في التاسع من ديسمبر الماضي، قرّرت السلطات اليونانية طرد جميع المهاجرين غير الشرعيين المرابضين في مدينة إيدوميني، على الحدود اليونانية المقدونية، وكانوا هنالك ينتظرون فرصتهم للعبور إلى أوروبا.
هؤلاء المهاجرون حوصروا على الحدود بعد أن قررت السلطات المقدونية السماح فقط للاجئين من الجنسيات السورية والعراقية والأفغانية بعبور الحدود، قاطعةً الطريق على أكثر من 4000 مهاجر يتحدرون من جنسيات مختلفة، ومن بينهم نحو ألف مغربي.
ونقلت السلطات اليونانية في ذلك الحين هؤلاء المهاجرين إلى مخيمات نُصبت في ملعب رياضي في العاصمة اليونانية أثينا، على أساس أن المعاهدات الدولية لا تعتبرهم لاجئين. وأخيراً، بدأت السلطات اليونانية بترحيل بعضهم إلى بلد عبورهم، تركيا.
مأساة إغريقية
هذا فصل صغير فقط من فصول المأساة التي يتعين على كل حالم بمعانقة الفردوس الأوروبي أن يعيشها. تبدأ الرحلة من مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، على متن رحلة عادية إلى اسطنبول. بحسب شهادات متطابقة أدلى بها لرصيف22 شباب مغاربة خاضوا التجربة أو أصدقاء لهم، يقترض الشاب غالباً مبلغ الرحلة من عائلته أو أقربائه (نحو 3500 دولار). وبعد الوصول إلى اسطنبول، يكون على موعد مع الوسيط الذي تكفّل بتنسيق العملية. يقضي بعدها بضعة أيام في أحد فنادق اسطنبول إلى أن يتم إبلاغه بموعد السفر إلى إزمير. ومن هذه المدينة المتوسطية التي تعتبر ثالث أكبر مدينة تركية بعد اسطنبول وأنقرة، تبدأ المتاعب. هنا يلتقي الراغب في الوصول إلى أوروبا بأباطرة تهريب البشر الحقيقيين، أشخاص لا رحمة لديهم ولا شفقة. هنا تبدأ رحلة الابتزاز وتصبح مجبراً على التفاوض مع رجال مسلحين ينظمون العملية ويحصّلون المال قبل أن يقبلوك ضيفاً على القارب المطاطي الصغير. "عليك أن تدفع مبلغاً لا يقل عن 8000 درهم (80 دولاراً)، وإلا فسيقوم مهربو البشر بالتخلص منك وتركك في الخلاء في مكان مجهول. كثيرون ممن حضروا فقط بمبلغ تذكرة الطائرة وحاولوا السفر من إزمير تُركوا في مكان مجهول"، شرح الحسين، شاب من مدينة الدار البيضاء اضطر للبقاء في اليونان بعد رفض السماح له بعبور الحدود المقدونية اليونانية. يقطع المهاجرون الرحلة من شاطئ إزمير إلى جزيرة ليبسوس اليونانية في مدة قد لا تتجاوز الساعتين، إذا كان القارب من النوع الجيد وحركة البحر عادية، وخمس ساعات إذا كان القارب قديماً أو إذا طرأ عليه عطل ما. وعادةً، يُترك المهاجرون وحدهم في القارب ولا يرافقهم أحد، وهو ما حصل للحسين وخمسين مهاجراً كانوا معه وتعطل قاربهم قبل أمتار قليلة من الوصول إلى الجزيرة. قضى الحسين يومين في ليسبوس قبل أن تنقلهم السلطات اليونانية إلى أثينا على متن باخرة، بعد تسجيل بياناتهم.بين اليونان وألمانيا
عند الوصول إلى أثينا يشرع المهاجرون في تدبير وسيلة للحصول على بيانات مزوّرة. يتداول المهاجرون المغاربة اسم "الخريطية"، وتعني الوثيقة التي تفيد بأنه لاجئ يحق له العبور. في الأشهر القليلة الماضية، قبل أن تحصر الدول البلقانية صفة اللاجئ في أصحاب جنسيات معينة، كان المغاربة يحصلون على هذه الوثيقة بسهولة، لذلك كان وصولهم إلى قلب أوروبا أمراً يسيراً. أما الآن، فأمامهم حل وحيد وهو الحصول على أوراق تسجيل جديدة تخفي هوياتهم وتقدمهم بأسماء جديدة كسوريين مثلاً. في اليونان، هنالك شبكات متخصصة في تزوير مثل هذه البيانات. لجأ إلى إحداها الحسين وحصل على مبتغاه مقابل نحو 50 دولاراً. لكن حظه كان سيئاً لأن مهاجرين سوريين وشوا به إلى السلطات. وبحسب مصدر في المفوضية السامية للاجئين، ليس هنالك ما يمنع من طلب اللجوء في اليونان بالنسبة للمهاجرين المغاربة. "منعهم من العبور ليس خياراً أو قراراً اتخذته اليونان من تلقاء نفسها، لكنه متعلق بالسياسات الأوروبية"، قال متحدث باسم المشرفين على مخيم "موريا كامب" في جزيرة ليسبوس. وتابع أن "المغاربة الذين التقيناهم يشددون على أنهم لاجئون أيضاً. نحن نتفهم الأمر، لكن ليس هنالك أيّ شيء يمكننا فعله. نتفهم أنهم قطعوا مسافات طويلة أملاً بتسجيلهم كلاجئين والحصول على حياة أفضل في مكان ما، لكن في هذه اللحظة لا يمكننا القيام بأيّ شيء". الوضع في مخيمات اللاجئين في أثينا ليس مريحاً كما قد يظنّ البعض. وروى مهاجر سري مغربي أن السلطات اليونانية عمدت إلى احتجاز عدد من المهاجرين المغاربة في معتقل "كورينث" في العاصمة، إثر خلافات نشبت بينهم وبين مهاجرين آخرين. ووصف حمودة، أحد المحتجزين، ظروف الاحتجاز بالقاسية واللاإنسانية وأكّد حدوث أكثر من محاولة انتحار في صفوف المهاجرين المغاربة. "قضيت قرابة شهر ونصف في هذا المحتجز. الظروف سيئة جداً. المأكل غير صحي ولا وجود لأطباء لمعالجة المرضى، ويرفضون نقلنا إلى المستشفى للعلاج، فضلاً عن البرد القارس. احتجازنا لم يكن قانونياً"، قال. أما الذين حالفهم الحظ في الوصول إلى أوروبا فقد قطعوا مسافات طويلة وشاقة بعد وصولهم إلى أثينا، علماً أن معظم المهاجرين المغاربة يفضّل ألمانيا. "حينما وصلنا إلى الحدود تم تسجيلنا ثم استطعنا الدخول إلى مقدونيا. لم أرد الانتظار طويلاً في المخيمات فبحثت عن حافلة للمغادرة مباشرة إلى صربيا. كلفتني هذه الرحلة نحو 35 دولاراً واستمرت عشر ساعات. بقيت يوماً واحداً فقط في مخيم في صربيا وتطوّعت في أعمال التنظيف قبل أن تتكلف السلطات الصربية بمصاريف نقلنا في الحافلات إلى كرواتيا. قضيت في كرواتيا بضع ساعات ثم انتقلت بالقطار إلى سلوفينيا ومنها وصلت إلى النمسا. في النمسا وألمانيا عوملنا بشكل جيد أفضل من بقية الدول، وها أنا الآن في ميونيخ"، روى مهاجر مغربي من أكادير رحلته قبل نحو شهرين.رفض قاطع للعودة إلى الديار
وبعد الأحداث التي شهدتها مدينة كولونيا الألمانية ليلة رأس السنة والتي اتُّهم فيها عدد من المهاجرين السريين من أصول مغربية بالاعتداء جنسياً على نساء ألمانيات، تنامى الخطاب العنصري ضد المهاجرين، وطالبت الحركات اليمينية المتطرفة بطرد اللاجئين والمهاجرين القادمين من دول مغاربية. وعمدت بعض البلديات في ألمانيا إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تعكس حالة الخوف من اللاجئين. ففي بيرنهايم مثلاً، مُنع اللاجئون الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة من الدخول إلى المسابح، في خطوة تم التراجع عنها لاحقاً. فيما ذهبت مقاطعة بافاريا أبعد بتخصيصها دروساً للاجئين حول كيفية التعامل مع النساء. وأمام الضغوط المتزايدة، اضطرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى البحث عن اتفاق مع المغرب يقضي بترحيل المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى ألمانيا عبر دول البلقان، وذلك بعد استصدار قرار يقضي باعتبار المغرب والجزائر وتونس بلاداً آمنة. وتعتبر ألمانيا اللاجئين المغاربة لاجئين اقتصاديين لا يشكل ترحيلهم أيّ تهديد لحياتهم، بعكس اللاجئين السوريين، وهو ما دفع دولاً أوروبية إلى الإعلان عن استعدادها للقيام بالخطوات نفسها. غير أن هذه الخطوة تواجَه بالرفض من المهاجرين المغاربة الذين وصلوا أخيراً ويؤكدون تشبثهم بحق البحث عن حياة كريمة، بعد أن ضاق بهم الحال في بلدهم. "ما الذي أعددتموه لنا في المغرب، أنتم الذين تريدون إعادتنا إليه؟ لقد هربنا من الظروف الاجتماعية القاسية التي عشناها في بلدنا. لدينا عائلات لإعالتها. لم نأت هنا لا للتخريب ولا لإحداث الفوضى. فلماذا تريدون إعادتنا لنموت ببطء في المغرب؟ انسوا أمرنا واهتموا بأشياء أخرى. لماذا تهتمون بنا الآن وتسألون عنا؟ لماذا لم يسأل عنّا أحد حينما كنا داخل المغرب؟ لن نعود إلى ذلك أبداً"، قال أيوب، شاب يحمل شهادة في المعلوماتية ووصل إلى ألمانيا أخيراً. وبرغم شيوع الأخبار عن السياسة الجديدة التي ترفض السماح للمهاجرين السريين المغربيين بالعبور، وقرار ترحيل مَن سبق أن وصلوا إلى أوروبا، إلا أن ذلك لا يبدو أنه سيوقف حركة الهجرة إلى تركيا كمحطة قبل الوصول إلى أوروبا. نعرف على الأقل عشر حالات غادرت مباشرة بعد إخلاء النقطة الحدودية في إيدوميني وبعد الاتفاق المغربي الألماني. فالسماسرة المغاربة يقنعونهم الآن بوجود حلول أخرى وبأنه بمجرد الوصول إلى اليونان سيجدون وسطاء آخرين لإيصالهم إلى مقصدهم بأساليب جديدة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين