يفرض كل عصر بحكم مؤسساته والعلاقات التي تحكمه، مجموعة من المعايير التي تميز أجساد أفراده. تعتبر هذه المعايير قوى تمارس "عنفها" على الكائن الإنساني، ويُعدّ الجسد أحد أهم مصبّات هذا العنف، لنرى شكله يختلف، خصوصاً أن هذه المعايير ترتبط بتكوين الجسد وصورته وتقبله من الآخرين، لتكون صفات "جميل - قبيح"، ليست على أساس فرداني، بل بمقدار ما يحاول الجسد أن يشابه تلك الصورة المفترضة عنه، والمرتبطة بالتغيرات الفكريّة في كل مرحلة. ما يميز هذه الظاهرة الثقافية الجنسانية (جماليات الجسد)، واختلافها بين العالم الغربي والعالم العربي، هو أنها في الغرب تحمل منهجاً متكاملاً وواضحاً لدراسة الجماليات الجسدية لكل مرحلة، وتكون صورة متماسكة عنها. في حين أن الثقافة العربية تقل فيها هذه الدراسات، من منطلق حرمة الجسد، وحرمة تصويره، ليكون الانتصار للمخيلة لا للمحاكاة الجسدية.
الجمال الربّاني
مفاهيم "الجميل" في القرن السادس عشر ارتبطت بالمكانة الاجتماعيّة، وبمفهوم "الجمال الإلهي"، خصوصاً بروز الوجه والعينين، والتركيز على هذا الجسد المنزاح عن المقدس وعلاقته بالمباهج اليوميّة، والاهتمام بالقسم الأعلى منه بوصفه موقع البذخ. في حين أن الأسفل يُغطى بالفساتين الهائلة والقضبان التي تنفخ الأسفل، وهذا مرتبط بالعلاقة مع العلوي والتقسيم الهندسي للعلاقة مع الغيب والنزوع للأعلى. فالنور في الأعلى والأسفل أقل أهمية، ليكون الجسد منفتحاً من الأعلى ويضيق كلما انحدر. وهذا مرتبط بالطبقات الاجتماعية، فالأعلى منها هو الأجمل، ويتضح ذلك فيلوحة" jeanne d'aragon" .
"أنا جميل، إذاً أنا موجود"
انتصر في القرن السابع عشر مفهوم المدنيّة وظهور الآلة، وبدأ الجسد يتحول إلى وضعية للاستعراض والمسرحة في الأماكن العامة. وأصبح هدفه إثارة إعجاب الآخر بسبب انقطاع العلاقة مع الإله، والتركيز على الذات والآخر البشري والتكوينات الاجتماعية، خصوصاً مع بروز العقل ورينيه ديكارت الذي أسس للقطيعة مع "الأعلى". بدأت القامة بالظهور بأكملها والتركيز على انحناءاتها ودوائرها، بأشكالها المختلفة من نحيل وبدين، ممشوق ومترهل، وأصبح الجميل مشتقاً من الطبيعة والحضور البشري لا "الإلهي". لتبرز الحيوية المرتبطة بهذا الحضور، إلى جانب هور البنطلون لدى الأنثى بوصفه آتياً من التراث المسرحي للكوميديا ديلارتي، إلى جانب أجهزة ضبط الجسد المرتبطة بالهندسة العلميّة، كالآلة التي اخترعها "قاريتزو" للعلاج الطبي ثم تحولت إلى وسيلة للتجميل. إلى جانب الانفعالات كلوحة الفتاة ذات القبعة الحمراء لفيرمير، وارتباط ذلك بالطبقة الاجتماعية، لنرى في لوحة الوصيفات مثلاً النور والحيوية في وجه الوصيفات، والخجل وشبه الغياب في وجه الراهبة.
الانعتاق السفلي
انتصر الحسي على الإلهي في القرن الثامن عشر، وبدأ الجمال كمفهوم يتحول إلى صيغة وظيفية وعاطفيّة متفرداً في كل شخص، لتبدأ الحسية والشبقية بالظهور كما نرى في لوحة الفنان فرغونارد "الأرجوحة"، إذ يتبدّى الجسد ويتكشف، ويصبح أكثر حسيّة ومرتبطاً بالطباع البشريّة. فظهر الزمن والإحساس بالحركة، ودفق العواطف، وأصبح لكل امرأة خواصها المتفردة التي تميز جمالها، وبانت حرارة الجسد، وباتت القامة أكثر تحرراً، حتى أن الساقين برزتا كما في الأرجوحة.
الجسد الرومانسي
في القرن التاسع عشر ظهرت الرومانسية بقوة، وأصبح الجسد اكثر انفلاتاً، ونال القسم السفلي حضوره، والعيوب أصبحت جزءاً منه، فضلاً عن الدفق العاطفي، إذ بدأت العيون السارحة بالطغيان إلى جانب التأملات العاطفيّة، بالإضافة إلى مناسبة الثياب للجسد، كما في لوحات يوجين دولاكروا، وبروز معالمه من تحت الثياب. فأصبح الخصر والمشدات منتشرة بكثرة في سبيل تضييق الخصر كعامل أساسي لتحديد جمال المرأة، مع انتشار أسواق التجميل ومستحضراته.القرن العشرين
-
الجمال الفائق
-
الجسد المخنّث
-
الجسد النسوي
الحركات النسويّة حاولت في علاقتها مع الجسد الانفلات من القيود السابقة، أي مستحضرات التجميل وأدوات "تغييره" بوصفها ذكوريّة، تهدف إلى تحويل الجسد إلى مصدر لذة للرجل، كنوع من أعمال العنف، لنشهدانفلاتاً للجسد على راحته، بكل بداءته أحياناً أو الانتصار لخواصه الطبيعية التي تميزه عن جسد الذكورة.
-
الجمال المضاد
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه