شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الرجال اليمنيون يخجلون من حمل الورود وإهدائها

الرجال اليمنيون يخجلون من حمل الورود وإهدائها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 7 سبتمبر 201610:49 م

في اليمن، لا ترى الورود زاهيةً إلا خلف زجاج المتاجر. أما عند شراء أحدهم وردة أو وردتين أو باقة صغيرة فسرعان ما يطلب تغليفها بورق مقوّى ووضعها في كيس لكي لا تلفت الأنظار، وكأنها نوع من المخدرات محرم تداولها.

"ثقافة المجتمع اليمني لا تتقبّل أن تكون الوردة سيدة الهدايا أو أن تكون لغةً للحب"، قال لرصيف22 بائع الورود أحمد سعيد، وأضاف: "سعر الوردة لا يتعدّى الـ250 ريالاً (دولار واحد)، لكن الإقبال عليها ضئيل جداً، ومستوى دخل بائعي الورود بالكاد يغطي إيجار المحل وبعض المصاريف الأساسية".

الخجل من الورود

وقال عبد الله محمد، تاجر ورود في العاصمة اليمنية صنعاء: "بعض الناس يبدو عليهم الخوف والخجل عند شرائهم الورد لدرجة أنهم بعدما أنسّق الورد يطلبون مني أن أغطيه بكيس لا يلفت الأنظار أو أن أغلفه بورق التغليف المقوّى. مع العلم أنه لو كان يحمل أغصاناً من شجرة القات أو كيساً ممتلئاً بأوراقه فإنه يمضي وسط الناس متفاخراً به".

324-1324-1

محمد مسعد زار العديد من البلدان، ورأى مجتمعات تكاد تقدس الورد وتتبادله في المناسبات. وهذا ما جعله ينتبه للفروق بين ثقافة الخارج وثقافة منطقته الدرج التابعة لمحافظة تعز، جنوب غرب اليمن. ولكنه قال لرصيف 22: "في ما يتعلق بإهداء الورد تعبيراً عن الحب، أنا أخجل من إهدائه لزوجتي. لكن لو كان هناك ثمة مريض في منطقتي وقمت بزيارته فإني أهدي إليه الشوكولا والمشروبات المعلبة والفواكه خصوصاً أن الناس لن تنفعها باقات الورود بسبب الظروف المعيشية الصعبة. ولو أهديت إلى المريض ورداً لربما يقذفه في وجهي لأن الورود لا تؤكل".

مقالات أخرى:

هل تخيّلتم يوماً أن اسم مدينتكم هو "القاعدة"؟ هذا هو حال بعض اليمنيين

القليس: الكنيسة التي شُيّدت في صنعاء للحلول مكان الكعبة

"لم أهدِ لزوجتي أي وردة بل لم أفكر في ذلك البتة"، أكّد ماجد عبد الجبار المتزوج منذ أكثر من عشر سنوات والمقيم في محافظة أب وسط اليمن. وتابع: "المتعارف عليه في اليمن يسخر من أفكار كهذه. العادات والتقاليد في ريفنا لا تعرف هذا الشكل من أشكال الرومانسية. عادة إهداء الورد لم يقم به لا آباؤنا ولا أجدادنا. لذا فمجتمعنا لا يتقبلها كونها عادة دخيلة، وعند تفكيري بها فقط ينتابني الضحك والاشمئزاز. في المناسبات كعيد الفطر وعيد الأضحى أوفي كبقية الرجال بالتزامات كسوة زوجتي وأولادي".

وأضاف: "هناك الكثير من الورود التي تزيّن وديان قريتي وأسطح منازلها. ولكن الورد في قريتنا لا تقطفه إلا النساء لصنع ما يعرف بـ"المشقر" الذي يوضع فوق الأذنين أو يطوّق الرأس". وعن رأي زوجته اذا ما أهداها الورود قال: "سوف تستغرب كثيراً وقد تتهمني بالجنون، أو على الأقل ستتهمني بالتأثر بالمسلسلات الهندية والتركية".

ما هو رأي اليمنيات؟

"اليمنيون لا يخجلون من إهداء الورد لزوجاتهم، بل من حمله. فالكثير من البيوت تزدان ليلاً بشمعة حمراء ووردة حمراء موضوعتين على مائدة العشاء. ولكنهم يكرهون مشاركة غيرهم هذه المشاعر الحمراء حتى لو كانوا من أقاربهم"، أوضح أستاذ اللغة العربية الثلاثيني نبيل مصلح.

الرجال اليمنيون يخجلون من حمل الورود وإهدائها324-2

إلهام محسن صارحت رصيف22 بقولها: "أتمنى أن يهديني زوجي وردة واحدة فقط. فبرغم مضي سبعة أعوام على زواجي وإنجابي طفلين لم يفكر زوجي يوماً بإهدائي وردة رغم انتشار محالّ الورود في السوق". وأضافت: "احتفل مع زوجي بعيد ميلادي ونحتفل بأعياد ومناسبات عدّة معاً ولكن من دون إهداء ورود. لا أتذمر من زوجي لأننا جميعاً جزء من مجتمع تحكمه العادات والتقاليد الصارمة وجميعنا يستسلم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لهذا الواقع".

لا يظنّ محمد مرشد أن الورد يُباع في الأسواق لغرض التهادي به، ولكنه يظن أنه يزرع ويباع للزينة فقط، وقال: "قطفت ذات يوم وردة من بستان منزلنا لإعجابي برائحتها وخرجت أتجول بشكل اعتيادي في القرية، وبدأت الكثير من العبارات تنعتني بالوردة ويا مهند نسبة إلى بطل أحد المسلسلات التركية، ما جعلني أرميها حتى لا أصير أضحوكة".

كتب الشاعر محمد صالح الجرادي العديد من الدواوين الشعرية في الورد ووصفه، منها "أنا المعنى بابتسام الورد". قال لرصيف22: "أحاول أن استنطق الورد في قصائدي لأني افتقدها في واقع حياتنا وذلك لأسباب كثيرة، أهمها أنني جزء من تربية اجتماعية لم تعر للورد أي اهتمام".

وأوضح الإعلامي والخبير الاجتماعي بسام غبر أن "ثقافة العيب المنبثقة من العادات والتقاليد جعلت الناس يقتصرون في هداياهم على هدايا مادية خالية من أيّة مشاعر إنسانية" وأكمل: "بسبب التخوف الناتج من التحفظ الشديد للمجتمع الذي ترعرع فيه، فإن التهادي بالورد يُعد وقاحة وقلة أدب بين الرجال. أما مع النساء فإنه ينقص من هيبة الرجل ويظهره بمظهر المتودد. ومظاهر التودد هي من عادات النساء في الثقافة اليمنية. ولا ننسى أيضاً الظروف المعيشية الصعبة التي ساهمت إلى حد كبير في عدم وضع الورود على قائمة الهدايا. فالكثيرون يفضلون بدلاً من إهداء الشخص وروداً أن يهدونه مواد غذائية ينتفع بها، وهذا ما يحصل غالباً عند زيارة المرضى".

وأضاف غبر: "اليمنيون عاطفيون بطبيعتهم. وبعضهم يضع الورود ذات الرائحة الزكية على القبور. والغريب أنهم يهدون الورد للموتى ويمنعونه عن الأحياء".

نشر الموضوع على الموقع في 11.07.2015

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image