الربط هو عدم القدرة على ممارسة العملية الجنسية. وإذا كنت في مصر، فلا بد من أنك سمعت قصة عن "ربط ليلة زفاف". يقول محمود مصطفى، من محافظة قنا في صعيد مصر، إنه يوم زفافه، وقبل كتب الكتاب، وضعت شقيقته الكبرى "إبرة" في حذائه، وارتدى الملابس الداخلية "مقلوبة" حتى لا يتعرض للربط. ويؤكد حامد أنور، باحث في التراث الشعبي لرصيف22، أن هناك بعض الموروثات المنتشرة في قرى محافظات الدلتا، اعتاد الناس ممارستها للحماية من الربط، كأن يحمل العريس في جلبابه سكيناً صغيراً ذا نصل. وأشار أنور إلى أن فكرة ارتداء الملابس الداخلية "مقلوبة" في كثير من المحافظات، هدفها إحباط أي أعمال سحر، قد تربط الزوج في ليلة الدخلة. ولفت إلى أن التقليد السائد في هذه المحافظات هو أن توجه دعوة إلى العريس من قبل أحد أعمامه أو أخواله، ليستحم في منزله، ويخرج من هناك إلى كتب الكتاب وحفل الزفاف، وهو يرتدي الملابس الداخلية "مقلوبة". وقال إن أهالي قريته مثلاً، يعتقدون في أن مأذون القرية، يربط الناس، لذا تذهب أسرة العريس إليه قبل الزفاف، بهدية تتضمن شاياً وسكراً كي لا يقوم بربط العريس. وأوضح أنور أنه وفق معتقدات المؤمنين بالربط، من يفعل ذلك يستعين بكتب مرتبطة بالسحر والأعمال مثل كتاب "شمس المعارف الكبرى". يشير محمود مصطفى، الذي ارتدى ملابسه الداخلية "مقلوبة" ليلة زفافه، إلى أنه لا يؤمن بهذه المعتقدات، لكنه بسبب القصص الكثيرة التي سمعها من أسرته وأصدقائه وافق على ممارسة هذه العادة.
التفسير العلمي للربط
ويفسر الأمر الدكتور محمد خالد، أستاذ الطب النفسي، قائلاً إن هذه عادات متوارثة من أجيال سابقة، تحكى للطفل ويسمعها منذ الطفولة. مشيراً إلى أنها من الناحية العلمية ليس لها أي أساس من الصحة، لكنها راسخة في وجدان أهل المناطق الريفية. ويضيف أستاذ الطب النفسي لرصيف22: "يسمعها سكان المنطقة ويرونها تطبق، فبتصبح عقيدة راسخة في الوجدان، ويخشون تغييرها"، مشدداً على أن الوقوف ضد هذا الفكر يبقى صعباً جداً، لأن القرية بأكملها مؤمنة بذلك. ويرى أستاذ الطب النفسي أن إرهاق تجهيزات الزفاف من الممكن أن يؤدي لإصابة العريس بالتوتر، نفسياً وبدنياً، فيكون غير قادر على ممارسة العملية الجنسية في ليلة الزواج، مضيفاً: "وبمجرد أن يفشل في اليوم الأول، يؤمن أنه مربوط وأنه سيفشل في كل مرة سيحاول فيها"، الأمر الذي يساهم في تفاقم المشكلة.هل من أصل ديني لهذه العادة؟
يعتبر مروان الشهابي الحسني، باحث في العلوم الشرعية، أن العادات المتوارثة للحماية من الربط كارتداء الملابس الداخلية "مقلوبة"، موروثات من أيام العرافات وليس لها علاقة بالدين، مشدداً على أنها "لا تؤثر بذاتها على الإطلاق سواء في الربط أو فك الربط". ولكنه يشير في الوقت نفسه إلى وسائل وأساليب بديلة تُعتمد شعبياً هي الرقى. ويقسم الرقى إلى أنواع، منها الشرعية، وهي المنصوص عليها في القرآن مثل "آية الكرسي" التي تحمي من الجن، ومنها التي يتم استنباطها من القرآن ويعتقد أنها تؤثر في الجن، لكنه لم يتم النص عليها بشكل صريح. في السياق نفسه، علق الشيخ عبد الغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، قائلاً إن الإنسان المسلم إذا كان يصلي ويستغفر الله ويؤمن بأن من يضر وينفع هو الله، فهو محصن من هذه الأمور. مستشهداً بقول الله تعالى في القرآن الكريم: "وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير". وشدد عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية على ضرورة عدم الإفراط بالحديث، وتساءل لماذا نسمع عن الربط في مجتمعنا ولا نراه في الدول المتقدمة؟ مشيراً إلى انتشار الخرافات في بلادنا.الأغاني والربط
هناك أيضاً أغانٍ ارتبطت بمواجهة هذه المشكلة في الثقافة الشعبية، ويزور المؤدون لهذه الأغاني بعض مقامات الأولياء لإتمام البركة عليهم وعلى العروسين. وتهدف بعض هذه الطقوس إلى إبعاد الجان، وكل مكروه يصيب العروسين مثل الربط، وفق ما ذكر الدكتور إبراهيم عبد العليم حنفي، في كتابه "تحت القبة شيخ.. حكايات الأولياء". ومن الأغاني التي تقال في محافظة الفيوم، عند زيارة مقام شيخ يدعى الشيخ رجب، وهو أحد الأولياء في درب الطباخين:يادي الساقية البحرية بتروق زلالي ميه وعرسنا واقف بطوله ابعد يا شيخ رجب الجن بلونه بالجلابية واقف بطوله والساعة ذهب يا عينه
ووفق كتاب "تحت القبة شيخ.. حكايات الأولياء"، هناك أغان ربطت بين العريس والولي البطل، فتؤدّى بعد زيارة العريس لمقام الولي. يعتقد فيها المؤدون أن العريس يصبح بطلاً بعد أدائها، مثل الأغنية التالية، التي يرددها من يزورون مقام الشيخ سيد الروبي، أحد أولياء محافظة الفيوم: البطل اللي زرته جاب الحل على أمه ( البطل هنا يقصد به الولي سيد على الروبي) جه بطل جاي في إيد أمه زغردي يا عروسة زغردي يا أمه جدع كحيل العين سبحان من صور دفع مهر كبير لا حد في يوم همه
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...