شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أحداث هزّت الاقتصاد العالمي في 2016

أحداث هزّت الاقتصاد العالمي في 2016

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الخميس 5 يناير 201708:12 م
طوى العالم عاماً كان حافلاً بأحداث سياسية واقتصادية تركت آثارها المباشرة وغير المباشرة في الاقتصاد العالمي وأثرت على اقتصادات الدول العربية. يرحل العام 2016، الذي يمكن أن نُسميه "عام التحولات الاقتصادية" بعد أن شهد العالم خلاله، تغيرات سياسية جذرية سيكون لها وقعها على العلاقات الاقتصادية العالمية في السنوات القادمة، من الاهتزازات التي شهدها الاتحاد الأوروبي، القوة السياسية والاقتصادية عالمياً، وصولاً إلى القرارات التاريخية المتعلقة بقطاع الطاقة، مروراً بالتغير الجذري على مستوى الرئاسة الأمريكية، والتي طالت تأثيراتها المنطقة العربية بدرجات متفاوتة.

بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي

في 23 يونيو الماضي، صوّت نحو 52% من البريطانيين لمصلحة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، في مقابل 48% رفضوا الانفصال، في نتيجة خالفت كل استطلاعات الرأي والتوقعات. وفي اليوم التالي بعد الاستفتاء، هوى الجنيه الإسترليني نحو 12% أمام الدولار إلى 1.32229 دولار، وهو أدنى مستوياته منذ 30 سنة، ونحو 8% أمام اليورو إلى نحو 1.2165 يورو، وانهارت الأسواق الأوروبية، فهبطت بورصة لندن عند الافتتاح أكثر من 7%، وبورصة باريس نحو 8%، وفرانكفورت أكثر من 7%، لتحذو حذو الأسواق الآسيوية. وفتحت الأسهم الأميركية على هبوط حاد، وهبط مؤشر "داو جونز" الصناعي 1.35%، ومؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نحو 1.62%، و"ناسداك" المجمع 3.93%. وسجّل الذهب أعلى مكاسب منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، مع اتجاه المستثمرين إلى الأصول التي تمثل ملاذاً آمناً. وقفز المعدن الأصفر 8% إلى 1319 دولاراً للأونصة، بعدما صعد إلى 1358 دولاراً، وهو أعلى مستوياته منذ العام 2014. وتراجع سعر النفط أكثر من 6% إلى 48 دولاراً للبرميل. لم تكن الاقتصادات العربية بمنأى عن تداعيات الاستفتاء البريطاني، فتكبدت أسواق المال العربية خسائر بنحو 8.8 مليار دولار خلال الأسبوع الأول بعد الاستفتاء، لكنها نجحت في استرجاع معظمها لاحقاً. ولكن غالبية التحليلات والتوقعات أشارت إلى أن تأثير الانسحاب البريطاني على الاقتصادات العربية سيكون محدوداً، لأن الأنظمة المالية والمصرفية في معظم الدول العربية مرتبطة بالدولار بشكل رئيسي وليس باليورو أو الجنيه الإسترليني، بحسب مصارف مركزية عربية كبرى. وفي هذا السياق، أكد الأمين العام لـ"اتحاد المصارف العربية" وسام حسن فتوح أن "تأثير الانسحاب على المصارف العربية العاملة في بريطانيا سيكون محدوداً، إذ إنها غالباً ما تعمل لتلبية الاحتياجات التمويلية للشركات العربية والعرب المقيمين في بريطانيا وأوروبا". وقد يتيح الـ"بركسيت" عدداً من الفرص والمكاسب الاقتصادية للدول العربية، خصوصاً الخليجية، يتمثل بتحسين شروط الاستثمار والقوة التفاوضية مع كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق باتفاقات التجارة الحرة التي تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار بين الطرفين، إلى جانب الفرص الاستثمارية أمام المستثمرين الخليجيين، خصوصاً في السوق العقارية، بعد هدوء حال الحذر وعدم اليقين الراهنة، وذلك في ظل انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني أمام الدولار، ما يساهم في تراجع قيمة العقارات والأصول البريطانية ويعزز جاذبيتها. وأكد تقرير أصدرته مجموعة "أورينت بلانيت للأبحاث" بعنوان "لماذا الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي مهم بالنسبة لدول الخليج العربي"، أن الانسحاب يفتح آفاقاً واسعة لترسيخ العلاقات الثنائية القوية بين دول الخليج والمملكة المتّحدة، متوقعاً أن "تشهد العلاقات التجارية بين الطرفين تطوراً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة، في ظل مساعي بريطانيا إلى ترسيخ حضورها الاستثماري في الأسواق غير الأوروبية، في خطوة طموحة للتعويض عن الخسائر الفعلية في السوق الداخلية". وتشير التقديرات إلى أن إجمالي استثمارات الأفراد والصناديق السيادية الخليجية في بريطانيا يراوح بين 200 و250 مليار دولار، متجاوزاً نسبة العقارات 23% منها، ولذلك فإن تدهور الإسترليني عقب الاستفتاء تسبب بخسارة هذه الاستثمارات ما بين 10 و15% من قيمتها، قبل أن يعاود الارتفاع.

ترامب رئيساً

خلافاً لكل التوقعات والتحليلات واستطلاعات الرأي، نجح دونالد ترامب في الوصول إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، ما فرض حالة من الترقّب وأعاد خلط أوراق الاقتصاد العالمي، في ظل وعود وتوجهات اقتصادية مخيفة لسيّد البيت الأبيض الجديد. وتعتبر الاقتصادات العربية، وتحديداً الخليجية، الأكثر تأثراً بالتوجهات الاقتصادية الجديدة لترامب، نظراً إلى اعتمادها على تحركات الاقتصاد العالمي واتجاهاته. بعضها مصدّر للبترول ورؤوس الأموال، كما يعتمد عدد منها على المعونات الدولية، ويشهد البعض الآخر تدخلات دولية بسبب الحروب الأهلية والحرب على الإرهاب. كانت البداية في 14 ديسمبر 2016 برفع أسعار الفائدة الأميركية 0.25% إلى ما بين 0.5 و0.75%، قبل أن تتخذ السعودية والكويت والإمارات والبحرين وقطر قراراً مماثلاً وبالنسبة ذاتها. ويؤثر قرار رفع الفائدة الأميركية سلباً في أسواق النقد الخليجية، التي ترتبط عملاتها بالدولار، إذ يؤدي إلى عزوف المستثمرين والمضاربين عن العملات المحلية والتوجه نحو الدولار للاستفادة من رفع الفائدة. وترتفع قيمة العملة الأميركية نتيجة الإقبال عليها، لترتفع معها قيمة العملات الخليجية بسبب الارتباط، ما يضرّ بصادرات هذه الدول عندما تصبح أقل تنافسية مقارنة بصادرات الدول الأخرى. ويُتوقع على صعيد واسع أن ترفع معظم المصارف المركزية العربية أسعار الفائدة، تماشياً مع القرار الأميركي، ما يزيد كلفة الاقتراض لدى المؤسسات والشركات العاملة في هذه الدول، الأمر الذي يؤدي إلى تقليص حجم الاستثمارات وارتفاع معدلات البطالة. ولكن أخطر وعود ترامب خلال حملته الانتخابية وبعدها، تمثل في تأكيده خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا في سبتمبر الماضي على "جعل أميركا غنية مرة أخرى عبر تعزيز إنتاج الطاقة محلياً، فأميركا تجلس على كنز من الطاقة غير المستغلة تبلغ قيمته 50 تريليون دولار من الطاقة الصخرية واحتياطات النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى مئات الأطنان من احتياطات طاقة الفحم. وأنا سأرفع القيود المفروضة على الطاقة الأميركية، وأسمح لهذه الثروة بأن تصب في مجتمعنا". وفي مايو الماضي، قال ترامب خلال تجمّع انتخابي في ولاية داكوتا، أحد معاقل الطاقة الواعدة في الولايات المتحدة: "خلال فترة رئاستي سنحقق الاستقلال في مجال الطاقة الأميركية بشكل كامل، فتخيلوا عالماً يضمّ أعداءنا وعصابات النفط العاجزين عن استخدام الطاقة سلاحاً ضدنا". وتستورد الولايات المتحدة نحو 7.5 مليون برميل نفط يومياً، معظمها من الدول العربية، ما يعني أن إستراتيجية ترامب لعزيز إنتاج أميركا النفطي على حساب الحصة السوقية المستوردة، ستشكل صدمة للدول المنتجة للبترول، ومع الوقت قد توقف أميركا الاستيراد. وذلك يحتّم على الاقتصادات العربية المعتمدة على النفط بشكلٍ رئيسي، أن تعمل على تنويع اقتصاداتها فوراً، وإلا فستجد نفسها أمام مأزق حقيقي. كل ذلك استدعى رداً من وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، الذي أكد أن منع ترامب لواردات النفط "قد تكون خطوة خطرة تضرّ بالاقتصاد الأميركي، لأن الولايات المتحدة تستفيد أكثر من أي دولة أخرى من التجارة الحرة العالمية. وعلى رغم أنها تستورد ملايين البراميل من النفط، فهي تستفيد بشكل كبير من قدرتها على البيع بحرية كميات كبيرة من المنتجات المصدرة". ومن الاتفاقات التي قد تقع تحت مقصلة التعديلات أو الإلغاءات، اتفاق مصر مع الولايات المتحدة وإسرائيل المتعلق بالمناطق الصناعية المؤهلة "الكويز"، والذي ينص على فتح الأسواق الأميركية للمنتجات المصرية المصنعة في المناطق الصناعية المؤهلة من دون تحديد حصص، أو فرض رسوم جمركية، شرط أن تتضمن مدخلات إنتاج إسرائيلية بنسبة 10.5%. وأي تعديل لهذا الاتفاق قد يكلّف الصادرات المصرية خسائر كبيرة، ويساهم في تفاقم عجز الميزان التجاري المصري. وما ينطبق على مصر في شأن هذا الاتفاق، ينطبق على الأردن أيضاً، الذي وقع اتفاقاً مشابهاً مع الولايات المتحدة وإسرائيل، كما قد يتضرّر عدد من الدول العربية في حال قرر ترامب إلغاء أو إعادة التفاوض على اتفاقات التجارة الحرة. ووعد ترامب بانتهاج سياسة متطرفة لدخول البضائع إلى الولايات المتحدة. سيعمل من خلالها على منع البضائع الرديئة من الوصول إلى بلاده. وبلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول العربية عام 2015 نحو 160 مليار دولار، 71.4 مليار دولار منها صادرات أميركية، و88.2 مليار دولار واردات، معظمها من النفط والغاز. ويُتوقع تراجع الواردات العربية من السلع غير النفطية، ما يحتّم على الدول العربية البحث عن أسواق جديدة لتصريف صادراتها. أما أبرز التأثيرات العالمية، فيتمثل في أن سياسة الجمع بين التحفيزات النقدية وتعريفات التجارة وقواعد الهجرة الصارمة وأسعار الفائدة المرتفعة، التي أعلنها ترامب، ستساهم حتماً في تقويض النمو الاقتصادي العالمي. وأشارت دراسة أجرتها مجموعة "غولدمان ساكس" المصرفية الأميركية إلى أن "الاقتصادات المتقدمة قد تحصل على دفعة مبدئية من حزمة التحفيزات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة، إلا أن تأثيرها سيتلاشى سريعاً وستمتد التداعيات السلبية إلى الأسواق الناشئة"، مضيفةً أن "سياسات ترامب قد تتسبب في تراجع النمو العالمي".

الأوبك وخفض الإنتاج

أما الحدث الاقتصادي الثالث، فهو الأول من نوعه منذ العام 2008، وتمثل في اتفاق "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) على خفض إنتاجها بهدف استعادة التوازن في السوق، ودعم الأسعار التي تراجعت أكثر من 50% منذ منتصف عام 2014. في نوفمبر، اتفق أعضاء المنظمة على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، إلى نحو 32.5 مليون برميل يومياً، على أن يدخل الاتفاق حيّز التنفيذ في بداية العام 2017. ووافقت السعودية على تحمّل الجزء الأكبر من خفض الإنتاج، إذ تعهّدت خفض إنتاجها من 10.54 مليون برميل يومياً إلى 10.06 مليون برميل، أي بنحو نصف مليون برميل يومياً. ووافقت "أوبك" على تحديد إنتاج إيران بـ 3.79 مليون برميل يومياً، بمقتضى سقف الإنتاج الجديد للمنظمة، ما يعني فعلياً السماح لإيران بزيادة إنتاجها بنحو مئة ألف برميل يومياً. وفي 10 ديسمبر الجاري، وافقت 11 دولة من منتجي النفط من خارج "أوبك" على خفض إنتاجها من النفط بمعدل 558 ألف برميل يومياً، اعتباراً من 1 يناير 2017. وتعهّدت روسيا غير المنتسبة إلى "أوبك خفض إنتاجها بمعدل 300 ألف برميل يومياً، وهو نصف الكمية التي كان يؤمل أن تخفضها الدول النفطية من خارج المنظمة، إلى جانب المكسيك وكازاخستان وماليزيا وسلطنة عُمان وأذربيجان والبحرين وغينيا والسودان وجنوب السودان وبروناي. وفور إعلان الاتفاق، ارتفعت أسعار النفط أكثر من 8% إلى أكثر من 50 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوياتها منذ فبراير الماضي.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image