شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"بيتجلدوا وبيأكلوا من الزبالة وبيتعالجوا بالكيّ"... عن خيول "نزلة السمان" في زمن كورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 8 مايو 202003:46 م

قبل 12 عاماً، كان محمد معروف يعتاد ركوب الخيل في مزرعتهم، في إحدى قرى مركز طوخ محافظة القليوبية في مصر، ومن ثم نشأت بينه وبين الخيل علاقة محبة، لذلك عندما جاء إلى "نزلة السمان"، في زيارة لأهرامات الجيزة، كان أول ما قام به هو ركوب الخيل، ولكنه صُدم. 

يقول معروف: "كان الأمر مختلفاً تماماً، الخيول في نزلة السمان هزيلة وغير مدرَّبة، ولا تمشي سوى خلف صاحبها".

يحكي معروف لرصيف22 أن أغلب الخيول هناك مصابة بجروح: "كان الحصان مصاباً أسفل السرج، وكان يمشي ببطء، وإن أردت أن تسرع به يعترض صاحبه أو من ينوب عنه في رحلتك، فيتحجج بالحالة الصحية للحصان وأيضاً بالمكان".

يشير الشاب الثلاثيني إلى المقابل المادي الذي يحصل عليه أصحاب خيول "نزلة السمان" من روّادهم، والذي يرى أنه كبير جداً، إذا ما قورن بأسعار نوادي القوات المسلحة أو مزرعة الخيل، يقول "الجولة بـ300 جنيه، ولو حابب أمشي في منطقة أبعد من خط السير المحدد، يحصل الشاب على مبلغ إضافي، في حين أن الأسعار في مزرعة الخيل بمحافظتي مثلاً أو في أندية القوات المسلحة قد لا تتجاوز 150 جنيه في الساعة، ويكون مظهر الحصان جميلاً وبصحة جيدة".

ليس فقط معروف هو من يعاني مع خيل "نزلة السمان"، بسبب رفع الأسعار وهزال الخيل، ولكن معظم مُحبي ركوب الخيل في مصر بنتابهم الشعور ذاته؛ فالظروف التي تعيش فيها تلك الخيول في "نزلة السمان" ربما تغيب عن الكثيرين، خاصة بعد انتشار فيروس كورونا، ووقف النشاط السياحي.

"الخيول تأكل الزبالة"

في يوم 3 أبريل الماضي، خرج الطبيب البيطري حاتم ستين، في فيديو، عبر صفحته في فيسبوك بعنوان: "نزلة السمان تستغيث.. الناس مش لاقية تأكل والخيل مات من الجوع". قال فيه ستين إنه نظراً لظروف وباء كورونا، وما كان له من أثر سلبي على السياحة، فإن أهالي "نزلة السمان" والذين كانوا يعتمدون على من يأتون من السياح لركوب الخيل يعانون أشد المعاناة، حتى أنّ خيولهم، والتي كانت ثروتهم ومصدر رزقهم، أضحت تأكل الزبالة، ويموت بعضها جوعاً، ذلك بناء على صور وصلت إليه.

ما إن وصلت التبرعات إلى "نزلة السمان" لتوزيع العلف على أصحاب الخيول، حتى تحول الأمر إلى مشاجرة كبيرة، استخدم فيها الأهالي الكرابيج، كما استخدم أحدهم كلباً شرساً، فصرخ فيهم الطبيب البيطري "ستين": "اطمنوا ما فيش خيل حيبات من غير أكل"

أعلن ستين أنه قرّر الذهاب إلى أهالي "نزلة السمان" متبرعاً بـ2 طن علف من أفضل الأنواع الموجودة لديه، بل أيضاً سيتكلف بالكشف وعلاج الخيل مجاناً بمساعدة فريقه من الأطباء البيطريين.

كذلك جعل الطبيب البيطري من تبرعه دعوة للغير، بأن يتبرعوا ليس بالمال، ولكن بالعلف أو كل ما يحتاجه الخيل.

