شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
اليمن: الوحدة والانفصال وحروب الواتس آب بين النساء

اليمن: الوحدة والانفصال وحروب الواتس آب بين النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 31 مايو 201710:42 م

ثلاث حروب تشتعل في اليمن في آن واحد، حرب إقليمية، وحرب أهلية، وحرب المقاطع الصوتية على الـWhatsapp بين نساء اليمن. من الصعب تجاهل انعكاس الحرب الأهلية في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت. فالخطاب المناطقي بارز فيها بكثافة، كما هو بارز في الحياة العادية. ليس لأن ذلك الفضاء يشكل مساحة تنفيس لم تكن موجودة قبل، إنما لأن هذا الفضاء يعكس تفاصيل فوضى الصراع القائم، لكن بشكل خلاق.

على الرغم من أن نسبة مستخدمي الانترنت في اليمن لا تتجاوز الـ 26% من إجمالي السكان، فإن الانترنت أصبح ملتقى الصالح والطالح: النشاط الحقوقي الإعلامي ودعوات الاصطفاف المناطقي.

ويلفت في الـ26% من المهيمنين في فضاء الانترنت، الحضور النسائي. نساء تحدت معوقات تقف أمام المرأة اليمنية في امتلاك المساحات العامة، فشكّل لهنّ الانترنت مساحة تمكين إعلامي. لكن هذا الحضور منقسم، كحال بقيّة أهل اليمن على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى فئة تستخدم الانترنت لنشر أخبار الحرب وضحاياها، وفئة تعمل على الحشد المناطقي، أو لمجرد التعبير عن الذات، وفي كثير من الاحيان تتقاطع الفئات بحسب انتمائها السياسي وتطورات الوضع.

النساء والخطاب المناطقي

لنساء اليمن دور في نشر الخطاب المناطقي عبر هذه الوسائل خلال الحرب، إذ يتّسمن بالجرأة والمشاكسة السياسية، بنكهة جنسية ولغة تعكس تفاصيل محلية بحتة. من أشهر الأمثلة هي مقاطع Whatsapp الصوتية لنساء يمنيات، شماليات وجنوبيات، يتبادلن رسائل نارية سياسية ومناطقية تدعو تارة إلى العداء والانفصال، وتارة إلى الوحدة الوطنية. وهي تذكر بالمشاكسات النسائية التي تحدث بين زوايا مجالس القات والجلسات النسائية الخاصة، التي يعبرن فيها عن آرائهن وأفكارهن، وكثيراً ما تكون النقاشات السياسية العنوان الأول لجلسة القات.

لكن مع ثورة المعلومات، يبدو أن الـWhatsapp أصبح ديواناً بديلاً لكثير من اليمنيات لأسباب تقنية. فهو عملي وأسهل للاستخدام مقارنة ببقية وسائل التواصل الاجتماعية، كما أن عدداً من شركات الاتصالات اليمنية تقدم باقة خدمات أوفر، منها استخدام الـWhatsapp.

ثلاث من أكثر الرسائل التي انتشرت بشكل كبير في اليمن:

رسالة من فتاة شمالية تخاطب فيها الفتيات الجنوبيات (أو الحراكيات كما يطلق عليهن من قبل الشمال) تدعوهن للانفصال:

وفي الرسالة الصوتية الثانية توجه فتاة جنوبية رسالة للفتيات الشماليات أو الدحباشيات (والدحباشي صيغة تحقير يطلقها الجنوبيون على الشماليين):

في الرسالتين، يتجلى حس النساء "الجنسي" وعلاقتهن مع الجنس الآخر، لكن في إطار ترسيخ الأفكار المناطقية والتفرقة بين ما هو شمالي وما هو جنوبي. واللافت أن كل جبهة تستخدم تفاصيل محلية برمزية سياسية، كالحُلبة التي ترمز إلى الشمال، أو البخور والعود والبحر كرمز للجنوب. ووسط الجدال بين الفتاة الشمالية والجنوبية تظهر فتاة شمالية لتؤكد ضرورة التصالح والتمسك بالوحدة الوطنية:

خيال الوحدة الوطنية

تعكس تلك الرسائل الصوتية إشكالية كبرى، هي وحدة اليمن الهشة، وتطرح سؤالاً حول بقاء اليمن موحداً بعد انتهاء الحرب. فالوحدة اليمنية التي رأت الضوء عام 1990،  لم تحقق تطلعات كل اليمنيين، بل كانت سبباً في خلق شرخ بين الشمال والجنوب، حتى وصلت البلاد إلى طريق مسدود، واندلعت الحرب الأهلية عام 1994.

وبالرغم من أننا في المدارس في صنعاء تعلمنا أن تلك الحرب كانت "حرب الانفصاليين"، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أنها كانت حرباً أهلية بامتياز، وهذه المرة من الصعب إلغاء فكرة الحرب الأهلية القائمة، فالبراهين تملأ فضاء الانترنت. لو أمعنّا النظر في التعبير الذي تعلمناه، نرى إشارة إلى أن الشمال هو الأصل والجنوب هو الثانوي، وأن الشمال هو النزيه الذي يقدس الوحدة وكل ما هو نبيل، والجنوب هو من يدعو للانفصال عن الأصل. بالطبع لم يدرك عقلنا البسيط أيام الدراسة هذه الدلالات، وفي مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، مشت البلاد قدماً في ترسيخ فكرة المشروع الوطني الواحد الموحد، ولكن مشاعر العداء بين الشمال والجنوب كانت في تنام مستمر في الوقت نفسه.

في كل زيارة لي ولعائلتي إلى عدن بعد عام 1994، وقبل ثورة عام 2011، كنت أرى كيف تتلاشى فكرة الوحدة الوطنية. في زياراتنا كنت نتوخى الحذر في الإفصاح عن أننا من صنعاء، لنوفر على أنفسنا عناء أن يتم نعتنا "بالدحابشة". وكنا نتظاهر بأننا من أهل عدن، فنحاول أن نسرق بعض الكلمات العدنية ونتباهى بها أثناء تجولنا في الأسواق أو المطاعم.

بمرور السنوات، وبعد الثورة لم يكن هناك مجال للتظاهر. فمطلب الانفصال (أو الاستقلال كما يريده الحراكيون) صار يُذكر بصوتٍ أعلى، وبات العداء حاداً. ومع هذه الحرب صارت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة جديدة لهذا العداء.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image