وأنت تبحث في قضية اجتماعية وإنسانية كحرمان بنات المشايخ في اليمن من الإرث، أو إرغامهن على الزواج من الأسرة، قد لا تجد أحداً تجرأ على الحديث أو البوح للإعلام في قضايا كهذه.
"العيب" يحاصرهن، وخشية القطيعة من الإخوة والأقارب تمنعهن، فيفضلن الصمت على الإرث، والأخوة على الجفاء. لكن في بريطانيا ثمة يمنية لديها القدرة لتقول شيئاً عن الموضوع، والتحدث للإعلام في قضية قل مناصروها في أروقة المحاكم اليمنية، أو في المنظمات الحقوقية.
"ما يورثوش النسوان"
فاطمة العشبي، شاعرة وأديبة يمنية مقيمة في لندن، هي ابنة أحد مشايخ محافظة المحويت غرب اليمن، لم تتسلم إرثها من والدها حتى الآن رغم مرور أكثر من 15 عاماً على وفاته. تقول: "ذهبت إلى القضاء في صنعاء لأخذ حقي في إرث والدي، فأجابني القاضي (أنتي تعرفي أنهم هانا مايورثوش النسوان)، أي أنت تعرفين أننا هنا لا نعطي إرثاً للفتيات.
فاطمة العشبي
تركت فاطمة قضيتها في المحكمة، وتوفي القاضي، وما زالت قضيتها في الأدراج رغم مرور أكثر من عشر سنوات عليها. العشبي هي واحدة من 12 أختاً لم ينلن حظهن من إرث والدهن "الشيخ"، لكنها الوحيدة من بينهن التي طالبت بحقها.
لا تلقي فاطمة باللوم على إخوتها، فهي تؤكد أنهم مغلوبون على أمرهم وليس لديهم المشكلة في تسليمها أرضها، إلا أن والدها كان، رغم تدينه، يخشى أن تخرج أرضه من الأسرة. وتضيف: "متعاطفة جداً مع إخوتي، ومتفهمة للحرج الذي وقعوا فيه، أنا والحمد لله مستورة الحال ولست بحاجة كبيرة للمال، لكن أيضاً هناك أخوات لي بحاجة ماسة لإرثهن".
وتؤكد أن الأرض والمزارع التي اكتسبها والدها لم تعد كما كانت من قبل من حيث الإنتاج والتحصيل، إذ تعرضت للإهمال، ما جعلها غير ذات أهمية بالنسبة إليها وجعلها تسكت عن المطالبة بحقها في الإرث.
ذهبت إلى القضاء في صنعاء لأخذ حقي في إرث والدي، فأجابني القاضي "أنتي تعرفي أنهم هانا مايورثوش النسوان"
ليست فاطمة العشبي وحدها من بنات المشايخ في اليمن اللواتي حرمن من حقهن في الإرث، فكثيرات غير قادرات على أخذ حقهن المشروع خوفاً من "العيب". وبحسب الناشطة الحقوقية ذكرى الواحدي، فإن العيب والخوف من قطيعة الأخوة والأقارب وازدراء المجتمع للنساء المطالبات بإرثهن تمنعهن من اللجوء للمحكمة لأخذ حقهن. وتؤكد أنها اطلعت على قضية لإحدى بنات المشايخ في صنعاء لجأت إلى المحكمة الغربية في العاصمة لمقاضاة أشقائها الذين رفضوا زواجها ورفضوا إعطاءها ميراثها من والدها.
تقول الواحدي: "وصلت هذه المرأة إلى الخمسين من عمرها من دون أن تتزوج، بسبب منع أشقائها لها خوفاً على إرث والدهم، وحين طالبت بحقها لم تأخذه". وتضيف: "التقيت هذه المرأة عام 2013 بعد أن مر عليها 10 أعوام في المحاكم بحثاً عن إرثها، وكان يتم مقابلة الدعاوى بالمماطلة نظراً لقدرة أشقائها على دفع رشاوى لإطالة أمد التقاضي، لدفعها إلى اليأس من المطالبة بالإرث".
الملاذ الآمن
لكن تقي تقي، قاضي محكمة همدان، ينفي ذلك، ويقول إنه "لا يمكن للقضاء أن يحرم امرأة إرث والدها إن هي لجأت إليه". ويضيف: "واجهت قضية من هذا النوع، وحكمت لمصلحة المرأة وأخواتها الأخريات رغم أنها الوحيدة التي تقدمت للمحكمة".
ويؤكد تقي أن على أي امرأة حرمت الإرث أن تلجأ للقضاء، فهو الملاذ الآمن لاسترداد حقها. مضيفاً: "أي امرأة سواء كانت بنت شيخ أو غيره ولم تأخذ حقها الشرعي بالرضا، فعليها التقدم بدعوى أمام القضاء، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترفض المحكمة دعواها إن كان لها حق".
ويشير تقي إلى أن المشكلة ليست في القضاء، إنما في من يمنع المرأة من حقها من الإرث، وفي عدم قدرة المرأة على الذهاب إلى المحكمة. ويرى أن الأمر بحاجة إلى تشجيع للمرأة للذهاب إلى المحاكم. لافتاً إلى أنه أيضاً لا يمكن التعميم بحرمان بنات المشايخ من الإرث، "فهناك مشايخ يخافون الله ولا يمكن أن يحرموا أخواتهم أو بناتهم الإرث".
وتحدث القاضي عن نوع من التحايل على إرث المرأة قد يحدث لدى بعض المشايخ: "بنت الشيخ تتزوج غالباً ابن شيخ أو تاجر، وبالتالي تجدها غير محتاجة لإرث والدها، ويقوم الإخوة بتقاسم تركة والدهم من دون أن يعطوا أختهم نصيبها، وعندما يقوم الأولاد بمطالبة أخوالهم بإرث والدتهم يتم إسكاتهم بالقليل ولا يتم إعطاؤهم كامل الحق".
"المرأة كوعاء"
يقول المحامي والحقوقي فيصل المجيدي رئيس مركز إسناد لتعزيز القضاء وسيادة القانون، إن "قضية حرمان بنات المشايخ من الإرث قضية اختلط فيها العرف بالشرع وأيضاً بالقانون. وهي تختلف من منطقة إلى أخرى. فبعض المناطق لديها نظرة دونية للنساء وتوجه إلى أنه لا يجوز توريثها في العقارات".
ويضيف: "هذه الفلسفة قائمة على أن المرأة لا تمثل القبيلة، إنما مجرد وعاء لابن قد يأتي من خارج الأسرة وربما القبيلة، وبالتالي فإن الابن لن يكون منتمياً بالضرورة للأسرة، بل لأسرة الزوج، وعليه، ليس لديهم استعداد لإدخال شخص طارئ يشاركهم في الأرض والعقارات".
حيل
ويشير المجيدي إلى أن "هذه القضية ترتب عليها مآسٍ كبيرة، منها مثلاً حبس البنت كي لا تتزوج من خارج الأسرة، فالبعض يلجأ لأسلوب الحيلة عبر قيام رب الأسرة بما يسمى النذر الذري واقتصار الإشراف عليه على الذكور، وبالتالي يتم إخراج الإناث بهذه الطريقة، أو يتم وهب العقارات للذكور بحجة أنهم شاركوا في كسبها".
ويتابع: "أحياناً قد لا يتم حرمان المرأة تماماً من الإرث، فيتم إعطاؤها الفتات من الأرض، أو الأرض المهمشة التي لا قيمة لها، وربما يحرمونها من الزواج لتبقى الأرض تحت أيديهم".
يذكر أن الشريعة الإسلامية تقف موقفاً صارماً تجاه حرمان الأنثى من الإرث، وتعتبره تعدياً لحدود الله، بحسب الشيخ جبري إبراهيم كامل، مدير عام الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع