في المعرض المقام في غاليري جيبسوم Gypsum القاهرة، تحوّل الفنان المصري شادي النشوقاتي إلى مُستعمِر يخطط لغزو 15 بقعة من العالم ليرفع علمه فوقها. تتلاقى هذه البقاع في كونها متشابهة مع نموذج يستقر على جلد الفنان، الذي أسس مشروعه الاستعمري، على مهل. وكمحتل محتمل بدأ في دراسة أنماط الحياة في هذه المواقع/ المستعمرات، المتشابهة مع شامته.
هذا التحرك الاستعماري جاء ضمن معرض النشوقاتي خطوط العرض، ويعد الفصل الأول من مشروع كبير يحمل عنوان "مُستعمَرة Colony"، الذي يتوقع أن يمتد إلى أكثر من معرض في المستقبل.
البحث عن شامة على خريطة العالم
في هذه التجربة الجديدة، التي بدأ الفنان الإعداد لها منذ العام 2012، نعيش عملية بحث فنية عن أراض من الكرة الأرضية تتشابه مع علامة ولادة على جلد الفنان. فيتتبع شادي في هذا المشروع علامة وراثية ولدت معه. سيجد زائر المعرض صورة فوتوغرافية ليد الفنان تكشف عن علامة داكنة على جلده، وخلال بحثه عن نظائر لها، توصل النشوقاتي إلى 15 مدينة وجزيرة، عبر خرائط غوغل Google Maps، تتشابه في حدودها مع حدود هذه العلامة.
ولادة باردة
كان الفنان البصري مشغولاً خلال إعداده للمشروع بإمكانية تقديم عمل فني يعبر عن نزوعه الاستعماري والبحثي في شكل مبسط، والأهم أن يكون مفهوماً، فتوصل إلى تأسيس مجسم من الثلج لكونه مادة خالية من الحياة. داخل معرض الفنان المولود في العام 1971، نجد مجسماً يبدو مثل مخ بشري عملاق، هذا المجسم سيتغير حجمه مع أيام العرض، لينمو أمام جمهور "مستعمرة" حتى 25 نوفمبر المقبل.
يستقر المجسم على طاولة بيضاء، ويتنفس أسفل مصباح الإضاءة الباردة المُسلط فوقه. مجسم من الثلج، يتم تغذيته بغاز الفريون ليظل بارداً، ولا تتجاوز درجة حرارته الـ30 درجة تحت الصفر. من خلال هذا المجسم يقدم الفنان تصوره الخاص عن كيفية تأسيس مستعمرة عبر الفن.
يقول النشوقاتي عن شكل هذه المستعمرة الفنية: "أعددنا منحنيات داخل المجسم لتشكل جبال في ما بعد، مع نمو الثلج". لكن الشكل النهائي لهذا المجسم لا يزال مجهولاً بالنسبة إليه، فقد لاحظ شادي أن المجسم لا يتحرك حسب المساحة المحددة له، بل ينمو بحرية وبشكل مفاجئ أمام عين المشاهد، الذي سيرصد تغيّره خلال فترة العرض، بينما يصاحب عملية نمو مستعمرة النشوقاتي الثلجية عرض آخر.
تستقر أمام المستعمرة شاشة تعرض عملاً مصوراً. على سطح هذه الشاشة يشاهد زائر المعرض جانباً من عملية البحث، إذ تتوالى صور وأشكال تكوينات، رصدها الفنان خلال عمله على المشروع سنوات عدة، منها أماكن في المكسيك، سوريا، الهند، وثلاثة مواقع في مصر. فتتشابه الشامة مع خريطة لقرية "الجمالية" في محافظة الدقهلية وسط الدلتا المصرية، وموقعين في مدينة دمياط.
صناعة خرائط فنية لمستعمر هاوي
وسط هذا الكم من الرسوم والتكوينات المستوحاة من خريطة الجلد، يشعر الزائر أنه يتأمل أوراق سرية لرسام خرائط، أو مسودات لعالم خرائط قديم، خصوصاً أن هناك العديد من المراجع الفنية والطبوغرافية لهذا المشروع، منها العمل المطبوع أنهار وجبال العالم، وهي خريطة تخيلية مرسومة لـCowperthwaite، تعود للعام 1850. هذا العمل تتجاور فيه كافة أنهار العالم، لتصب جميعها في خط واحد أفقي. هذا النزوع لتحويل العالم لصيغة مفهومة، أن تصبح معالم جغرافية متباعدة في مواقع متقاربة بحسب إرادة جغرافي أو فنان، هو ما ألهم النشوقاتي لتأسيس مستعمراته.
مقالات أخرى
وائل شوقي، فنان الحقائق والخرافات في كباريه التاريخ
مع كل نموذج من المستعمرات المحتملة، يخبرنا شادي أن هذه المستعمرة تتشابه بنسبة محددة مع "الشامة"، أنها تقاربها بنسبة تصل إلى 60% مثلاً. ويروي لرصيف22 كيف تطوّر الأمر: "الاستعمار مسألة مرتبطة بالبحث عن الطريقة الأمثل لتوظيف واستخدام مقدرات وموارد وحياة المساحة المُستهدَفة. إذ يحاول كل مُستعمِر أن يعرف الكثير عن مُستعمَرته". وهذا ما فعله النشوقاتي، فقد عكف على الوصول إلى دراسات وأبحاث عن كل منطقة، بمعاونة فريق مكون من مروة بنحليم وريم المغربي. هكذا تعرّف على كل موقع يتشابه مع العلامة، تاريخه، ثقافته، والأدوات الشائعة فيه.
في المستقبل القريب سيزور الفنان، مثل محتل/ مستشكف، بعض هذه المواقع، من أجل الإعداد لمعارض جديدة ضمن المشروع نفسه. ويوضح: "سأضع علم المشروع، وأنشئ مجسمات أخرى، لكن أعرف أن هناك أماكن لن أستطيع زيارتها مثل حماة في سوريا".
بين الثلج والأسمنت
داخل المعرض مجسم آخر، لكنه ثابت لا يتغير، يستقر في صالة أخرى من الغاليري سطح من الخرسانة يذكر بصورة الوحمة على جلد الفنان. عن المجسمين يقول شادي النشوقاتي: "أفكر أحياناً أن الثلج والأسمنت مواد خالية من الحياة، لكن الأخير مادة استعمارية بامتياز، دخلت مناطق كثيرة على يد المحتل، خصوصاً أنها تستخدم في البناء لسرعتها".
يذكر أن النشوقاتي كان قد سبق له عرض أعماله في عدة معارض ومحافل دولية، مثل بينالي فينيسيا (إيطاليا)، متحف موري آرت طوكيو (اليابان)، المتحف الحديث في استوكهولم (السويد)، بومبيدو باريس (فرنسا)، ومارتن غروبيوس- باو برلين (ألمانيا).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...