شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
سوريون وسوريات من ألمانيا:

سوريون وسوريات من ألمانيا: "لنفرح اليوم ونقلق غداً"

كانت أصوات الفيديوهات القادمة من حلب، وحمص، وحماة، ودمشق تصدح من شاشات الهواتف النقالة في برلين خلال الأيام الماضية. صغارٌ وكبارٌ يتابعون بعيونٍ توّاقةٍ لما يخبئه المستقبل لبلادهم التي أتعبها رحيل الملايين من شعبها، مضافاً إليه ألم الكثيرين الذين بقوا فيها. يراقبون سوريا التي أنهكتها الانقسامات السياسية والاجتماعية، والمثقلة بنظامٍ سياسيٍ فشل في معالجة أيٍّ من هذه المشكلات التي تراكمت على مدى أكثر من خمسين سنة من بطشه.

بأملٍ حذرٍ، تابعوا الأخبار، وكانت الأيام الماضية مثقلةً بالانتظار ومحمّلةً ببهجة تحرير المدن والمحافظات الواحدة تلو الأخرى. ولكن لا شيء كان يضاهي مشاهدة فيديوهات العائدين إلى الوطن للقاء أهاليهم بعد غياب سنوات، أو المعتقلين الذين تم تحريرهم من سجون النظام السوري السيئة الصيت.

نزل السوريون والسوريات إلى شوارع برلين بعد ليلةٍ لم يستطيعوا فيها النوم، عقب الإعلان عن سقوط النظام السوري ورحيل رأسه المتمثل ببشار الأسد. حاملين أعلام الثورة السورية بنجومها الحمراء الثلاثة، رقصوا واحتفلوا وتبادلوا التبريك، والدموع تغرق وجوههم فرحاً، وأملاً، وخوفاً، وقلقاً.

ليلة الميلاد

"نعيش أقصى درجات الفرح، هو يوم ننتظره منذ سنوات. سعيدون وسعيدات جداً، رأينا بأمّ أعيننا أنه ليس هناك للأبد، وأشعر بالندم لأنني للحظة شككت بأملي بالثورة"، هذا ما قالته الصحافية والناشطة السياسية السورية ياسمين مرعي لرصيف22.

وشاركها الصحافي الكردي السوري مكسيم العيسى قائلاً: "مشاعر فرح عارمة وكبيرة، هناك نوع من القلق لأننا لا نعرف كيف ستتصرف الجهات والتيارات السياسية والعسكرية المسيطرة حالياً، ولكننا متفائلون لأن العقبة الأساسية لإيجاد حلٍّ للقضية السورية كانت بشار الأسد ونظامه، وزالت هذه العقبة. لذلك نحن متفائلون ومتفائلات بأن القادم أجمل". 

بأملٍ حذرٍ، تابع السوريون/ات الأخبار، وكانت الأيام الماضية مثقلةً بالانتظار ومحمّلةً ببهجة تحرير المدن والمحافظات الواحدة تلو الأخرى. ولكن لا شيء كان يضاهي مشاهدة فيديوهات العائدين إلى الوطن للقاء أهاليهم بعد غياب سنوات، أو المعتقلين الذين تم تحريرهم من سجون النظام السوري سيئة الصيت 

بدوره، عبّر أياز شلال كدو، وهو ناشط حقوقي سوري كردي يعيش في ألمانيا، عن فرحته بسقوط نظام الأسد قائلاً إنه لم يستطع النوم ليلة الثامن من كانون الأول/ ديسمبر: "كنت أبكي وأضحك وأتذكّر أخوالي الذين صفّاهم النظام السوري، وأهلي الذين تشردوا وهم يحاربون هذا النظام للحصول على حقوقنا كمواطنين حتى قبل الثورة السورية. هذه قضية عملت عليها عائلتي منذ أجيال، لذلك لا يزال الأمر غير قابل للتصديق. أمي تبكي، ووالدي متوتر ويتابع الأخبار. هو يوم كبير لكل السوريين والسوريات، وهو إعادة ولادة للشعب السوري".

الجالية السورية في ألمانيا تتظاهر فرحاً بسقوط بشار الأسد.

راودت الفنان الكوميدي السوري طارق قاعي مشاعر مختلطة بين الفرحة والقلق والتوجس، قائلاً لرصيف22: "هناك إيجابية وفرح بسقوط النظام. الأمر أكبر من عقولنا، إنه حدث أيقوني. وُلِدنا تحت نظام عائلة الأسد، وكان إسقاطه هو هدف الثورة، وحدوثه حدث ضخم بالنسبة لنا. في الوقت نفسه، هناك عدم استيعاب وعدم فهم، لأن الموضوع كبير وسريع ومفاجئ. وهناك قلق وتوجس بسبب الفوضى التي تتلو التحرير، وكذلك خوف من العنف والسلاح المنتشر، ولكن الأمر لا يزال في بدايته".

أما لانا المصري، مهندسة طاقة متجددة، فقالت: "أمل جديد وفرحة كبيرة، ومسؤولية لإعادة البناء. هناك خوف من أخطاء وتصرفات الجماعات التي استلمت، وخوف من إسرائيل".

الوطن هنا… الوطن هناك

هل سيزور السوريون بلدهم بعد غياب سنوات كانوا فيها مهجرين ولاجئين؟ وهل هم متخوفون من إجبارهم على مغادرة ألمانيا؟

ياسمين التي تغربت منذ أكثر من 12 عاماً، لم تستطع توديع والدها عند وفاته. قالت إنها تتحرق للعودة لسوريا: "أبحث عن طريقة الحصول على جواز سفر سوري، للعودة إلى سوريا وزيارة قبر أبي بسرعة، وعندها سأقرر إذا كنت أريد البقاء أم لا". 

أياً كان المستقبل السياسي لسوريا ما بعد الأسد، فإن السوريين يتطلعون ليكون لهم دور في الانتقال لبلد تاقوا إليه وحلموا به. 

فيما يقول العيسى: "نفكر أن نعود لبلدنا إذا استطعنا ذلك، هناك قسم كبير لن يستطيع العودة بسبب التزاماته وحياته المستقرة في دول أوروبا وبلدان أخرى، ولكن العودة اليوم هي للمساهمة في بناء البلد، أو لزيارة الأهل والأحباب، حسب كل شخص وحالته القانونية في بلدان اللجوء".

واستبعد أن تتخذ أوروبا خطوات تجبر السوريين على العودة إلى بلادهم، قال: "هناك تطبيق لقانون العودة الطوعية، وصعب أن يعيدوا هذا الكم الهائل من السوريات والسوريين لسوريا، وستواجه الوافدين الجدد الذين سيصلون الآن مصاعب في الحصول على حق اللجوء بسهولة، وذلك كله تبعاُ للوضع الذي سيشكل سوريا في المرحلة المقبلة".

يفكر كدو بالعودة إلى سوريا، ولكنه لا يعلم كيف: "لدي حياتي هنا اليوم وعندي خطط لاستكمال دراسة الدكتوراه، بعدها ربما أعود وأخدم بلدي بشكل أفضل" كما قال لرصيف22، لافتاً إلى أنه لا يتوقع إجبار السوريين على العودة. ورأى أن هناك عدداً كبيراً من السوريين سيعودون إلى سوريا بمحض إرادتهم.

كما غيره من السوريين يفكر قاعي بزيارة سوريا، ولو لفترة محدودة وذلك بعد 12 عاماً من الغياب: "سأزورها قريباً، بعد استقرار الأوضاع وفتح المطار والمعابر، حالياً ليست لدي خطة للانتقال للعيش في سوريا، ولكن قد يتغير ذلك في المستقبل".

ويقول قاعي إنه ليس متخوفاً من إجبار السوريين على العودة، "شخصياً حاصل على الجنسية الألمانية وبالتالي هو امتياز، ولكن ما حدث اليوم هو ضد رغبة الأوروبيين بتصنيف سوريا كبلد آمن يمكن العودة إليه، ولكن سيتضح ذلك في الأيام القادمة، إذا ما كانت هناك خطوات جدّية من قبل أطراف أخرى لتكون سوريا مستقرة. حالياً حسب قراءتي لما حدث عرقل الجهود بجعل سوريا بلداً آمناً تراجعت للخلف".

أما لانا المصري فتقول إنها لن تعود لأن سوريا اليوم بحاجة لها وهي في الغربة.

أبواب السجون

في سياق متصل، انتشرت فيديوهات إطلاق سراح المعتقلين/ات السوريين/ات من سجون أمنية متعددة من محافظات ومدن سورية مختلفة، فتنتظر مرعي وعائلتها أي خبر عن ابن خالها، زوج أختها وابن أختها المفقودين منذ سنوات ولا يعرفون عنهم شيئاً.

وكذلك ينتظر الصحافي العيسى "أسماء بعض الأصدقاء والصديقات في المعتقلات والمختفين قسرياً، ووصلت أخبار بأن هناك شخصيات معروفة حية ترزق بعد أن كنا نعتقد أنها قتلت، مثل الشابة طلّ الملّوحي، المعتقلة منذ 17 عاماً في سجن عدرا".

فيما أكد الناشط كدو أن لديه أهلاً وأصدقاء تحرروا من المعتقل في دمشق وكانوا معتقلين منذ اندلاع الثورة السورية.

الجالية السورية في ألمانيا تتظاهر فرحاً بسقوط بشار الأسد.

تروما الحرب الأهلية

وحول السيناريوهات المحتملة، ترى مرعي أن المستقبل "ليس واضحاً بعد، ولكن ليس هناك أسوأ من سيناريو نظام الأسد ، وسيناريو داعش التي أعتبرها ذيلاً للنظام، وكما اتضح لنا حتى الآن فإن الشباب المشاركين في ردع العدوان ليس لديهم نوايا المشاركين بسفك الدم، بل نوايا طيبة ونقية، الناس تريد العودة إلى بيوتها، وإلى أهلها. أتمنى من قلبي أن يكون هناك توافق سوري بعد 13 عاماً تعلمنا منها الكثير من الدروس، كان أهمها أن لا نفرّط بدماء بعضنا البعض. أتمنى أن تكون المرحلة الانتقالية سلسة وسريعة بسرعة سقوط النظام السوري".

وتمنى العيسى "سوريا لكل السوريين. يعيشون فيها بحرية وكرامة، وأن يأخذ الجميع حقوقهم وأن يمارسوا حريتهم القومية والدينية من دون أن يساهموا في تفتيت البلد. سوريا كبيرة وتسع الجميع، وباعتقادي أن السوريين قادرون على الوصول لاتفاق والعمل على عقد اجتماعي متجانس يلبي مطالب الجميع".

في المقابل، لم يخفٍ أياز كدو، خوفه مما هو قادم، يقول: "حسب اطلاعي ودراستي للثورات التي حصلت على مدار التاريخ، فجميعها تتبعها فوضى وحالة من الصراع الذي يدفع ثمنه الشعب عادة كما حدث في العراق وليبيا، ولكنني أتمنى تجربة انتقالية سلسة". 

أظهر الكثيرون قلقهم من أن تتحول سوريا لدولة يحكمها الإسلام السياسي. لكنهم اجتمعوا على أن أي شيء في الدنيا هو أفضل من بشار الأسد، الذي كان "السرطان الأساسي في البلد"، وإلى أنه السبب في "كل ما وصل له الشعب السوري" 

وفصّل كدو عدة سيناريوهات لما قد تكون عليه سوريا في المستقبل "الأول أن يكون هناك انتقال سلس للسلطة تطبيق للقرار 2254، أما السيناريو الثاني فهو انقسام البلد لعدة أقسام وحدوث صراعات ونزاعات داخلية، والسيناريو الثالث هو حرب أهلية وبالتأكيد أتمنى أن لا يحدث أيّْ من ذلك".

وأشار أياز إلى أن هدف الثورة قد يغيب بعد وصول فصائل معينة للسلطة "بالقوة والطمع وأيضاً القوى الخارجية قد تحيد عما يريده الناس، وهو ما قد يحدث في سوريا خلال الفترة المقبلة. برأيي أيا كانت الفترة المقبلة ستكون أفضل من العقود التي عاشها السوريون تحت حكم بشار الأسد وأبيه".

وعبرّ قاعي عن قلقه لما يحدث حالياً في الشمال السوري: "لا تزال هناك معركة طاحنة بين الجيش الوطني السوري وتركيا من طرف، وقسد - قوات سوريا الديمقراطية - من طرف آخر، وهناك حالة من إلغاء للأكراد ولا مبالاة لبقية المكونات".

وأضاف: "كذلك يقلقني الإسلام السياسي. بالنسبة لي أي شيء في الدنيا هو أفضل من بشار الأسد، الذي كان السرطان الأساسي في هذا البلد، وهو أساس كل ما وصلنا له، لكن في نفس الوقت، فإن الذي استطاع التغلب عليه هو جهة إسلامية مسلّحة، تجاهد منذ 10 سنوات وتموت من أجل هذا اليوم، لذلك لديها توقعات بأن تكون موجودة ولديها سلطة بالبلد، وكان ذلك متوقعاً".

ويضيف الكوميدي السوري: "سيتم الحديث عن تمثيل شرعي لهم قريباً، ورأينا موقفاً إيجابياً لهم من الأقليات حتى الآن ولكن سيكون هناك صدام بين رؤيتهم، وبين ما أراه أنا كشكل سوريا التي أريد وهي سوريا ليبرالية ومتقدمة، وليس سوريا إسلامية ومحافظة، رغم تيقني بأن البلد ذاهب باتجاه حكومة إسلامية محافظة، نتمنى أن لا تكون نسخة متطرفة جداً، وأن تعمل الدول المحيطة على دعم التحول السلمي".

وأخيراً طرحت المهندسة المصري رؤيتها للسيناريوهات المحتملة: "أن تكون هناك انتخابات ديمقراطية ومؤسسات الدولة يديرها أشخاص جدد وينتعش الاقتصاد، ويتم رفع عقوبات القيصر، وفتح المطارات والحدود ويستعيد جواز السفر السوري قيمته ليتمكن الناس من السفر والتنقل والعمل والعيش بكرامة، وأن تعود الخدمات المدنية الأساسية من الماء والكهرباء ومحطات الطاقة والوقود. وبالتأكيد عودة اللاجئين وإعادة إعمار البلاد، وكل هذه الأمور الجادة تحتاج إلى وقت".

أما السيناريو الثاني حسب المصري فهو "أن تجتاح إسرائيل الجنوب وتصل لدمشق وندخل حرباً جديدة ترجعنا 100 سنة للوراء"، فيما هناك سيناريو "أن تقع حرب أهلية بين الفصائل المسلحة وتنقسم البلاد، في سيناريو مشابه للعراق وليبيا والسودان، حيث ستدعم كل من تركيا وإيران وأمريكا بصحبة حليفتها إسرائيل طرفاً من أطراف النزاع".

أما السيناريو الرابع وهو الأقل احتمالاً كما ترى المصري فهو: "تحوّل سوريا لبلد إسلامي مثل ليبيا، وهو مستبعد لأن الأقليات تشكل نسبة 30%".

أياً كان المستقبل السياسي لسوريا ما بعد الأسد، فإن السوريين يتطلعون ليكون لهم دور في الانتقال لبلد تاقوا إليه وحلموا به.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

"نؤمن في رصيف22، بأن متابعة قضايا العرب خارج العالم العربي، في المهجر/ الشتات/ المنفى، هي أيضاً نظرة إلى أنفسنا، وإلى الأسباب التي اضطر -أو اختار- من أجلها الكثيرون إلى الهجرة بحثاً عن أمانٍ في مكانٍ آخر، كما أنها محاولة للفهم وللبناء وللبحث عن طرائق نبني بها مجتمعات شاملةً وعادلةً. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image