عصراً تلو آخر، مرت على دمشق أيام عز، وأيام شقاء كثيرة. ربما، ونحن اليوم شاهدون على بعضٍ من أكثر سنواتها ظلاماً وظلماً، نشعر بحاجة أكثر إلى أن نكتب عنها، من قرب، وبحميمية أكثر، وأن نحكي عن تاريخها، وحاضرها، وربما مستقبلها، لعلنا نعرف أين كانت، ولماذا أصبحت هنا، ولماذا لا زلنا نحبها، ونحلم بالكثير من أجلها، على الرغم من اللون الرمادي البائس الذي يغلّفها، اليوم.
في هذا الملف، نكتب عن دمشق، وعن الشام، من زوايا تختلف عن تلك العناوين والمقالات التي يزخر بها الإعلام مؤخراً، متناولين الحالة الحزينة التي آلت إليها المدينة، في السنوات الأخيرة، بعد حرب عصفت بأرجاء البلاد كلها. نكتب عن دمشق بصور جديدة لا تشبه تلك التقليدية والنمطية، والتي كثيراً ما بتنا نراها على الشاشات الكبيرة والصغيرة، والتي تنجح أحياناً في أن تغلّف مدينتنا بقشرة لا تشبهها، ولا تعبّر عنها.
في هذا الملف، يكتب لنا اليوم صحافيون/ات، ومدونون/ات، وباحثون/ات، عن علاقتهم الإشكالية، في أحيان كثيرة، بهذه المدينة الغنية بروحها وتفاصيلها، ويسلّط الضوءَ مشتغلون/ات بالثقافة، والبحث، والتاريخ، على جوانب لم تنل الكثير من الحظ للكتابة عنها، ويأخذنا آخرون في جولات على مطاعمها، ومطابخها الشهية، وباراتها، ونواديها الليلية، ويختار البعض الكتابة عن شيء من معالمها، ومكوناتها السكانية المتعددة، مع الخوض في تفاصيل ثقافية، واجتماعية، وعمرانية شتى من زوايا جديدة.
الملف يسعى ليخبرنا بما قد يبدو بديهياً لكثيرين؛ بأن دمشق لم تعجز يوماً عن أن تكون واحدة من أغنى مدن الشرق قاطبة، وبأننا مهما كتبنا عنها، أمس، واليوم، وغداً، سنبقى مدينين لها، ولتفاصيلها، بالكثير، وستبقى الكتابة عنها، وتوثيق ما تعيشه، وما نعيشه فيها، مهما كان جميلاً، أو عادياً، أو قبيحاً، واجباً علينا في كل حين.