تشهد الكثير من الدول العربية واقعاً حقوقياً صعباً. تغيب الحريات السياسية والثقافية في عدد كبير منها. لكن ماذا عن الحرية الاقتصادية؟ هل تحظى المنطقة العربية بحريات إقتصادية واسعة؟ أما تهيمن الحكومات على النشاطات المالية والتجارية كما تفعل في بقية مجالات الحياة؟
عن هذه الأسئلة يجيب التقرير الأخير الصادر، نهاية العام 2016، عن مؤسسة التراث الأمريكية وصحيفة وول ستريت جورنال، والذي شمل 178 دولةً.
يصنف التقرير الدول وفقاً لمؤشر "الحرية الاقتصادية"، وهو مفهوم مركزي في النظام الرأسمالي ومحدد هام للاقتصاد الليبرالي، الذي يقوم أساساً على رفع الحواجز القانونية والحكومية عن النشاطات الاقتصادية والإنتاجية والمالية والتجارية.
ويعتمد المؤشر، الذي يصدر سنوياً منذ العام 1995، على قياس مجموعة من المجالات في تحديد درجة الحرية الاقتصادية لكل دولة، هي: السياسة التجارية، عبء الحكومة المالي، تدخل الحكومة في الاقتصاد، السياسة المالية، تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، النشاطات المصرفية والمالية، الأجور والأسعار، حقوق الملكية، فرض القيود والأنظمة، نشاط السوق السوداء.
ووفقاً للتصنيف يتم تقسيم الدول إلى أربع مجموعات: دول ذات اقتصاد حر، أو حر في أغلبه، أو غير حر في أغلبه، أو ذات اقتصاد مكبوح.
وقد حافظت هونغ كونغ على الصدارة العالمية، التي تحتلها منذ عام 2004 بـ88 نقطة. كما حافظت سنغافورة على المركز الثاني وحلت نيوزيلاندا في المركز الثالث وجاءت سويسرا رابعة، والمركز الخامس لأستراليا بــ80 نقطة، وهذه الدول الخمس وحدها حازت تصنيف الدول ذات الاقتصاد الحر، وهذا الترتيب لم يتغير منذ العام 2013. فيما لم تدرك الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول العشر الأولى وحلت في المركز الحادي عشر بـ75 نقطة واحتلت الصين المركز 144 بـ52 نقطة.
وحافظت كل من كوريا الشمالية وكوبا وفينزويلا على المراكز الأخيرة على التوالي في مؤشر الحرية الاقتصادية، وذلك لاعتمادها على نظام تحتكر فيه الدولة النشاط الاقتصادي والمالي.
أين الدول العربية؟
ثلاث دول عربية فقط جاءت ضمن مجموعة الدول ذات الاقتصاد الحر في أغلبه. إذ حلت البحرين في المركز الأول عربياً والثامن عشر عالمياً بـ74.3 نقطة تليها الإمارات في المركز الثاني عربياً، والخامس والعشرين عالمياً بـ72.6 نقطة وقطر في المركز الثالث عربياً بـ70.7 نقطة. أما بقية الدول العربية فتوزعت بين مجموعة الدول ذات الاقتصاد غير الحر في أغلبه وهي: الأردن الرابعة عربياً (46 عالمياً)، تليها عمان (52 عالمياً)، ثم الكويت (74 عالمياً)، ثم السعودية (78 عالمياً)، ثم المغرب (85 عالمياً). أو ذات اقتصاد مكبوح وهي: لبنان في المركز التاسع عربياً (98 عالمياً) وتليه تونس (114 عالمياً)، ثم جيبوتي (125 عالمياً)، ثم مصر (126 عالمياً)، ثم موريتانيا (128 عالمياً) وحلت الجزائر في المركز الأخير عربياً (154 عالمياً). وجاءت ست دول عربية، من بين 8 خارج التصنيف، بسبب غياب البيانات، وهي: سورية والعراق وليبيا والسودان والصومال واليمن، وذلك بسبب الحروب التي تشقها وغياب الشفافية وحق النفاذ للمعلومات فيها. ووفقاً لتقرير مؤسسة التراث Heritage، فإن "الدول التي تحوز أعلى مؤشرات الحرية الاقتصادية تحقق معدلات ازدهار اقتصادي أعلى وتنخفض فيها معدلات الفقر وتتمتع ببيئات نظيفة ونصيب أعلى من الدخل للفردي". ويدعو التقرير إلى "مزيد رفع الحواجز الجمركية بين الدول وتعزيز السياسات التجارية المنفتحة ومنح مزيد من الحريات للناس العاديين في إنشاء الأعمال، من خلال حماية حقوق الملكية وتحسين التشريعات ورفع القيود التجارية بين الدول وداخلها".هل تكفي الحرية الاقتصادية لتحقيق التنمية البشرية؟
تعطي مؤسسة التراث Heritage، في تقريرها، قيمةً كبيرةً لقضية تحرير الاقتصاد وتحجيم دور الحكومات والملكية الخاصة، في تحصيل الرخاء الاقتصادي وتحسين وضع الفرد مالياً واجتماعياً، وذلك يعود للتوجهات السياسية للمؤسسة. لكننا في المقابل نجد الكثير من الدول، التي تتمتع بمؤشرات التنمية البشرية العالية جداً عالمياً، كالدول الإسكندنافية، تحتل مراتب متأخرة في مؤشر الحرية الاقتصادية، وما زالت الدولة فيها تملك هامشاً للسلطة على النشاط الاقتصادي، خاصة في ما يتعلق بالحماية الاجتماعية للمواطنين، في مسائل التقاعد والتغطية الصحية والتعليم، وقضايا البيئة والتلوث. فالسويد مثلاً تحتل المركز الــ26 عالمياً بعد إستونيا والشيلي وجورجيا! ورغم نسبيته ومحدوديته في تشخيص الأوضاع الاقتصادية للدول، يبقى مؤشر "الحرية الاقتصادية" من أهم المؤشرات التي يلقي عليها المستثمرون الأجانب نظرةً، قبل أن يقرروا نقل أعمالهم وأموالهم إلى إحدى الدول العربية، لكن المؤشرات العربية الحالية لا تشجع كثيراً هؤلاء المستثمرين على ذلك، وبذلك تحرم السياسات الحكومية والبيروقراطية وتفشي الفساد، المنطقة من تدفق رؤوس الأموال، التي تجلب معها السيولة التي يحتاجها الاستثمار الداخلي والنقد الأجنبي من خلال الاستثمار ومن عائدات التصدير الناتج عنه، وكذلك العائدات الضريبية من خلال خلق أنشطة اقتصادية إضافية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين