هناك تحالف غير مقدس بين دونالد ترمب وأبي بكر البغدادي، ضحيته هم المسلمون العاديون. قد يبدو هذا التحالف غريباً لأنه بين نقيضين. مليادير أمريكي يعتنق القيم الأمريكية الغربية، ومن يتوهم نفسه خليفة في القرن الثاني الهجري. وفي الحقيقة إن أحدهما يبدو صدى للآخر أكثر من كونه نقيضاً له.
دونالد ترمب يمثل لدى نسبة لا يستهان بها من الناخبين الجمهوريين وغير المتحزبين، المرشح الصادق، الذي يعبر عما في نفسه من دون رياء أو مراوغة السياسيين المعتادة. هو رجل يتحدث بصراحة عن مخاوفه من المسلمين الذين لا يمكن التكهن بالوقت الذي ينقلبون فيه قتلة محترفين، مثل الزوجين القاتلين في سان برناردينو- كاليفورنيا.
وكما أوضح بعض الكتاب اليمينيين مثل بات بيوكانن، فإن هناك التقاء في المصالح بين ترمب وداعش. يقول بيوكانن "لو كنت داعشياً لأمرت بهجمات إضافية الآن حتى أضمن ترشيح ترمب عن الحزب الجمهوري، وحين يصبح رئيساً ستشتعل الحرب الكبرى مع الإسلام". إن من مصلحة داعش بكل تأكيد، وهو الذي يعتاش على ثقافة الكراهية، أن يصل رد الفعل الغربي إلى حد التعميم على كل المسلمين، وبالتالي يوفر له مادة خصبة من الغضب يمكنه أن يستغلها لتجنيد المزيد من الشباب، ويساعده على التمدد أكثر فكرياً وجغرافياً.
ولا يمكن لنا هنا أن نتجاهل أن ترمب يعبر بالفعل عن مخاوف غربية وأمريكية بدأت تتعاظم لدى المواطنين العاديين أكثر وأكثر. ففي حادثة لافتة للنظر بعد هجوم كاليفورنيا، تأخر إقلاع طائرة أمريكية بعض الوقت حين سمع أحد الركاب شخصين يتحدثان بالعربية، وقال إنه غير مرتاح لهما. وتم استدعاء الشرطة التي لم تجد ما يريب في سلوكهما وسمحت لهما بصعود الطائرة بعد أن أوقفا إثر هذه الشكوى من المواطن الأمريكي.
لقد استدعت تصريحات ترمب للذاكرة معسكرات الاعتقال لليابانيين إبان الحرب العالمية. وهي من الأمور التي يخجل الأمريكيون من وجودها في تاريخهم المعاصر. لذلك، ولغيره من الأسباب، وجدنا عاصفة من النقد تنهال على ترمب وتصريحاته بدءاً بحزبه الجمهوري الذي عدّها إساءة إلى الحزب وتعريضاً لحياة الأمريكيين في الخارج للخطر، مروراً بوسائل الإعلام والشخصيات العامة. ولكن ما يلفت هنا أن استطلاعات الرأي أعطت ترمب نسبة تأييد لا يستهان بها، وهي تعبر عن نسبة الخائفين في المجتمع الأمريكي ممن يريد تغيير طريقة حياتهم بل إنهاءها إن استطاع.
من غير المنطقي أن ننظر إلى تصريحات ترمب على أنها رأي معزول لسياسي مغامر اشتهر بتصريحاته الغريبة وبتغريده خارج السرب. فمشروع القانون الذي يناقشه الكونغرس الآن، ويؤيده البيت الأبيض والقاضي بتعديل قانون الزيارة من دون فيزا للمواطنين الأوروبيين سيستثني الأوروبيين الذين سافروا إلى العراق أو سوريا أو إيران أو السودان. أي أن هذا المشروع، الذي سيتم إقراره على ما يبدو، سيطال العرب والإيرانيين من حاملي الجنسيات الأوروبية ويشترط عليهم الدخول في معمعة تقديم طلب فيزا عند كل زيارة للولايات المتحدة، عوضاً عن ركوب الطائرة فقط، بعد تقديم طلب روتيني على الانترنت. وهذا يعد نسخة مخففة بالطبع لما طالب به ترمب، ولكنه أيضاً يلقي بثقله على ملايين العرب والمسلمين من حملة الجنسيات الغربية. وهكذا بدأت الأرض تضيق على العرب بما رحبت. فالذين جعلهم حظهم العاثر يعيشون تحت سيطرة داعش في العراق أو سوريا، يمرون بكابوس يومي من الحياة في ظل الخليفة وقوانينه، التي تنتمي إلى العصر الحجري. أما أولئك الذين ابتسم الحظ لهم واستطاعوا الوصول إلى الغرب وبناء حياة هناك، فإنهم يدفعون أيضاً ثمن جذورهم لا أفعالهم بسبب حمى العداء لهم التي أطلقها داعش، وتلقفها سياسيون مثل ترمب. في المحصلة النهائية فإن من يدفع الثمن هم أناس أبرياء وضعوا موضع الشبهات لأنهم ينتمون لبقعة معينة من الأرض ورثوا منها لون بشرتهم وأسماءهم وديانتهم.
لا ينكر أحد حق الدول في حماية أمنها وحدودها، ولكن هذا الخطر كان يكبر يوماً بعد آخر من دون أن تقوم تلك الدول بواجبها في التصدي له كإرهاب يطال الأمن والسلم الدوليين. والآن تشمّر الدول عن سواعدها لتضيّق على كل العرب والمسلمين لأنهم إرهابيون محتملون. وبهذا فإن هذه الدول إن هي استمرت بهذه السياسة من دون أن تشكل استراتيجية واضحة وفعالة للخلاص من داعش، فإنها تخدم داعش تماماً، وتوفر له دعماً متزايداً من أوساط الناقمين على الغرب ومن يشعرون بالتمييز ضدهم.
إن الاستراتيجية التي أعلنها ترمب لمواجهة داعش، تكاد ترقى إلى وصفة لنشر هذا السرطان التكفيري على أوسع نطاق في العالم العربي، بل حتى خارجه. فقد اقترح المرشح الرئاسي أن يجري قصف وتدمير كل آبار النفط العراقية والسورية، وأن يتم استعمال قوات برية أمريكية في محاربة التنظيم، ثم تُرسل شركات، مثل إكسون موبيل لإعادة الإعمار، وبذلك تكون الفائدة مزدوجة للولايات المتحدة. هذا السيناريو قصير النظر، إذ سوف يؤسس لحرب دينية مقدسة جديدة ويجعل الولايات المتحدة في حرب مع الإسلام لا مع التطرف، وهو أمر يتفق كل المحللين ومسؤولي الدفاع الأمريكيين على أنه خطر داهم على الأمن القومي الأمريكي. وهنا تكمن نقطة الالتقاء بين الطرفين التي يبدو كل واحد منهما متحمساً للوصول في قطاره السريع، الذي يعمل بالتطرف والعنصرية إلى نقطة الانفجار التي سندفع ثمنها جميعاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع