوى الوثائق المسربة، ودان -بدلاً من ذلك- تسريبها ونشرها. وقال رئيس المكتب، جيمي كيربي، لـ"بازفيد نيوز" إن "الكشف غير المصرح به عن SARs يمكن أن يعطل تحقيقات إنفاذ القانون الجارية أو المستقبلية التي تتضمن المعلومات الواردة في SARs". وأضاف: "تسريب الوثائق يسمح للجهات الإجرامية بالتخلص من الأدلة ذات الصلة إذا عرفت بوجود تحقيق أو تحقيق محتمل، وهذا ما يعرّض الشهود والضحايا لخطر الأذى الجسدي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard