رفض مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين اضطروا للفرار من جحيم القتال داخل بلادهم وتوجّهوا إلى مصر، أن يكونوا عالة. وحاولوا استغلال مهاراتهم ومدخّراتهم من أجل لقمة العيش. فكان المطعم الشامي الشهير، المجال الأول الذي اختاروا الدخول إليه بفضل خبرتهم في الطهي وما يحمله من حنين لتراثهم. وقد أعلنت مفوضية اللاجئين الدولية وجود 136 ألف سوري مسجل لديها في مصر، بينما تقول جهات حكومية مصرية إن أعدادهم تخطت الـ300 ألف.
"بيت الحارة"، و"ست الشام"، و"الركن الدمشقي"، أسماء لمطاعم كثيرة ملأت أحياء القاهرة ومحافظات عدة، وقد فتحها السوريون لتكون مصدر رزق، فاشتهروا بتقديم مأكولات جيدة مع معاملة طيبة لاقت استحسان المصريين.
كانت البداية في المنطقة التي أصبحت تُعرف باسم دمشق الصغيرة، وتقع في 6 أكتوبر، وفيها نحو 200.000 لاجئ سوري. هنا، يقع المطعم الأكثر شهرة في المنطقة روستو. مالك هذا المطعم هو حسان مرديني رائد الأعمال البالغ من العمر 36 عاماً الذي أسّس سلسلة من 5 مطاعم في دمشق حملت الاسم نفسه. ولكن مع زيادة حدة القتال في بلاده، أجبر على تصفية أعماله ليبدأ من جديد في مصر بما يملكه من مال. في بداية مشواره، فتح مرديني مع 7 من أصدقائه المطعم، إلا أنه اليوم يدير 4 مطاعم فيها 120 عاملاً مصرياً وسورياً، يعلمهم فن الطهي السوري. يقول مرديني: "المطاعم السورية تلقى إقبالاً كبيراً لدى المصريين، لأن مطبخنا أكثر تنوعاً".
أما زكوان أبو الخير من ريف حمص، الذي مرت 3 سنوات على وصوله إلى مصر، فحقق شهرة كبيرة، ليس بفضل متجره فقط، ولكن بسبب سعيه المتواصل لمساعدة أهل بلده النازحين إلى مصر، وركّز جهوده على مساعدة الأرامل. يروي أبو الخير أنّه ذهب من دمشق إلى بيروت ومنها إلى القاهرة، ويقول إنه اضطر إلى ترك بلاده بعد "انتشار الجماعات الإرهابية فى سوريا، وأصبح الشعب السوري محاصراً وسط معركة لا دخل له فيها". فور وصوله، قرّر أبو الخير الإقامة فى مدينة 6 أكتوبر بناءً على توصية أخيه لسهولة البدء في العمل هناك، وبفضل رأسمال صغير، بدأ العمل. فبحث عن السيدات الأرامل السوريات في مصر، وقدّم لهنّ عملاً من المنازل، هو صناعة الألبان والأجبان.
ويضيف: "بذلك حققّنا التكافل الاجتماعي بين السوريين فى محيطنا الصغير". ووراء أجبان "المشللة" و"الحلوم" و"النابلسية" و"القشقوان" و"المكدوس" و"المخللات" على الطريقة السورية، يقف أبناؤه رائد وريس ومبشر الصغير، الذين يحضرون لمساعدته بعد المدرسة.
المتجوّل في أحياء مدينة 6 أكتوبر، يلاحظ أن 90% من متاجر المركز التجاري يستأجرها سوريون، من محالّ الفول والفلافل، إلى الأفران، ومتاجر الملابس وصناعة الحلويات. يقول ماهر بشير وهو سوري في الأربعين من عمره، وافتتح فرناً في المنطقة: "أصنع الخبز السوري وأبيعه للسوبرماركت ومحالّ بيع الشاورما السورية المنتشرة حالياً في كل مكان، بالاضافة إلى الأهالي".
واختار أنور رشيد الصباغ أن يفتح مطعماً للفول والفلافل، ويقول صاحب "الحاتي الدمشقي": "الشعب المصري له ذوق خاص في الأكل، لذلك نجحنا في جذبه إلينا". وأشار إلى أن أكثر ما يجذب المصريين هو "الحمص بالسمنة والمسبحة والبابا غنوج والبطاطس، بالإضافة إلى الطعمية، التي نصنعها نحن بالحمص وليس بالفول كما يفعل المصريون".
مقالات أخرى
8 وصفات مبتكرة لإعداد الفلافل
كيف يتأثر الطعام بالسياسة: الحمص والبقلاوة بين فلسطين وإسرائيل
أما عمران شعير، صاحب "بوز الجدي"، الذي يقدّم العديد من المأكولات السورية، فيقول: "ذوق الزبون المصري قريب جداً من ذوق السوري"، مشيراً إلى أن "كلمة السر في تفوق المطاعم السورية هي التوابل، التي تُضاف إلى المأكولات، والتي يبيعها العطّارون السوريون". ويضيف: "تُعدّ الشاورما السورية والرز البسمتي والروستو والتومية، وهي من أكثر ما يقبل عليه المصريون، بالإضافة إلى الحلويات".
أما مطعم "ست الشام" قرب مسجد الحصري في المدينة، فيختلف عن غيره من مطاعم السوريين، لأنّه يخدم سكان الميدان منذ عام 2007، واكتسب شهرة وصيتاً، وأصبح له قاعدة زبائن يرتادونه باستمرار. يقول صاحبه محمد عبد الكريم، الحاصل على الجنسية المصرية، إن "المطعم يعتمد على العمالة السورية والفلسطينية للمساهمة في إنتاج كل ما هو جديد في المأكولات الشامية".
وابتكر أخيراً صاحب المطعم فكرة جديدة جذبت أنظار الجميع إليه، إذ أقدم على تقديم خدمة جديدة لغير القادرين. فحالما تدخل المطعم، تجد لافتة كُتب عليها "فاعل خير"، التي يندرج تحتها عدد من الفواتير التي عجز أصحابها عن دفعها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...