يطرح إعلان جمعية "إيمان"، عن مسيرة فخر للمثليين والمثليات، العابرين والعابرات جنسياً من المسلمين، مجموعة أسئلة حول معنى هذا النوع من المسيرات وضروراته، باعتباره أول حدث كويري يستوحي من الغرب شكل تظاهرته وتنظيمها، ويغلفه ويبوبه بعنوان كويري ديني.
باعتبار الإسلام، كما يوظف أصحاب الدعوة، دين يتقبل المثلية الجنسية ولا يتعارض معها، ولهذا فإن هذا الحدث سيأخذ شكل مسيرة فخر مدفوعة الأجر مسبقاً، عبر بطاقات، كما لو كان الحدث شبيهاً بما يسمى "تيديكس" أو كأنه عرض موسيقي محصور بجمهور ضيق.
المثلية هي طبيعة، أما الديانة فهي خيار.
وهذه النقطة مهمة جداً في النقاش على تفصيلها: هل الهدف الفعلي من هذه الجمعية غير الربحية هو تجاري؟ وهو في الأصل نقاش يرتبط بضرورات مسيرات الفخر التي صارت مسألة إشكالية لدى فلاسفة، منظرين، أنثروبولوجيين، باحثين وناشطين، عن علاقة هذا الحدث اليوم بالمشهد الرأسمالي، وكون هذه المسيرات أمست جزءاً من الاستهلاكية والشعاراتية التي هدفها تعزيز ربحية الشركات والجمعيات الأهلية، وتبدو شكلاً معاصراً لشركات قد تدعم تجارياً الكويرية، وتمول في الوقت نفسه مصنعاً لتوريد السلاح، أو تدعم حكومات فاشية، أو تُشغل أطفالاً بأقل من نصف دولار يومياً.
والنقاش حول ضرورة مسيرات الفخر وأهدافها فاعل اليوم في المشهد التنشيطي، خصوصاً مع بروز حراك تعددي كويري يبحث بقراءة عميقة، فصل الاستعراض عن النضال والحقوق عن الماركة التجارية.
وبعيداً عن الحديث حول فرضيات "التسامح الديني" مع المثلية، تحديداً "اللواط والسحاق"، فإن لا حاجة لنا كمثليين إلى هذا التسامح، خصوصاً أنها فرضية تحتمل في مضمونها الاعتراف بالسلطة الدينية في تعاطيها مع شريحة مهمشة ومقموعة من باب الذنب.
وبعيداً عن الحديث حول فرضيات "التسامح الديني" مع المثلية، تحديداً "اللواط والسحاق"، فإن لا حاجة لنا كمثليين إلى هذا التسامح، خصوصاً أنها فرضية تحتمل في مضمونها الاعتراف بالسلطة الدينية في تعاطيها مع شريحة مهمشة ومقموعة من باب الذنب
ولهذا فهم، بحسب هذا الشعار، يستحقون التعاطف والتسامح معهم. فالمثليون ومن معهم من بيوت التعددية الجنسانية، لا يحتاجون إلى التسامح لأنهم ببساطة لم يمارسوا أي خطأ كي يتم مسامحتهم عليه أو التسامح معهم، وهم ليسوا على نقيض، بل هم موجودون بهوياتهم الطبيعية يحاولون الدفاع عن وجودهم هذا في مجالات عدة وبأشكال نضالية مختلفة، ولا يحتاجون سوى إلى قوانين مكتوبة، ودولة بسلطات إدارية وقضائية وتنفيذية لحماية هذا التنوع وحقهم في العيش كمواطنين، فالمثلية هي طبيعة، أما الديانة فهي خيار.
وبهذا فإن هؤلاء المثليين والمثليات المؤمنين/ات يناضلون بطريقتهم أيضاً دفاعاً عن جنسانيتهم، وهذا حقهم ولا لبس في هذا الأمر، لكن النقاش الفعلي الذي يفتحه هذا الحدث هو: لماذا تم نسخ نشاط هدفه استعراضي في النهاية، وهناك طروحات جدية للتوقف عند أشكاله وتمويله ومصادره؟
فكيف الحال إذا كان هناك تغليف ديني له، وفي هذا الوقت الذي يشهد فيه مثليون ومثليات، عابرون وعابرات، القتل والرجم والملاحقة والسجن والعنف في دول إسلامية تنفذ الشريعة الإسلامية. وإذا افترضنا أن هناك إيجابية للحديث عن هذه القضية من خلال إطارها الديني، فلماذا لا تكون هذه المحاضرات اليوم مجانية ولشرائح أوسع، وتوظف أموال الحملة لحماية المثليين والمثليات في بلاد المسلمين؟ ربما من خلال تأمين إيجارات لشققهم أو تقديم مساعدات عينية لهم أو دفع تكاليف محامين لهم، ربما بهذا تكون قد نفعت المثلي المسلم أكثر من مهرجان هدفه استعراضي.
هذه أسئلة مشروعة ومن حقنا طرحها علناً، خصوصاً إذا ما تم استغلال اليوم مسألة الهوية الجندرية لكسب تمويلات حكومية وغير حكومية، باسم جمعيات كويرية، وسؤالنا الآخر هو عن الفائدة المرجوة من حدث سيدفع زواره مالاً كي يشاركوا فيه، ويستمعون إلى محاضرات كي يؤكدوا اعتراف الإسلام بهم وكأنهم يريدون اعترافاً من قبله.
إذا كانوا حقاً على قناعة أنه دين يضمهم إلى حضنه ويحترمهم ويقدرهم في شرائعه، فماذا التعبير عنه بمسيرة فخر أشبه بكرنفال؟ خصوصاً أن الجمعية استقطبت كما أعلنت أكثر من 20 ألف دولاراً من أجل تنظيم هذا الحدث، معتبرة إياه انتصاراً للحرية: كيف انتصر لحرية ما مدفوعة الأجر، ولنقاش يمكن أن يكون أكثر حرية إذا ما تم تحريره في الأصل من إطاره هذا، وبخطابه الضيق في الحديث عن الخصوصية المسلمة.
فالمثليون ومن معهم من بيوت التعددية الجنسانية، لا يحتاجون إلى التسامح لأنهم ببساطة لم يمارسوا أي خطأ كي يتم مسامحتهم عليه أو التسامح معهم، وهم ليسوا على نقيض، بل هم موجودون بهوياتهم الطبيعية يحاولون الدفاع عن وجودهم هذا في مجالات عدة وبأشكال نضالية مختلفة
كتبت على صفحتي الفايسبوكية تعليقاً فتح بعضاً من هذا النقاش ولو لماماً، أحد الأصدقاء كتب أن هناك خصوصية في لندن، ولهذا نرى إطلاق هذا الحدث من منطلق إسلامي ولمجموعات كويرية مسلمة، موضحاً أن هذه الخصوصية لا تتشابه مع الجو العام حيث أعيش في بلد مثل فرنسا، وما تفرضه العلمانية على أي حدث، لكن سؤالي ما هي هذه الخصوصية التي يريد المسلمون دوماً إبرازها أينما وجدوا في الغرب، كنوع من الشعور بالاضطهاد وبأنهم ضحايا، لا سيما أنه لم يسبق أن سمعت عن مسيرة فخر مدفوعة الأجر لمثليين ومثليات يهود أو كاثوليك أو هندوس، فلماذا الإصرار على مسيرة فخر لمسلمين؟
ربما صار هذا الأمر أشبه بـ "تريند"، على طريقة الـ"إن جي أو" لاستغلال مشهد مغاير عن كويرية إسلامية متمايزة، تستحق الانتباه لها، فهل الاهتمام بالكويرية من جانبها الديني يجب أن يكون من باب مسيرة الفخر وببطاقات مدفوعة وبتمايز أشبه بالغيتو؟
أسئلة أتركها مفتوحة للنقاش.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...