شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"طلعتم دين أبونا"... لا نريد المساوامة على الدين أو الهوية المثلية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والميم-عين

الجمعة 6 مارس 202003:39 م
Read in English:

Islam and Homosexuality, Is There A Neutral Ground?

كتب الصديق العزيز صهيب أيوب، مقالاً في رصيف22، يطرح فيها العديد من المآخذ على مسيرة الفخر التي ستقوم بها جمعية إيمان بالمملكة المتحدة، أول مسيرة فخر لمجتمع الميم المسلم، على تناقض المصطلح وغرابته. وفي معرض نقد صهيب للجمعية، أردت أن أضيف عدة نقاط لعلها تفتح النقاش بشكل أوسع، وتعطي بعضاً من التعقيد للتفكير ومساءلة سياقنا في المنطقة العربية.

لا أعتقد أن جمعية إيمان تنشغل كثيراً بما يقوله العلماء المسلمون من الأغلبية السنية أو الشيعية، حول موقف الإسلام من المثلية، فهم بالفعل يعتنقون المذهب أو الرأي القائل بأن الإسلام لا يدين أو يجرم المثلية بالإطلاق، وهو جدل فقهي جدير بالنقاش ولكن لسنا بمحل مناقشته الآن.

ولكن الهدف هو ما يسمى بالـvisibility، أو الظهور للعيان كمجتمع ميم مسلم، على غرار التنوعات الهوياتية المختلفة داخله. ذلك "الظهور" إلى الحيز العام هو ما يعطي نضال الكويريين المسلمين أهميته.

الهدف هو الظهور للعيان كمجتمع ميم مسلم، على غرار التنوعات الهوياتية المختلفة داخله. ذلك "الظهور" إلى الحيز العام هو ما يعطي نضال الكويريين المسلمين أهميته.

فمجرد وجودهم في الحيز العام، بحسب التصور الليبرالي، فإنهم بذلك يكتسبون، أو بمعنى أصح، ينتزعون اعتراف السياق الاجتماعي لوجودهم، ففي رمزية الظهور ينتفي سبب أو أسباب الإقصاء أو الإخفاء، دون النظر للأسباب الهيكلية أو الاجتماعية التي تسهم في قمعهم كمجموعة، ولعل هذا ما يجب علينا فعله: نقد التصور الليبرالي لمفهوم الهوية، ومحدودية ما يسمى بسياسات الهوية، كبرنامج سياسي تقدمي يكسر توحش النيوليبرالية التي تفتت المجتمع إلى جماعات مصالح تتصارع فيما بينها على فتات، بحسب ما تستطيع استحضاره من مظالم ومظلوميات.

لعل هذا هو أكبر مثالب سياسات الهوية التي فرغت المحتوى الراديكالي للحركات الكويرية، والتي في نشأتها في منتصف الستينيات والسبعينيات، كانت في الأصل جزءاً من الحراك الطلابي وحركات الحقوق المدنية، سواء في شكل حركات الجامعات في أوروبا، أو حركات الحقوق المدنية ورفض الحرب في الولايات المتحدة.

لم تكن الحركات الكويرية في صورتها الأولى حركات تابعة للدولة أو الشركات متعددة الجنسيات أو حتى المجتمع المدني، كانت حركات من الهامش وتعبّر عن الهامشي بالأساس، ولهذا لم تكن تعتني كثيراً بمدى قبولها اجتماعياً، أو حتى توافقها سياسياً، مع العلمية السياسية القائمة بالفعل.

ما حدث هو استئناس تلك الحركات تدريجياً، وفي ظل موت السياسة تحت ضغط الأنظمة النيوليبرالية، وموت التنظيم كذلك، أصبحت مجرد مظاهر أو مشاهد لمجموعة من المضطهدين تعيد تمثيل اضطهادهم كل عام بمشهد أكثر مسرحية من العام الذي سبقه.

وما يزيد الطين بلة، كما يقولون، هو تسليع تلك المشهدية، لتصبح جزءاً من "الوجه الأكثر إنسانية" للشركات أو الحكومات السلطوية أيضاً (ولكم في مسيرة فخر تل أبيب عظة وعبرة) التي من جانبها تعلن تأييدها لتلك المسيرات كنوع من "غسيل الوجه"، كما يقال، أو "الغسيل الوردي" في السياق الإسرائيلي.

النقطة الثانية، وهي النقطة الأكثر جدلاً والتي تثير حفيظة كل الأطراف، هي موقع الدين داخل مجتمع الميم. هو سؤال الحلقة وكل حلقة في الواقع، والذي يثير حفيظة الكثيرين ممن لا ينظرون لمسيرة الفخر غير في سياقها، سياق مجتمعات الشتات في الغرب، وسياق مجتمعات الشتات يختلف كل الاختلاف عن سياق مجتمعات الداخل.

كشخص ينتمي إلى مجتمع الميم، مازال يعيش في دولة إسلامية، لها تاريخ وباع طويل بالتنكيل وملاحقة المثليين/ات والعابرين/ات جنسياً، لا يمكن نبذ مثل ذلك السؤال بتلك البساطة.

كشخص ينتمي إلى مجتمع الميم، مازال يعيش في دولة إسلامية، لها تاريخ وباع طويل بالتنكيل وملاحقة المثليين/ات والعابرين/ات جنسياً، لا يمكن نبذ مثل ذلك السؤال بتلك البساطة

لأن في واقع الأمر، الملايين الذين مازالوا يعيشون من مجتمع الميم في مصر، وفي دول عربية وإسلامية أخرى، لا يملكون رفاهية رفض أو تحييد السؤال (كما يقول صهيب: "الدين اختيار أنما المثلية طبيعة"، واختلف معه أن الدين اختيار، ولكن لندع هذا النقاش لمرة ثانية).

ففي كل مرة يتم مواجهة أحدنا من قبل المجتمع يكون أول رد فعل هو "أن تلك الهوية المثلية ضد ديننا وثقافتنا". وكمجموعة تحتل موقع الأقلية، لا نملك رفاهية أن نقول: فليذهب دينكم ومعتقداتكم إلى الجحيم، كما يفعل الكثير من النشطاء الكويريين، بسلوك أقل ما يمكن وصفه بالغباء السياسي والاجتماعي، وبالطبع لا أزايد على أحد أو على معاناة أحد، ولا أقلل من حجم المعاناة التي يتكبدها مجتمع الميم في مجتمعاتنا، ولكن أن ذلك لا يعني على الإطلاق انعدام الحس السياسي والاجتماعي لدينا.

ليس فقط أننا في موقف ضعف، على الرغم من تغيير الرأي العام بشكل ما في السنوات القليلة الماضية، لكن لأن هناك الكثيرين داخل مجتمع الميم نفسه لا يريدون أن يتم وضعهم في موقع الاختيار: أما الدين أو الهوية المثلية، تلك اللعبة الصفرية القميئة التي مللنا كثيراً من لعبها.

بل أود أن أوسع النقاش أكثر وأكثر، وأقول إن تلك الحاجة الملحة للتساؤل حول دور الدين في مجتمعاتنا يتجاوز قضية مجتمع الميم، ليس من موقف علماني أو تنويري (هؤلاء أكثر إزعاجاً وسلطوية من الدولة والنظم العربية نفسها)، فحسب، ولكن من موقف يدرك أن دور الدين في ظل الثورات العربية يجب أن يُساءل مرة بعد الأخرى، وأننا لا نسعى لتلك القطيعة المتوهّمَة (ميراث الثورة الفرنسية وعصر التنوير) بين الدين ودوره وشكله في الحياة العامة، ولكن ما يجب أن نسعى إليه هو إعادة النظر في كل تلك البنى السلطوية داخل الخطاب الديني، وتماهيه مع سلطوية النظم العربية بشكل أو بآخر، والاعتراف أن الكثيرين منا لا يريدون ولا يرون ضرورة حتمية لاجتثاث الدين بهذا الشكل الرديء والساذج.

ما يجب أن نفكر فيه هو سؤال وتساؤل جاد عن كيف يمكننا الاستمرار في محاولة خلق مجتمع أكثر عدالة وإنسانية، ينقذ فكرة الاجتماع الإنساني من توحش النيوليبرالية، وميراث النظم العربية الكارثي في قمع شعوبها من أجل ضلالات الكرامة والعزة (أين العزة في سحق الملايين وإذلالهم؟)

هذا بلا شك ليس دعوة لإعادة إنتاج خطاب حركات الإحياء الديني (في تجلياتها الشيعية في الثورة الإسلامية، وتجلياتها السنية في حركات الصحوة الإسلامية في العالم السني)، فجميعنا يعلم ماذا حدث جراء تلك الحركات، وما مارسته من تسلط وإفقار ممنهج للمجال العام في جميع الدول العربية والإسلامية، فهذا درس يجب أن نعيه جيداً، وأن نؤكد أن مثل ذلك التصور السطحي، السلطوي والتافه، الذي استبدل سلطوية الحداثة ودولة ما بعد الاستقلال بسلطوية نوستولجية متخيلة عن "الدولة الإسلامية" وتنويعاتها، كان سبباً في كثير من المآسي التي حدثت في آخر أربعة عقود، وفي إفشال كثير من الحراك الثوري العربي (الاستقطاب الأشهر في مصر عسكر /إخوان، أو سنة/شيعة في العراق ولبنان).

كمجموعة تحتل موقع الأقلية، لا نملك رفاهية أن نقول: فليذهب دينكم ومعتقداتكم إلى الجحيم.

إنما ما يجب أن نفكر فيه هو سؤال وتساؤل جاد عن كيف يمكننا الاستمرار في محاولة خلق مجتمع أكثر عدالة وإنسانية، ينقذ فكرة الاجتماع الإنساني من توحش النيوليبرالية، وميراث النظم العربية الكارثي في قمع شعوبها من أجل ضلالات الكرامة والعزة (أين العزة في سحق الملايين وإذلالهم؟).

إن تلك المعضلة هي ما حاولت الثورات العربية الإجابة عليها في كسر كل تلك الاستقطابات الموروثة منذ القرن التاسع عشر، في تصور أكثر تعقيداً من مجرد "فصل" أو "رفض" الدين، أو إعلان هوية ما كوسيلة للاعتراف بها، أو حتى محاولة التوفيق بين الدين وتلك الهوية، مثل ذلك التصور، المتجاوز للاستقطابات، هو ما نحتاج إليه بشدة في تلك اللحظة.

إذا كان العالم سينتهي بسبب الاقتصاد الأحفوري وسوء إدارة واستغلال موارد هذا الكوكب، ألا يفرض ذلك الوضع الكارثي علينا أن نواجه أنفسنا بكل تلك الأسئلة المؤجلة والشديدة الصعوبة في ذات الوقت؟ وألا يتطلّب ذلك الوضع كثير من الصدق والصراحة مع النفس؟ وأن نكون أكثر وفاء للموروث الكويري الذي بالأساس موروث طوباوي، يرى في نسف النظام الرأسمالي-الأبوي أهم وأعظم أشكال النضال. أعتقد أن مثل ذلك الحس النقدي هو ما نحتاجه الآن وبشدة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image