تحوّلت صرخة حاتم ستين آنذاك إلى حملة، حتى وصلت التبرعات إلى 10 أطنان علف، والكثير من الأدوية، ولكن لم تجر الأمور كما خطط لها، فحسب فيديو آخر نشره الطبيب البيطري عبر صفحته، ما إن وصلوا إلى "نزلة السمان" لتوزيع العلف حتى تحول الأمر إلى مشاجرة كبيرة، استخدم فيها الأهالي الكرابيج، كما استخدم أحدهم كلباً شرساً، ومن ثم راح "ستين" يوجه رسائله إلى أهالي "نزلة السمان" قائلاً: "اطمنوا مافيش حصان هيبات من غير أكل"، أيضاً طالب بمساعدة رجال الشرطة في وصول العلف إلى الخيول الجائعة، والتي لم تجد غير الزبالة سبيلاً للطعام.

في الوقت الذي يرجع فيه حاتم ستين سبب جوع الخيول في "نزلة السمان" إلى الوضع الاقتصادي، الذي أصاب أصحاب الخيول جراء توقف السياحة إثر وباء كورونا العالمي، والذي ضرب أغلب دول العالم، والذي جعلهم يهتمون بإطعام أبنائهم بديلاً عن الخيل، وهم معذورون في ذلك، حسب قول ستين، كانت هناك بعض الأصوات التي أكدت أن الأمر ليس بجديد على معظم مربي الخيول في "نزلة السمان"، والذين اعتادوا على إهمال الحالة الصحية للخيل، وأيضاً عدم الاهتمام بتوفير الغذاء للخيل.

"ليسوا خيّالة ولا يحبّون الخيول"

يرى الطبيب البيطري حازم أبو زيد، مدير الجمعية المصرية لرعاية الخيول، أن أزمة "نزلة السمان" قديمة، حيث لا تلقى الخيول الرعاية الصحية المناسبة، مرجعاً السبب في ذلك إلى وجود ضغوط أخرى على أصحاب الخيول هناك، لذلك يحرصون على أن تعمل طيلة الوقت، حتى وإن أصابها مرض أو جرح؛ ينتظر صاحبه طويلاً حتى يأتي به إلى الجمعية لعلاجه، مضيفاً: "حتى إن وجد مستشفى بتكاليف بسيطة تبقى لديه مشكلة أخرى، وهي الخوف من أن يضيع موسم العمل عليه، فيبقيه في العمل حتى آخر نفس".

ويرجع أبو زيد تلك المعاملة القاسية للخيول إلى زيادة أعداد الخيل التي يملكها الفرد الواحد في "نزلة السمان"، حيث يرى أنها "تقف عائقاً في وجه رعايته لهم، كل واحد عنده حوالي 6 أو 10 خيول، وهو عدد كبير على شخص يتحمّل إطعامهم، وشرابهم، ورعايتهم صحياً، ومن هنا يصبح سعر الحصان أرخص نسبياً مقارنة بتكاليف علاجه وأكله وشربه".

يشير الطبيب البيطري إلى أنواع الإصابات التي تتعرض لها خيول "نزلة السمان"، والتي يؤكد أن معظمها سطحية نتيجة السرج، والذي يظل على ظهر الحصان لساعات طويلة دون راحة، وأيضاً قد يكون السبب "كي" الذي يتعرض له الحصان، حيث ما زالوا يعتمدون على طرق العلاج التقليدية القائمة على الخزامة والكي.

"أهالي نزلة السمان يعالجون الخيول بالكيّ".

وتابع: " أيضاً هناك أمراض موسمية، مثل التاتانوس وهو مرض يصيب الأعصاب، ومن ثم يصبح الحصان غير قادر على الحركة والأكل، وأيضا الملاريا والذي ينتقل عن طريق الناموس، ولقرب الإسطبلات، فقد يتسبب حصان مصاب في نقل العدوى إلى باقي الخيل، وهذا المرض يحتاج إلى فترة علاج طويلة، لأن صحته تصبح ضعيفة".

ويشير مدير جمعية رعاية الخيول في حديث لرصيف22، إلى أن أزمة إطعام خيل "نزلة السمان" ظهرت إبان ثورة 25 يناير أيضاً، يقول: "المشكلة قديمة، استحالة أن تصل الحالة الصحية للحصان إلى هذا الوضع في تلك الفترة القصيرة، مستحيل أن يصبح الحصان عبارة عن هيكل عظمي في تلك الفترة، فهو يحتاج لفترة كبيرة لبناء عضلاته، وأيضاً فترة كبيرة ليفقدها، وأزمة كورونا ظهرت منذ وقت قصير، لذلك لا يتوقف حل المشكلة على إطعام الخيل وتوفير العلف لها الآن، فالأمر يحتاج إلى تنظيم أعداد الخيل، بمعنى أن يمتلك كل شخص عدد يمكن رعايته، وأيضاً تنظيم عدد ساعات عمل الخيل، بحيث يحدد ساعات راحة له".

"المبدأ السائد لدى أصحاب الخيول في نزلة السمان هو أن الخيل الذي يعمل، ويكون قادراً على جلب المال هو من يستحق الطعام، أما من لا يعمل فلا يستحق، حتى وإن كان العائق هو مرض أصابه أو جرح ألم به"

وتقول الطبية البيطرية "م. ع" العاملة بإحدى الجمعيات المهتمة بحقوق الحيوان، ولا سيما الخيول العاملة، إن خيول "نزلة السمان" تلقى معاملة سيئة وتحيا في ظروف صعبة، فكثيراً ما تتلقى الجمعية بلاغات بشأن خيول مريضة ملقاة في أماكن تجمعات القمامة، وكثيراً ما تأتي إليهم حالات لخيول مصابة بجروح خطيرة، ويكون ذلك بعد فترة من ترك الحصان يعاني الآلام، حسب قولها.

وتضيف الطبية البيطرية لرصيف22 أن أغلب أصحاب الخيول في "نزلة السمان" ليسوا خيالة بالمعنى الحرفي المحب للخيل، بل أن المبدأ السائد لديهم هو أن الخيل الذي يعمل ويكون قادراً على جلب المال هو من يستحق الطعام، أما من لا يعمل فلا يستحق، حتى وإن كان العائق هو مرض أصابه أو جرح ألم به.

"نِأكّلهم ولا نِأكّل أولادنا"

أحمد زين (27 عاماً)، ورث مهنة تربية الخيول عن أبيه، يرى أن العمل في نزلة سمان لم يعد مجدياً، ومن ثم كان من الطبيعي ألا يستطيعوا إطعام أحصنتهم، متسائلا: "هنأكلهم ولا نأكل ولادنا، طعام الحيوانات ارتفع سعره جداً خلال الفترة الأخيرة".

يحاول زين الحصول بشتى الطرق على دخل يلبي القليل من احتياجاته، وبعض الطعام لحصانه الذي يحبه، "أحاول استغلال مهنتي بشكل مختلف، كأن أنقل الأثاث لبعض الأسر مقابل بعض المال، أريد حماية حصاني بشتى الطرق، لا أريد أن أصل للحظة رؤية حصاني يحتضر".

"في الأول كان السياح يأتون لركوب الخيول، الآن لا مصريين بييجوا ولا أجانب".

زين يؤكد أن كورونا له دور كبير فيما يعيشونه من أزمة، فالسياحة هي المصدر الأساسي لعملهم، يقول: "في الأول كانوا السياح يأتون لركوب الخيول، الآن لا مصريين بيجوا ولا أجانب".

البعض يرى أن أزمة كورونا ليست السبب الرئيسي، وأن أهالي "نزلة السمان" اعتادوا إساءة معاملة الخيول، وهو ما يختلف معه زين كلية، قائلاً: "ليس صحيح، الخيل مصدر أكل عيشي، أنا أعتبر حصاني فرد من الأسرة، الحصان عندما يكون مريضاً كأنه عيل من عيالي، ولكن الأزمة الفترة دي أكبر مننا والإيد قصيرة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard