وسط موجة العنف التي تجتاح بعض البلدان العربية، يوجد في بعض الأزقة هنا وهناك رجالٌ يعتبرون أنفسهم أبطالاً، يعيشون لتحقيق العدالة في ظل الأنظمة الفاسدة، فيحتمي بهم الكثير ممن يحتاجون إلى حماية لم يجدوها لدى السلطة وقواها الأمنية. هؤلاء "الأبطال" ليسوا سوبرمان أو الرجل العنكبوت أو الرجل الوطواط، أو أي بطل آخر من خيال مرفل Marvel، هم رجالٌ حقيقيون، أو “وحوش حساسون” كما تصفهم المصورة الأردنية تانيا حبجوقة، إنهم رجال كمال الأجسام “الجبابرة”!
يركض خلفهم الأطفال منبهرين بقوتهم الجسدية، وهم يجولون الشوارع بثقة عملوا على بنائها مدى أيام وليالٍ وهم يرفعون الأوزان في الجمنازيوم. البعض ينظر إليهم بخوف، والبعض الآخر يشعر بالأمان في حضورهم. إما أنتم، فما الذي يجول في أذهانكم كلما صادفتم شبّاناً من ذوي الأجسام العملاقة؟ وما الذي يجول في عقل رجلٍ ينفخ عضلاته لدرجة التمزق؟ ما الذي يخبئه خلف تلك العضلات؟ ولماذا تجتاح تلك الظاهرة شوارع العالم العربي في وقت يميل الرجل الأجنبي إلى بنية أكثر نعومة وذات عضلات عادية؟لماذا تكبير العضلات؟
ضمن القراءات العديدة المتوفرة حول ظاهرة كمال الأجسام في العالم العربي، يتناول كتاب Pop Culture Arab World!: Media, Arts, and Lifestyle للكاتب Andrew Hammond، الموضوع من جوانبه السياسية والاجتماعية رابطاً إياه بالوضع الحساس الذي تعيشه المنطقة. بحسب الكاتب، أصبحت تلك الظاهرة شائعة جداً منذ بدايات الألفية الثانية، لأنها تقدم لممارس هذه الرياضة التمكين الذاتي واحترام الذات التي تنتزعها السلطة من مواطنيها، فارضةً على الرجال الشعور بالضعف أمام غياب العدالة، وهذا ما يدفعهم إلى الانقضاض على الحديد، لعلهم يستردون عبره ما تبقى من كرامة لهم ولعائلاتهم.
وقد لعبت السينما العالمية والعربية وأفلام الأكشن بلا شك دوراً أساسياً في تشجيع الشبان على نفخ عضلاتهم، فمن أفضل من شوارزينغر Schwarzenegger، وستالون Stallone، وفان دام Van Damme أو حتى بطل السينما المصرية “مبروك الشحات” لاسترجاع الحق لأصحابه وتحقيق العدالة الاجتماعية بقبضة حديدية، كما في نهايات كل أفلامهم دون استثناء! يربط الكتاب أيضاً ممارسة كمال الأجسام بالوضع الاجتماعي- الاقتصادي للشبان، فالشاب “القبضاي” يكون حديث الشارع الفقير الذي نبع منه، كما ينظر له الشبان الآخرون بكل احترام وإعجاب، لما حققه في حياته "الفقيرة"، بعد أن أصبح حارساً شخصياً لزعيمٍ ما، أو يقوم بحراسة قصرٍ فخمٍ أو محل مجوهرات، أو ربما افتتح ناديه الرياضي في الحي لدعم الشباب من حوله، تماماً كما فعل بطل كمال الأجسام اللبناني محمد علي بنوت.
أرنولد شوارزينغر [caption id="attachment_41867" align="alignnone" width="350"] محمد بنوت[/caption]ينحدر معظم أبطال البلاد العربية في كمال الأجسام من أصلٍ مصري، وقد كان عددهم في العام 2005 حوالى 50،000، رقم خيالي قد يكون بالفعل مرتبطاً بنسبة الفقر العالية في مصر. يختلف الأمر كلياً في الإمارات المتحدة، حيث سبب انتشار الظاهرة ليس سوى البحبوحة والثراء، إذ تضاعف عدد صالات التمرين بشكلٍ خيالي في السنوات الأخيرة وفي الأحياء "الغنية" بالأخص. أما إذا ما كنت تملك صالتك الخاصة للتمرين في غرفةٍ أو طابقٍ ما من منزلك، فأنت "الجغل" بامتياز. في الكويت أيضاً، تجتاح العضلات الشوارع منذ بضعة أعوام، بحسب مجلة Arabian Business، ويفسر الاستشاري النفسي الدكتور عدنان الشطي هذا الازدياد ببحث الشبان عن الرجولة، مع تزايد ظاهرة العنف في المجتمعات العربية، ومع فشل السلطة في احتضان مواطنيها والحفاظ على حقوقهم، وهذا ما يبرر ربما ازدياد العضلات المفتولة في مناطقنا، مقابل المجتمعات الغربية "الديمقراطية" التي باتت تقدم شباناً أكثر خفة بلغة العضلات.
عضلات الفقه
إذا أخذنا موضوع كمال الأجسام كرياضة بحد ذاتها لها عشاقها في المنطقة، نلاحظ وقوعها بين قطبين متعاكسين يتنافسان عليها: طبيعة الجسم العربي والفقه الإسلامي.
فحسب جدولٍ يميز بين الاختلافات الوراثية لممارسي كمال الأجسام، تلعب سلالات الأفراد دوراً مهماً في بنية الجسم وكيفية نحته لدى رفع الأوزان، ويعتبر الجسم العربي الأصيل بنية وركيزة ممتازتين لكمال الأجسام ويتفاعل جيداً مع رفع الأوزان. فالنموذج العربي يتميز بصدر كبير، وعضلات ضخمة، وترقوتين (عظمتا حزام الكتف) واسعتين، وذراعين مفتولتين وطويلتين (على مستوى العضلة ذات الرأسين Biceps والعضلة الثلاثية الرؤوس Triceps)، وعضلة رباعية (من الجهة الأمامية من الفخذ) كبيرة، وخصر ضيق، ومفاصل صغيرة. وبحسب الجدول غالباً ما تكون عضلات البطن متناسقة في الجسم العربي، وهذا ما يجعلها الأفضل في المبارات العالمية.
أما الفقه الإسلامي، فيتدخل في مفهوم كمال الأجسام ليرسم خطوطاً واضحة تفصل بين الحلال والحرام. بحسب بعض الفقهاء، يشجع الإسلام على جميع أنواع الرياضة لكونها تعزز سلامة الجسم والروح، ولكن شرط ألا تكون الرياضة هي الهدف بحد ذاتها. على المسلم أن يستعين بالرياضة ليحمي الحدود المقدسة للإسلام وحقوق وكرامة المسلم. وإذا كانت تلك الرياضة لا تشغل المؤمنين عن واجباتهم الدينية، ولا تدفعهم إلى الكشف عن أي جزءٍ محرم من العورة أو حتى الاختلاط مع الجنس الآخر، فلا تكون ممارستها حراماً. وعليه، فإن ممارسة كمال الأجسام بهدف المشاركة في بطولات عالمية ونيل تقدير الجمهور الكبير قد يسيء لوجه الإسلام، أما من يمارس تلك الرياضة بهدف الجهاد باسم الله، فلا يكون مجرد مؤمنٍ آخر، بل مؤمنٍ جبار.
هل أنت مدمن على الحديد؟
الإدمان على كمال الأجسام بطريقة غير مدروسة ومنظمة قد ينتج عنه أمراض نفسية وجسدية عدة، هذا ما أكدته دراسة طبقت على 101 من الرجال تراوح أعمارهم ما بين 18 و67 عاماً يمارسون كمال الأجسام في جنوب أستراليا، بهدف قياس درجة الإدمان لدى هؤلاء الأفراد وتأثيرها على حياتهم الشخصية والاجتماعية. حددت نتيجة الدراسة ثلاثة دوافع أساسية لرفع الأثقال، وهي دافع السيطرة على تقلب المزاج والقلق الجسدي والتحدي الشخصي. الإدمان على رفع الأوزان يدفع بعض الأشخاص وبطريقة غير واعية إلى الهوس بالوحدات الحرارية المستهلكة، بالأخص إذا كان ذلك الإدمان ثانوياً ويخفي خلفه اضطرابات نفسية، كما يدفعهم للانعزال عن الحياة الاجتماعية بهدف التمرين المكثف. أكدت الدراسة أيضاً أن التمرين بطريقة قاسية ناتج عن عدم وجود رضىً كافٍ بالحياة، وربطته بالقابلية على أنواع أخرى من الإدمان، يكون فيها خيار الإدمان على الحديد هو الأسلم بنظر الفرد. من جهة أخرى، لاحظت الدراسة عاملاً مشتركاً بين اللاعبين، هو ميلهم إلى العنف، وهذا ما يدفعهم إلى الانقضاض على حمل الأوزان ليتخلصوا من الغضب في أعماقهم.
وإذا أخذنا الجانب التاريخي لكمال الأجسام نلاحظ أن تحول تلك الهواية الرياضية إلى هوس لا حدود له بهدف نيل لقب Mr. Olympia الشهير، هو ظاهرة عصرية لا علاقة لها بأولى خطوات كمال الأجسام. الأمر بدأ في اليونان القديمة يوم كان الرياضيون يتمرنون بهدف تضخيم عضلاتهم، ليتمكنوا من تحسين أدائهم في رياضتهم الأساسية. في القرن الحادي عشر اخترع الهنود الأوزان البدائية المصنوعة من الحجر لتصبح بنيتهم أقوى وأكبر، وانتظر التاريخ حتى منتصف القرن التاسع عشر لتأخذ ظاهرة رفع الأوزان شعبية أكبر، ما سمي وقتذاك بالحضارة الجسدية التي عمل على تأسيسها رجال جبارون كانوا يجولون البلاد للترفيه عن الجمهور، من خلال رفع أغراض جد ثقيلة. ثم أتى رجلٌ من بروسيا يدعى Eugene Sandow عرف بكونه "أبا كمال الأجسام الحديث"، يملك بنية تشبه لاعبي كمال الأجسام الحديثين وابتكر مبدأ عرض العضلات بالوقفات الروتينية أو Posing routine التي نعرفها اليوم، وطور أولى أدوات كمال الأجسام. لاحقاً ظهرت البوسترات الإعلانية في أوائل القرن العشرين لتشهر مبدأ "الرجل الجبار" لشريحة أوسع من المجتمع، ومن عرض العضلات في Mr America إلى احتضان الشاشة الكبيرة لأبطال كمال الأجسام المميزين بدايةً بـSteve Reever مروراً بشوارزينغر وستالون، أخذت العضلات تكبر شيئاً فشيئاً لتأخذ الحجم "الوحشي" الذي يتبناه معظم ممارسي كمال الأجسام في أيامنا.
وما رأي مبروك الشحات؟
ننهي موضوعنا بمقابلة أجرينا عبر فيسبوك مع مبروك الشحات، بطل مصر أو أرنلد شوارزينغر الشاشة العربية، وأتت أجوبته لافتة ببساطتها وعفويتها.
شحات مبروكر22: هل للوضع السياسي الاجتماعي تأثير على اختيار الشبان ممارسة تلك الرياضة بنظرك؟
مبروك: الوضع الاجتماعي له دخل.
ر22: هل تلك الرياضة تزيد من حالة العنف لدى الشبان؟
مبروك: يفترض انها تقلل من حالة العنف حال ممارستها الممارسة السليمة.
ر22: هل تعتبر نفسك مدمناً على رفع الاوزان؟
مبروك: مدمن على التفوق والنجاح وممارسة الرياضة.
ر22: هل لاعب كمال الاجسام شخص متباهٍ بشكله الخارجي ومهووس بمنظره؟
مبروك: لاعب كمال الأجسام الحق قمةٌ في التواضع.
ر22: لو كان لك الخيار ان تختار مجدداً، هل كنت لتخوض التجربة نفسها؟
مبروك: بالتأكيد كنت سأختار كمال الأجسام “تاني وتالت ومليون”.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين