برزت في محافظة الحديدة اليمنية، قرب ساحل البحر الأحمر غرب اليمن، رياضة شعبية خاصة جداً. بقفزة واحدة، يعلو المتنافسون مترين إلى مدى يصل إلى أمتار عدّة. يقفزون فوق الجمال. إنها رياضة القفز فوق الجِمال.
"هي لعبة تراثية تحتاج إلى قوة بدنية وجهد كبيرين وتمرين مكثف. يبدأ اللاعب، من سن 12 سنة، تدريباته بالقفز فوق عصا يمسك شخصان بطرفيها ويرفعانها تدريجياً إلى أن تصل إلى مستوى ارتفاع الجمل. وحين يصل المتدرب المبتدئ إلى مستوى الجمل، يتخلص من العصا ونأتي بجمل ليقفز من فوقه بضع قفزات. وإذا نجح في الاختبار نضيف جملاً آخر إلى أن يصل عدد الجمال إلى سبعة وهو الرقم القياسي"، شرح لرصيف22 سالم سليمان، المدرب على رياضة القفز فوق الجمال، وهو أحد أبناء قبيلة الزرانيق.
وراثة أباً عن جد
وشرح سليمان أن "مستوى القفز يتضاءل في سن 32 سنة حين تدخل مسيرة اللاعب في العد التنازلي حتى يعتزل ويصبح مدرباً". وأضاف: "ندرّب بعضنا بعضاً. فأنا كنت لاعباً 15 عاماً ونجحت في القفز فوق ستة جمال ثم اعتزلت وصرت مدرباً. معظم الأشخاص الذين يعتزلون ينتقلون إلى التدريب مجاناً لأننا نريد الحفاظ على هذه اللعبة للأجيال المقبلة، كما حافظ عليها آباؤنا وأجدادنا وأوصلوها إلينا".
وقال حسن غانمي، أحد محترفي هذه الرياضة لرصيف22: "والدي وجدي كانا يمارسان رياضة القفز فوق الجمال وأنا ورثتها عنهما، وشغوف بها وكثيراً ما أشرب حليب الإبل وأتناول الدخن الممزوج بالسمن البلدي وهو يزيدني قوة واعتبره الوجبة الفضلى للمحترفين". حسن هو أحد أبناء قبيلة الزرانيق. وعن مشواره في الرياضة، أشار إلى أنه بدأ ممارسة القفز فوق الجمال وهو في الـ12 عاماً أي قبل تسع سنوات، وقد كان في بداية مشواره يقفز فوق جمل واحد. أما الآن فهو يقفز فوق سبعة جمال.
مهرجان القفز فوق الجمال
وقال غانمي: "تنظم قبيلتنا الزرانيق عصر يوم الإثنين من كل أسبوع منافسة بين شباب القبيلة في القفز فوق الجمال، وذلك حتى نطور مهاراتنا في اللعبة من جهة وللحفاظ عليها من الاندثار من جهة أخرى وإحياءً لذكرى هذا التجمع الأسبوعي الذي يقام منذ القدم".
مقالات أخرى
رياضات مثيرة يمكن ممارستها في العالم العربي
لماذا لا يلتحق المهمّشون اليمنيون بالتنظيمات الإرهابية؟
وروى لرصيف22 حسين سهل، المشرف على مهرجان رياضة القفز فوق الجمال في محافظة الحديدة، أن "رياضة القفز على الجمال هي رياضة شعبية تفرد بها أبناء قبيلة الزرانيق في سهل تهامة في محافظة الحديدة. هذه الرياضة قديمة جداً وكانت تُمارس في المناسبات الدينية مثل الاحتفال بالمولد النبوي والشعبانية (15 شعبان) والإسراء والمعراج وعيدي الأضحى والفطر وزيارة أولياء الله الصالحين وفي الأعراس أيضاً".
وتابع: "أما المهرجان، فبدأ عام 1987. إذ كان محافظ محافظة الحديدة عبد الرحمن محمد علي عثمان من مشجعي هذه الرياضة وقرر تنظيم مهرجان لهذه الرياضة في مدينة الحسينية، عاصمة قبيلة الزرانيق التابعة لمديرية بيت الفقيه (60 كيلومتراً جنوب مدينة الحديدة) ، وقد أقيمت فيها سبعة مهرجانات وكان آخر مهرجان عام 2008".
طقوس خاصة بممارسي القفز
وقال علي الأهدل، صاحب الخبرة في لعبة القفز من فوق الجمال، إن "ممارسي هذه الرياضة يتناولون غذاءً خاصاً كل مكوّناته طبيعية، وإذا خالفوا ذلك فإن المخالفة تنعكس سلباً على أدائهم. كما أنهم يحرصون على المحافظة على رشاقة أجسادهم إذ يلفّون حبلاً دقيقاً حول منطقة المعدة وأثناء تناولهم وجبة الطعام يكون هذا الحبل هو المقياس لحجم الوجبة الغذائية المطلوبة".
وأكد أن "المتزوجين من ممارسي هذه اللعبة لا يمارسون الجنس مع زوجاتهم سوى مرة واحدة في الشهر. وبخصوص الأزياء التي يرتدونها عند ممارسة هذه الرياضة، فإنها أزياء شعبية من "الفانيلة العلاقي" الزرقاء أو السوداء، و"معاوز حوكية" مصنوعة يدوياً وخاصة بقبيلة الزرانيق ويلفونها حول خصورهم بعناية ويرفعونها إلى أعلى الركبتين".
فنون القفز على الجمال
وأضاف: "يبدأ بعض أطفال قبيلة الزرانيق بممارسة هذه الرياضة من بلوغهم سن السابعة أو الثامنة. وفي البداية يقفزون على الجمل وهو على الأرض. وبعد أن ينجحوا في ذلك يضعون جملاً ثانياً إلى جانب الجمل الأول ويقفزون من فوقهما. وبعدها ينتقلون إلى تعلم القفز بمساعدة العصا. ومع مرور الوقت، يبدأون القفز من على جمل واحد وهو واقف ثم تتطور مهاراتهم مع مرور السنوات حتى يستطيعوا القفز من فوق سبعة جمال".
وعن مضمار القفز أخبر أن "من مواصفاته أن يراوح طوله بين خمسين وستين متراً، ويتم تخصيص ثلثي هذه المسافة لجري اللاعب والثلث الثالث للقفز، ويوضع في الثلث الأخير ما يعرف بـ"الميثاب"، وهو قبة صغيرة ترتفع بمقدار عشرين سنتيمتراً عن سطح الأرض وتتكون من خليط من أعشاب وتراب وماء. وبعد الميثاب توضع الجمال في صف واحد متقاربة ويُشترط أن تكون متساوية الارتفاع. هكذا يركض اللاعب ثم يدوس بقدميه الحافيتين على الميثاب للوثب من فوق الجمال والصول إلى الجانب الآخر الذي يشترط أن يكون رملياً".
تربية الأطفال على الشدّة
وقال الدكتور عبد الودود مقشر، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الحديدة، إن "هذه اللعبة ترتبط بتقاليد القبيلة وعاداتها. وبالنظر إلى تربية أبناء الزرانيق على الشدة والعنف، نفهم إتقانهم للعبة كهذه. كما أن تاريخ القبيلة يؤكد لنا أنها قبيلة قتالية شرسة قامت بثورات متواصلة على من حكم أرضها كالدولتين الرسولية والطاهرية، وكانت تسمى آنذاك بالمعازبة. ثم بعد ذلك تلاشى اسم المعازبة وطغى اسم الزرانيق وهو نسبة إلى "زرنوق" إحدى أفخاذ قبيلة المعازبة".
وأضاف: "نشأت اللعبة من المجال القتالي الذي تميّزت به هذه القبيلة. وارتبطت التربية البدنية وأسس اللعبة بالجغرافيا، فالجمل رمز للصحراء التي يعيشون فيها (صحراء تهامة). وكلما كان الشخص قوياً وزادت مهارته كان قفزه أطول. وكانت هذه اللعبة تقام في مواسم حصاد الزرع وبعد الانتصارات على الأعداء. وقد نشأت منذ نشأت القبيلة وتطورت إلى جانب ألعاب أخرى يمارسها الزرانيق كالوثب إلى مدى يتجاوز الستة أمتار والجري. وكانوا يجسدون الأبطال في القفز ويكتبون أسماءهم ويحكون عنهم الأساطير ويقولون فيهم الشعر الشعبي المشهور في إقليم تهامة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع