"المقاومة المبدعة" هي العبارة التي يطلقها المهندس المعماري السوري خالد ملص على فنه ومشروعه. قد تبدو هاتان الكلمتان مبالغتين في التفاؤل، في الوقت الذي تطحن فيه رحى الحرب جميع السوريين، إلا أنه كان مؤمناً بهذه العبارة كل الإيمان، حتى شق طريق فكرته، رغم كل الصعوبات إلى الغوطة الشرقية، لتوليد الكهرباء.
الأحد 8 مايو، انتهى مراكش بينالي، وهو مهرجان فني ضخم يقام في مدينة مراكش المغربية، يشارك فيه أكثر من مئة مشروع فني إبداعي، الكثير منها لفنانين ومختصين عرب. أجمع الزوار ووسائل الإعلام هذا العام، في البينالي السادس الذي انطلق منذ 24 فبراير الماضي، على أن مجموعة الصور والرسوم الآتية من سوريا، بإدارة المهندس خالد ملص (35 عاماً)، هي حالة فنية وفكرية وإنسانية مميزة، تستحق التوقف عندها والتعرف إليها.
طاحونة هواء ترتفع خمسة أمتار في الهواء أمام الجميع على سطح منزل قروي، في أحد أرياف الغوطة الشرقية لدمشق، وهي تتألف من ست شفرات ضخمة، وتدور نحو خمس مرات في الدقيقة، في يوم يتخلله النسيم، وليس بالضرورة الرياح.
بدأت الفكرة عندما كان ملص يتصفح Facebook عام 2014، ورأى صورة بعدسة الفنان الفوتوغرافي ياسين البوشي، لعجلة هوائية مستخدمة لتوليد الكهرباء في الغوطة الشرقية. لكنها بدائية، تعمل فقط في أيام الشتاء الماطرة، ما يجعل فائدتها محدودة جداً. أوحت صورة "دولاب الهواء" له بفكرة طاحونة الهواء، التي يمكن أن توزع الكهرباء بشكل كبير على قرية كاملة، من دون أن تتوقف. وهذا ما جعل ملص يتواصل مع المصور البوشي، ليصله بدوره بالحداد أبو علي القلموني، وهو اسم مستعار للشخص الذي قام بتنفيذ دولاب الهواء. بدأ الثلاثة رحلة طويلة من العمل المستتر عبر Skype، يتولى ملص الإرشاد من نيويورك، ويرسل لهما الأموال، إذ حصل على تمويل بقيمة 10 آلاف دولار أمريكي من جمعية "آفاق"، ومن بينالي مراكش، في حين ينفذ المصور ياسين البوشي، والحداد أبو علي القلموني التعليمات من الداخل، حتى تم تدشين الطاحونة وإطلاقها في يونيو 2015.
من هو خالد ملص ؟
حين بدأت الحرب السورية، قبل خمس سنوات، كان ملص مهندساً حاملاً لشهادتين في العمارة من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة كورنيل في نيويورك. كان يعمل في شركة للعمارة في روتردام حينها، ثم اضطر إلى العودة فترة وجيزة إلى دمشق عام 2012. حصل بعدها على فرصة عمل جديدة في بازل السويسرية، ثم انتقل عائداً إلى نيويورك عام 2014، ليعمل على شهادة الدكتوراه من معهد الفنون الجميلة في جامعة نيويورك. يقول ملص لمجلة Forbes إن دوره كمواطن أو معماري سوري كان قد شارف الانتهاء، وإنه كان بدأ يفقد الأمل عندما رأى صورة الدولاب الهوائي في الغوطة الشرقية، فكان لا بد أن يتحرك بسرعة للتواصل مع المعنيين وتنفيذ فكرته. لكن فكرة الطاحونة الهوائية ليست الفكرة الأولى لملص من نهج "المقاومة المبدعة"، كما يحب أن يسميه. فهو يعمل على تسخير الفكرة الفنية للفت أنظار العالم إلى ما يحدث في سوريا. وشارك عام 2014، في المعرض الدولي الرابع عشر للعمارة، من بينالي البندقية، بدعوة من معماري كان يعمل معه سابقاً هو ريم كولهاس، لتصميم وتقديم "جناح سوريا" غير الرسمي، تفاعلاً مع موضوع البينالي "استيعاب الحداثة 1914- 2014". لكن ملص قرر أن لا يصرف تمويل المشروع على تمثيل مجرد لسوريا في البندقية، فخطّط لـ"مؤامرة معمارية"، ومشروع من نوع آخر. قام ببناء بئر للماء في قرية سورية تعرضت لقصف النظام السوري لفترة طويلة، وأدى ذلك إلى ري 15 ألف مواطن، واكتفى بعرض صور ورسوم عن المشروع في معرض البندقية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...