شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رواية من الكويت... في حضرة العنقاء والخِل الوفي

رواية من الكويت... في حضرة العنقاء والخِل الوفي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 31 مايو 201612:54 ص

يقتنص الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل عنوان روايته من بيت شعر لصفي الدين الحليّ: "أيقنت أن المستحيل ثلاثة، الغول والعنقاء والخلّ الوفي"، فيثبت من الثلاثة إثنين في العنوان ليترك الثالث يجول على هواه في أرجاء نصّه الفسيح، مفترساً حياة "منسي"، قاضماً من جمل وعبارات النص تتماتها.

تطرح الرواية قضية شائكة في المجتمع الكويتي، هي قضية "البِدون"، وهم فئة من الناس يعيشون في الكويت لكنهم "بدون" جنسية. هكذا يختار الكاتب شخصية "المنسي بن أبيه" ليسرد سيرته التي تتقاطع في

همومها الكبرى مع سيرة أيّ واحد من الـ"بدون"، وتبقى الاختلافات التي تتميز بها عن غيرها هي ما يشكّل تفرّدها لتكوّن شخصية روائية مستقلة.

يسرد "المنسي بن أبيه" سيرة حياته على شكل رسالة يكتبها لابنته "زينب" البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً، والتي لم يرها ولا مرة واحدة. يكتب رسالته التي يودع فيها معاناته وتاريخ حياته، محتفظاً بها في صندوق أمه الخشبي الذي نقش عليه اسم ابنته، وهو ينوي تركه لها كي تتعرّف إليه، محاولاً جهده ألا يبتعد عن هدفه الأساس من رسالته هذه.

"أدوّن ما يساعدك زينب على معرفة أبيك لدرجة الحضور الفعلي، سواء كنت في الغياب أو في حكمه"، "أكتب إليك يا زينب، أتوقف حيناً أعود لأوراق سوّدتها، أمزقها لأسباب تتصل بالحشمة، أو لأنها محصلة ثرثرة لا تضيف شيئاً".

ينطلق المنسي في سرد حياته من لحظة وعيه لمشكلته، صبيٌّ في السابعة يخبره مدرّسه: "أنت لست كويتي". يحكي عن فترة طفولته ويفاعته، ثم عمله فرّاشاً في مسرح الخليج، هناك حيث سيساعده إثنان ليدرس الأدب والنقد المسرحي، ثم يسافر بعد ذلك مع فرقة المسرح العربي إلى دمشق، فيتعرف على كويتية هي "نجود" التي ستصبح زوجته رغم رفض أخيها "سعود" زواجها من "بدون"، ويحاول مراراً تطليقها منه فيما بعد، حتى لو وصل الأمر إلى حدّ إيذاء "منسي".

الروائيّ في سرده لكل ذلك، إنما يسرد تاريخ الكويت بمنعطفاته خلال مدة تزيد عن ثلاثين سنة. فيتطرق إلى غزو العراق للكويت، وانخراطه هو وغيره في المقاومة الكويتية ثم فرحه بالتحرير. "تصعب عليّ يا زينب استعادة أيامي القليلة التي سبقت تحرير الكويت بدفق المشاعر المصاحبة، كانت خليطاً متضارباً من الفرح باقتراب الوعد ينازعه خوف إقدام عسكر النظام العراقي على ارتكاب حماقة كبرى".

رغم أن الرواية كلها جاءت على لسان بطلها "المنسي"، إلا أن الكاتب برع في التخلص من ورطة الصوت الواحد المهيمن على النص، إذ يحكي قصص عدد من الشخصيات الأخرى ويعبّر عن هواجسها وهمومها وتطلعاتها: القاضي "صلاح الفهد"، "مبارك سويد"، "سليمان الياسين" وهم الأصدقاء الذين يقفون مع "منسي" ويساعدونه حين يُحاكم في محكمة أمن الدولة بتهمة كيدية دبّرها له "سعود"، فيكونون بذلك ما يمكن اعتباره "الخِلّ الوفي".

يروي لابنته أيضاً مراحل مهمة من تاريخ عائلة أمها: زواج "نجود" السابق، حلمها بفتاة، وفاة الجد وسيطرة "سعود" على العائلة والميراث. وهو في روايته لكل ذلك لا يعطي أحكاماً شخصية، بل يكون بمثابة ناقل أمين لما جرى. "يا زينب (...) بعد انتهائي من تحرير صفحاتي السابقة نقلاً عن لسان أمك أطبقت صندوقك على ما فيه (...) لأنه تاريخها السابق لتواجدي معها، عهدت لها مهمة القص، بما اضطرني لتقمص شخصيتها (...) وما عليّ إلا التحلي بأمانة النقل عبر التقمص".

ينهي "منسي" رسالته الطويلة بفصل ثانٍ صغير "لا حول ولا قول له"، وكأنه أراد من فصله هذا أن يطلق صرخته على "الغول" الذي جثم وما يزال على صدره. الغول الذي تركه "بدون" جنسية وترك روايته "بدون" خاتمة، وترك أغلب جمل النص ناقصة "بدون" تتمات.

إسماعيل فهد إسماعيل كاتب وروائي كويتي، مواليد عام 1940. حاصل على بكالوريوس أدب ونقد من المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت. عمل في مجال التدريس وإدارة الوسائل التعليمية، كما أدار شركة للإنتاج الفني. تفرغ للكتابة عام 1985. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الرواية عام 1989، وجائزة الدولة التقديرية عام 2004.

هو يعدّ المؤسس لفن الرواية في الكويت، كما أنه أبدى اهتماماً متميزاً برعاية ودعم المواهب الأدبية الجديدة، سواء في الكويت أو في العالم العربي. له ثلاث مجموعات قصصية، مسرحيتان، ومجموعة من الكتب النقدية. كما أصدر 25 رواية، من أبرزها: "كانت السماء زرقاء"، "الحبل"، ثلاثية "النيل يجري شمالاً"، سباعية "إحداثيات زمن العزلة"، "سماء نائية"، "مسك"، و"في حضرة العنقاء والخل الوفي"، روايته الأخيرة، التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2014.

مراجعة رواية في حضرة العنقاء والخل الوفي - معلومات عن الرواية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image