ظل السعوديون يحتفظون بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة بمراسم الزواج، فلم تتبدل الكثير من المفاهيم مع سنوات الطفرة النفطية، التي نقلت المجتمع من البداوة إلى الحداثة في غضون سنوات قليلة، بداية من تقاليد الخطبة وتسليم المهر لعائلة العروس، وليس نهاية بحفل "الزواج" آخر فصول الاحتفالية التي تستمر أياماً بلياليها، برفقة الدفوف والأهازيج النسائية والرجالية التي تتنوع بدورها من منطقة إلى منطقة بسبب اتساع وتنوع التكوين الجغرافي للمملكة.
ليست الصورة رومانسية في كل فصولها وزواياها. الصورة المعروفة، هي بدء نساء العائلة رحلة البحث عن فتاة مناسبة لإبنهم وعندما يتوفقن في العثور على بغيتهن، ينتقل الدور للجانب الرجالي هنا فيذهب ذكور العائلة إلى والد العروس لخطبتها. بعد الحصول على موافقة العائلة تقرأ الفاتحة ويتم تحديد يوم لعقد القران و"الدخلة"، وفقا لقوانين اجتماعية متوارثة تكسبه صفة الشرعية والرضا أو تنزعها عنه في حالات عدة، منها منع الفتيات من الزواج "العضل"، والتفريق بين الأزواج لعدم كفاءة النسب.
آخر ضحايا تلك العادة الغريبة، "مها التميمي" التي تقدمت عائلتها بطلب للقاضي بتطليقها من زوجها "علي عباد القرني"، وإيداعها في دار الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل إلى حين الفصل في القضية، أي الموافقة على فسخ عقد زواجها من زوجها لعدم كفاءة النسب، كونه لا ينتمي إلى قبيلة "أصيلة"، وذلك بسبب العرف القائم في السعودية القاضي بمنع غير القبيليين من الزواج من القبيليات بحكم فتاوى لفقهاء الحنابلة (أتباع المذهب الحنبلي).
وفي قضية مشابهة لحال التميمي وزوجها، علق المحامي السعودي عبدالرحمن اللاحم، بالقول: " الحكم اعتمد على عرف قائم ولكننا دفعنا أمام محكمة التمييز بأنه عرف فاسد لا يعتمد عليه من الناحية القضائية الشرعية أو النظامية، فالمفترض أن يكون عرفاً صحيحاً متوافقاً مع الشريعة الإسلامية، إضافة إلى أن القاضي لا يستند إلى العرف إلا في حالة عدم وجود نص".
عندما يقرر الآباء تفريق بناتنهن عن أزواجهن بحجة النسب... أزمة العضل في السعوديةويترقب الزوجان الحكم النهائي في قضيتهما التي رفعها أعمام المرأة، بعد صدور حكم ابتدائي يقضي بتفريقهما، خاصة أن "مها التميمي" ترفض التخلي عن زوجها والعودة لأسرتها. فيما دافع المتحدث الرسمي لوزارة العدل المستشار منصور القفاري، عن موقف الوزارة كون "الخاطب مارس الغش والتدليس في المعلومات التي قدمها عن نفسه، وتم تزويجه بناء عليها". مخالفاً بذلك ما نشرته وزارة العدل السعودية في وسائل الإعلام تعقيباً على الجدل القائم حول نقض عقود الزواج لعدم التكافؤ. وانتقل الجدل من العائلة والمحاكم إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية بعد نشر الزوجة التميمي رسالة مصورة عبر يوتيوب، تكشف فيه عن معاناتها بالرغم من كونها حاملاً في شرها الثامن، وعجز زوجها الجندي المشارك في حرب اليمن عن الوقوف بجانبها في القضية التي تعرضت فيها لمضايقات وضغوط كبيرة، مع تحولها إلى قضية رأي عام. صرخة التميمي انتقلت إلى موقع التواصل الإجتماعي تويتر، مع تدشين هاشتاغات #قاضي_يطلق_زوجة_عسكري_مرابط و#قاضي_يفرق_زوج_وزوجته_الحامل، انتقد خلالهما مدونون تشويه الإسلام ومطالبين برفع ولاية الرجل في كل ما يخص شؤون المرأة. وعلى خلفية قضية التميمي التي كسبت في الماضي قضية عضل رفعتها ضد والدها وتحصيلها موافقة الأخ وهو الولي على الزواج، كشف أحد النشطاء إزالة وزارة العدل السعودية بند "دعوى فسخ نكاح لإختلاف النسب" من موقعها الإلكتروني، مع توقعات بنقل القضية إلى محكمة أكبر خلال الفترة القادمة.
"العضل" يشجع العنف ضد النساء
تزايد حالات "التفريق بين الأزواج" على أساس تكافؤ النسب في المحاكم السعودية، شجع العنف ضد النساء، مع تصديق شاب سعودي (23 عاماً) على اعترافاته في محكمة جدة (29 أكتوبر 2016)، في قضية قتل شقيقته سارة الشريف أمام مقر عملها بعد لجوئها إلى دار الحماية الاجتماعية في المدينة التي تقع على البحر الأحمر، على خلفية عقد قرانها على رجل عربي مقيم. أقر طالب الهندسة في محضر التحقيق، كيف لحقها متنكراً في زي باكستاني، وخلال دقائق معدودة، تمكن من إفراغ خمس رصاصات في جسد شقيقته الثلاثينية لدى نزولها من حافلة دار الحماية، لاعتراضه على زواجها، الذي استحصلته من محكمة الأحوال الشخصية عقب دعوى عضل كسبتها ضد العائلة. يذكر أن 10 محاكم للأحوال الشخصية السعودية استقبلت خلال الربع الأول من العام الحالي 128 قضية عضل، بمعدل فتاتين لكل يوم، بالرغم من العادات والتقاليد التي تمنع الغالبية من الاستعانة بالقضاء بعد رفض أولياء أمورهن تزويجهن من رجال يوصفون بـ"الكفاءة" تعسفاً. وتصدرت المحكمة العامة في منطقة مكة المكرمة قائمة المحاكم من حيث عدد القضايا، بمعدل 45 دعوى، تلتها المحكمة العامة في منطقة الرياض بـ28 دعوى. فيما جاءت المنطقة الشرقية في المرتبة الثالثة بـ24 دعوى عضل، تلتها المحكمة العامة في منطقة المدينة المنورة في المرتبة الرابعة بـ13 دعوى، فمحكمة القصيم العامة في المرتبة الخامسة بـ7 قضايا، ثم محكمة عسير بـ5 دعاوى عضل، واتت منطقتا تبوك، وحائل بالمرتبة السابعة بقضيتين لكل منهما، في حين كان نصيب منطقتي جازان والباحة قضية عضل واحدة لكل منهما. وبالرغم من اعتبار وزارة العدل السعودية، عضل الفتيات عن الزواج نوعاً من العنف الأسري، إذ نصت المادة الثالثة والثلاثون من نظام المرافعات الشرعية الجديد في الفقرة السادسة منها، "على اختصاص محاكم الأحوال الشخصية بنظر دعاوى تزويج من لا ولي لها، أو من عضلها أولياؤها". سارة ومها نموذجان لاستغلال وصاية أولياء الأمر في السعودية، الوصاية التي جعلت الأعراف والتقاليد شكلاً من أشكال العبودية، وقد عانتا خلالها الأمرين من ظلم المجتمع والعائلة والنظام الذكوري، وانتصرت لهما وسائل التواصل الاجتماعي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...