تطرح الروائية الكويتية "باسمة العنزي" في روايتها "قطط إنستجرام" موضوعاً معاصراً جداً هو وسائل التواصل الاجتماعي وكيف أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، وصارت تؤثر على وعينا وأفكارنا وحتى على عواطفنا.
بطلة الرواية شابة عاطلة عن العمل، بعد أن عصفت الأزمة الاقتصادية بالكويت، مسببة خسارة الكثير من الموظفين لأشغالهم، تنشئ حساباً على الإنستجرام باسم "القطط السمان" تضع فيه صور قطها "سبايس"، مع تعليقات تنتقد فيها بعض ظواهر المجتمع والفساد في القطاعين الاقتصادي والحكومي. وسرعان ما يتحول حسابها لواحد من الحسابات المتابعة كثيراً، ويتفاعل معه الناس بالسلب أو بالإيجاب. "سبايس قطي الرمادي، بطلي الذي صنعت مجده عبر حسابي في موقع إنستجرام، فأضحى نجماً. لفرط استيائي من تسريحي أنا وزملائي من العمل، دخلت عوالم التواصل الاجتماعي تحت اسم Fat cats، بتُّ أصور بكاميرا الموبايل لقطات له وهو يلعب.. ينام.. يتسلق الشجرة.. يستلقي في مكانه المفضل على الصوفا المخملية".
يعرض أحد رجال الأعمال "منصور لافي" على الفتاة صاحبة الصفحة بعد أن ازداد عدد متابعيها أن تدعم حملته الانتخابية وتروج له، مقابل مبلغ مالي ضخم، إلا أنها ترفض خيانة مبادئها ووضع يدها بيد من تنتقد تصرفاته وفساده، خاصة أن أخاها "حامد" كان أحد الضحايا المباشرين لهذا الرجل الفاسد، إذ سُجن بعد أن عجز عن سداد المبلغ المالي الذي اقترضه منه، وهنا تتطرق الكاتبة لموضوع "الشيكات من دون رصيد"، إذ أثبتت التجربة أن البعض كان يسيء استخدامها، ويستعملها وسيلة لتهديد الشخص المدين والإضرار به. وعقدت الكثير من النقاشات في مجلس الأمة في الكويت لتغيير العقوبات المتعلقة بهذه الشيكات.
تفرد الكاتبة مساحات لأغلب الشخصيات كي تشارك في السرد، فالفصول موزعة بين الشخصيات الرئيسية، وكل منها تحكي قصتها بنفسها، ومن وجهة نظرها، وتترك بعض حكايات الشخصيات لتظهر من خلال حديث الباقي عنها. فشخصية "أحلام" ابنة المجتمع الارستقراطي، التي يحبها "منصور" في شبابه، لكنها لا تعيره أي اهتمام، بل تتزوج من رجل ثري، تعود بعد خمس سنوات إلى بيت أهلها مطلقة، وتملأ أوقات فراغها الطويلة بالانشغال بجاراتها وصديقاتها، وجلسات النميمة الأسبوعية التي تقيمها في منزلها. تلتقي مجدداً منصور بعد أن أصبح رجل أعمال ومرشحاً للانتخابات البرلمانية، وتعاود حكاية الحب القديمة الظهور. "اللقاء الذي رتبته جنية الصدفة هو بالضبط زمن انتقال المصعد من الدور الأرضي إلى العاشر في برج السراب وسط العاصمة، (...) كان منصور لافي أمامها تماماً، بشماغه الأحمر وطوله الفارع وابتسامته العريضة. (...) مرت لحظات مسحورة، مطلية بالتكهنات، كانت تتمنى أن يعلق بها مصعد مع رجل تحبه، فتمضي الساعات وهما يثرثران، رغم أن منصور لم يكن في الماضي فتى أحلامها المتطلعة، لكنها تمنت لو توقف بهما المصعد في احتمالية مستحيلة!".
ترصد الرواية تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على البشر، وكيف أن بعض الأشخاص يستخدمونها للترويج لأنفسهم وللآراء والأفكار التي يريدون للمجتمع الاقتناع بها، ومدى خطورة ذلك على هذا المجتمع.
يكتشف الناس أموراً كثيرة من وراء صفحة "القطط السمان"، ففي بلد صغير سرعان ما تنتشر الأسرار، وتتعرض صاحبة الصفحة للمضايقات والانتقادات، لكنها تقرر الاستمرار في سيرتها الأولى، في الإشارة إلى مواضع الفساد وفضح الفاسدين، ووضع يدها على هموم الطبقات الفقيرة والوسطى، وهنا ما يميّز هذه الرواية في أن الكاتبة استطاعت أن تسلط الضوء على عدد كبير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الكويت، وذلك من خلال تعليقات بسيطة تضعها البطلة على صفحة الإنستغرام. "شكراً لكم جميعاً، لمن يعرفني ولمن لا يعرفني، كنت أظن قبل أيام أنني مجهولة تماماً، حتى أتتني دعوة عمل من تاجر فاسد يخطط للفوز بعضوية مجلس الأمة، اتضح لي أننا نعيش في بلد صغير تنتقل فيه الحقائق والشائعات على جناح السرعة، عموماً لست نادمة على كل كلمة كتبتها هنا، لن أعتذر من أحد طالما لم أكذب ولم أتجنّ، كل ما فعلته أني كنت لمرات مرآتكم العاكسة، هل تكرهون صوركم المشوهة لهذه الدرجة؟!".
تنتهي الرواية نهاية واقعية تشبه ما يحصل دوماً في مجتمعاتنا الغارقة في فسادها، حيث تزداد سمنة "القطاط" رغم جميع محاولات فضح أفعالها!
باسمة العنزي كاتبة كويتية، تكتب في عدد من الصحف والمواقع العربية. أصدرت ثلاث مجموعات قصصية: "الأشياء"، "حياة صغيرة خالية من الأحداث" التي حازت عنها جائزة الدولة التشجيعية للقصة القصيرة عام 2007، و"يغلق الباب على ضجر" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد 2011. صدرت لها روايتان: "حذاء أسود على الرصيف" التي فازت بالمركز الثالث في جائزة الشارقة للإبداع العربي 2012، و"قطط إنستجرام".
الناشر: دار العين/ القاهرة
عدد الصفحات: 192
الطبعة الأولى: 2016
يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع