قالت شابة بولندية مقيمة في ألمانيا إنها لم تتمكن من النوم خلال الأسبوع الماضي، وهي تتابع أخبار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. حين نسألها عن السبب، تجيب أن لديها شقيقين يعملان في لندن، بالإضافة إلى والدتها التي تعيش هناك على حساب الضمان الاجتماعي البريطاني منذ بضع سنوات.
ومنذ انضمت بعض دول أوروبا الشرقية، التي كانت سابقاً ضمن دول "الاتحاد السوفياتي"، إلى الاتحاد الأوروبي، أصبح بإمكان جميع مواطني تلك الدول، التي تعاني من اقتصادات ضعيفة وارتفاع نسب البطالة، الاستفادة من قانون "حرية التحرك" بموجب اتفاقية الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يسمح لهم بالتوجه إلى دول الاتحاد ذات الاقتصاد الأقوى، للبحث عن فرص عمل أفضل، أو للاستفادة من ميزات نظام الإعانات الاجتماعية المتطور فيها.
وفي ظل قرار بريطانيا الانفصال عن الاتحاد، بعد علاقة دامت نحو 43 عاماً، سيعاد النظر في الكثير من الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، إذا لم يتم إلغاؤها كلياً. لن تتأثر بها الاقتصادات وأسواق النقد والمال، والمصارف وشركات الطيران والنقل والشحن والتأمين وغيرها، وحسب، بل ستهدد مصالح وفرص عمل الكثير من المهاجرين، كما اللاجئين من المنطقة العربية، بشكل مباشر وغير مباشر.
يقول خبراء إن نحو ثلاثة ملايين مهاجر أوروبي توجهوا للعيش في بريطانيا، بعد انضمام كل من بلغاريا ورومانيا والمجر وبولندا للاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي. وهم ينافسون البريطانيين في فرص عملهم، وأسهموا في انخفاض مستوى الأجور، وارتفاع أسعار العقارات، عدا الأعباء التي يتسببون بها على برامج الرعاية الاجتماعية والصحية.
كيف يتوقع الخبراء أن ينعكس قرار انسحاب بريطانيا من الاتحاد سلباً على اللاجئين من منطقة الشرق الأوسطففي العام الماضي مثلاً، تدفق نحو 336 ألف مهاجر بطريقة شرعية إلى بريطانيا، نحو 60% منهم من دول الاتحاد الأوروبي. أما اللاجئون السوريون مثلاً، فلم يتجاوز عدد الذين تم منحهم اللجوء وأشكال الحماية أكثر من 3,800 سوري بحسب تقارير رسمية. بينما تعهدت الحكومة البريطانية استقبال 20 ألف لاجىء سوري فقط ضمن 5 سنوات. وهو رقم، في حال قياسه بحجم تدفق اللاجئين إلى ألمانيا خلال السنتين الماضيتين مثلاً، لا يتعدى الـ0.2% من إجمالي اللاجئين في ألمانيا التي استقبلت خلال العامين الماضيين، أكثر من مليون و800 ألف لاجىء بصورة شرعية وغير شرعية، ومعظم هؤلاء يعتاشون على نفقة صندوق الإعانات، ولا يمكنهم العمل بشكل فعلي مباشرة، بسبب صعوبة اللغة وعثرات لوجستية أخرى. لا تعاني بريطانيا من الهجرة غير الشرعية بسبب موقعها الجغرافي، واتفاقياتها الحمائية مع دول الاتحاد، خصوصاً ألمانيا وفرنسا. فالطريق الوحيد لهروب اللاجئين إليها هو عبر بحر المانش، وهناك، تراقب الشرطة الفرنسية حركة القطارات وتمنع إمكانية التسلل إليها.
لكن كيف يتوقع الخبراء أن ينعكس قرار انسحاب بريطانيا من الاتحاد سلباً على اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط؟
بحسب تصريحات بريطانية رسمية، وتقارير إحصائية، تعتبر بريطانيا ثاني أكبر الدول المانحة في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا للمفوضية الأوروبية للاجئين. وهي رغم أنها لم توقع على اتفاقيات مع الاتحاد تلزمها باستقبال حصة من اللاجئين القادمين من مناطق الحروب في الشرق الأوسط وتوطينهم، فهي ملزمة بالمشاركة في تقديم المنح، التي تقررها المفوضية الأوروبية. هذه النسب تقرر بحسب قوة اقتصاد البلد الأوروبي العضو، ونسب عجز الموازنة فيه، وهنا مربض الفرس. إذ يتخوف خبراء من خروج بريطانيا، لأنها لن تعود ملزمة بتلك المنح، وبالتالي هذه النسبة سوف تلقى على عبء ألمانيا ذات الاقتصاد الأقوى في الاتحاد، والتي هي أصلاً تدفع الفاتورة الأكبر لتغطية تكلفة استقبال اللاجئين، والإنفاق على دمجهم وتوفير متطلباتهم الاجتماعية والصحية كافة. ألمانيا تعاني أصلاً من تشنجات سياسية داخلية، تقودها أحزاب يمينية منذ نحو عامين، بلغت ذروتها هذا العام، بسبب التدفق الهائل غير المسبوق للاجئين، بعد إعلان أنجيلا ميركل العام الماضي، عن استعدادها لاستقبال نحو مليون لاجىء سوري بشكل منظم وشرعي خلال عام. وبفعل سلسلة أحداث اعتداء حصلت في ليلة رأس السنة الماضية في مدن ألمانية مختلفة، وجهت فيها أصابع الاتهام إلى طالبي اللجوء. هذه الحوادث استغلها اليمينيون لتصعيد حدة خطابهم ومطالباتهم في "البوندستاغ" Bundestag (برلمان جمهورية ألمانيا الاتحادية)، وجعلت الكفة تميل إليهم. وهذا ما اضطر ألمانيا إلى تعديل مواد في قانون اللجوء، سمي "باكيه 3" Asylum package III، التي وصفتها منظمات حقوقية وإنسانية في ألمانيا بأنها غير منصفة، ومجحفة بحق طالبي اللجوء، وتحد من إمكانية استقبال المزيد من دول الحروب. وسط كل ذلك تعلن بريطانيا انسحابها من الاتحاد، ما يشكل ضربة قاسية لملف اللجوء في ألمانيا وعلاقتها مع المفوضية الأوروبية من جهة، ومع برامج المساعدة الاجتماعية للاجئين من جهة أخرى. فيتوقع أن توقف بريطانيا المنح الملتزمة بها في إطار اتفاقية المفوضية الأوروبية للاجئين، وسوف تضطر ألمانيا أن تتحملها كونها قائدة لاقتصاد الاتحاد. أوقفت الـ"باكيه 3" قانون لمّ الشمل، وتقديم السكن خلال أول 6 أشهر من تقديم طلب اللجوء، وخفّضت قيمة المساعدة النقدية الشهرية التي يتلقاها طالبو اللجوء في مراكز الاستقبال إلى معدل الثلث تقريباً، وغيرها من المواد القاسية الأخرى، فهل يتوقع أن يصدر مثلاً "باكيه4"؟ وكيف ستتعامل ألمانيا التي يضغط عليها اليمين بحجج واقعية وأخرى مبالغ فيها مع ملف اللاجئين؟ كل هذه التساؤلات مرهونة على المدى المنظور باجتماع الاتحاد الأوروبي الطارئ، المقرر في 28 و29 يونيو. ومرهون أيضاً بما ستؤول إليه الأمور خلال سنتين من تنفيذ هذا الخروج، إذا حصل وإذا لم يحصل استفتاء بريطاني ثانٍ لإعادة النظر في هذا الاستفتاء، بعد مطالبات بريطانية جديدة وفق عريضة مليونية قدمت لعمدة لندن أمس.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...