انفجرت أمس نتائج أكبر تحقيق في تاريخ الصحافة الاستقصائية بعنوان "وثائق بنما"، وهي ثمرة جهد مشترك لأكثر من 300 صحافي من جميع أنحاء العالم ، يغطي 40 سنة من التهرب الضريبي وتبييض الأموال وإخفاء الثروات وتفادي العقوبات لكبار الشخصيات العالمية، بينهم رؤساء جمهوريات.
مصدر الوثائق السرية هو شركة الخدمات القانونية Mossack Fonseca مقرها بنما، وقد ساعدت هؤلاء العملاء على التهرب من القوانين إلى الجنات الضريبية في دول لا تفرض ضرائب على الثروات أو تفرض ضرائب منخفضة جداً، وشركات الأوف شور Offshore (شركات الظل) وهي شركات يتم إنشاؤها خارج حدود الدولة للقيام بأنشطة ممنوعة أو لإخفاء ملكية الأصول.
فقد حصلت صحيفة Suddeutsche Zeitung الألمانية على الوثائق من شركة المحاماة التي شاركتها مع الاتحاد الدولي للصحفيين المحققين ICIJ. قامت 107 وسيلة إعلامية دولية متنوعة ما بين صحف كبرى وقنوات تلفاز من 78 بلداً بتحليل هذه الوثائق ونشر نتائجها، بالإضافة إلى تخصيص موقع ويب على موقع الاتحاد يمكن من خلاله معرفة كل التفاصيل والرسوم البيانية التفاعلية والمستندات والأدلة.
تم تسريب 11.5 مليون وثيقة سرية يصل حجمها إلى 2.7 تيرابايت من البيانات. تحوي تلك الوثائق معلومات مفصلة عن 210 ألف شركة ظل تتخفى في 21 بلداً وولاية حول العالم. تغطي هذه الوثائق جميع التفاصيل التي أجرتها 140 شخصية سياسية ورئاسية على مستوى العالم من أكثر من 50 بلداً خلال فترة زمنية ترجع إلى 40 سة.
تتنوع الوثائق ما بين رسائل بريد إلكتروني وفواتير ومستندات وتفاصيل حسابات مصرفية وصور جوازات سفر ومعلومات من قواعد بيانات الشركة وغيرها تكشف كيف قامت الشخصيات والشركات بالمخالفات عبر استخدام شركات الأوف شور لتسهيل دفع الرشوة، وعقد صفقات شراء الأسلحة، والتهرب الضريبي، والاحتيال المالي وتهريب المخدرات.
ليس مستغرباً أن يحتوي مثل هذا التحقيق أسماء شخصيات عربية نذكر منها رؤساء دول مثل أمير قطر والملك السعودي والرئيس السوداني ورئيس الإمارات والرئيس السوري والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الليبي معمر القذافي والملك المغربي. بالإضافة إلى الرؤساء، هناك شخصيات مقربة منها مثل أبناء حسني مبارك أو رؤساء الحكومة مثل إياد علاوي أو حمد بن جاسم أو علي أبو الراغب وغيرهم أو أبناء العم والخال.
على سبيل المثال ذكرت الوثائق عن الملك سلمان بن عبد العزيز أنه استخدم شركة أوفشور في الجزر العذراء البريطانية ليخفي الرهن العقاري الخاص بمنازله الفخمة في لندن والذي تصل قيمته إلى 34 مليون دولار.
كما ذكرت الوثائق أسماء أبناء خال الرئيس السوري بشار الأسد وهما رامي و حافظ مخلوف وشبكة علاقاتهم مع شركات الأوف شور. ففي عام 1998 استخدم رامي مخلوف شركة تابعة له مسجلة في جزر العذراء البريطانية بإسم Polter Investments Inc للاستثمار في قطاع الاتصالات السوري بالشراكة مع مستثمرين أردنيين. وفي عام 2002 شارك مخلوف في تأسيس شركة الاتصالات المحمولة سيريتل يملك 10% من أسهمها باسمه و 63% من الأسهم مسجلة بإسم شركة Drex Technologies S.A التي يعود تسجيلها إلى جزر العذراء البريطانية.
وفتح رامي مخلوف حسابات مصرفية في عدة دول مختلفة لشركات تحمل أسماء Lorie Limited وDorling International Limited وRamak LTD وRamak Contracting & Trading وCara Corporation وSeadale International Corporation وهي شركات مملوكة له مع أخويه حافظ وإيهاب بالإضافة إلى شركات أخرى.
وكان رامي يسيطر على قطاعي النفط والاتصالات، في حين أن حافظ يدير أجهزة الأمن والاستخبارات السورية. وفي عام 2012 فرض المجتمع الدولي عقوبات اقتصادية على نظام الأسد واكتشفت حينها وزارة الخزانة الأمريكية شركة Drex Technologies محدودة المسؤولية التي كانت تستخدم للتهرب من العقوبات الدولية وإخفاء الثروة. ولاحقاً استطاع حافظ وإيهاب نقل أصولهم وأموالهم إلى شركات أوف شور أخرى.
ومن بين 128 شخصية سياسية تم الكشف عنها في التحقيقات، هناك الكثير من الشخصيات العالمية المرموقة على مستوى الرؤساء مثل الرئيس الروسي وأصدقاء طفولته والأصدقاء المقربين منه ورئيس الوزراء البريطاني. كما ظهرت أسماء في الوثائق لا تتعلق بالسياسة مثل اللاعب ليونيل ميسي الذي أسس مع والده شركة ظل في بنما.
وعلى سبيل المثال أيضاً، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرتبط بشبكة من شركات الظل مع أصدقائه المقربين عملت على سحب ملياري دولار وإخفائها وبيع عشرات القروض البالغة قيمتها مئات ملايين الدولارات بدولار وأقل.
وتكشف الوثائق بالأسماء عن شركات الظل التي أسسوها أو تعاونوا معها لإخفاء ثرواتهم بعيداً عن الضرائب وتمويل عمليات غير قانونية كالأسلحة والمخدرات أو حتى شراء ممتلكات فارهة كالعقارات واليخوت.
كذلك تكشف الوثائق كيف ساعدت بعض المصارف العالمية مثل HSBC وUBS على إنشاء شركات ظل من الصعب تعقبها. فهناك أكثر من 500 مصرف وفرع حول العالم ساعدت في تأسيس نحو 15 ألف شركة ظل لزبائنها من خلال شركة المحاماة.
ويستعرض التحقيق بيانات عامة عن نمو إنشاء شركات الظل منذ 40 سنة إلى اليوم إذ بلغت ذروتها عام 2005 ثم أصبح العدد يضؤل تدريجياً. وكانت هونغ كونغ والمملكة المتحدة وسويسرا على التوالي الدول الثلاث الأكثر نشاطاً في مجال الوساطة لتأسيس شركات الظل.
في ما يتصل بالجنات الضريبية، فهناك بضع دول تجذب أنظار أصحاب الثروات، لكن الجزر العذراء البريطانية وبنما وسيشل هي الأعلى استقطاباً.
تأتي قوة هذا التحقيق لكونه الأكبر في تاريخ الصحافة الاستقصائية، فحجم المستندات المنشورة يفوق ما نشرته كل من ويكيليكس وتسريبات شركات الظل وتسريبات لوكسمبورغ وتسريبات البنوك السويسرية وتسريبات سنودن مجتمعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين