شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا ما زالوا في دمشق حتى الآن؟

لماذا ما زالوا في دمشق حتى الآن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 15 أبريل 201601:38 م
بعيداً عن الكثيرين ممن لا يملكون الموارد المالية اللازمة للمغادرة، ما الذي يدفع ملايين السوريين للامتناع عن السفر والبقاء في مدنهم؟ وما الذي يجعل القادرين منهم على السفر، يفوتون فرصاً كثيرة أتيحت لهم في السنوات الماضية، ويقررون البقاء في بلد يشهد تأزماً اقتصادياً وأمنياً، منذ أكثر من خمس سنوات؟ وجهنا هذا السؤال لعدة أشخاص مقيمين في العاصمة دمشق، ويملكون خيار السفر بشكل أو بآخر، وهذه كانت إجاباتهم.  

ما زلتُ ابن البلد

اسماعيل مجرismail اسماعيل مجر، الذي يعمل منسقاً للمشاريع في جمعية نور للإغاثة والتنمية، لا ينفي صعوبة الظروف المعيشية في البلاد، لكنه في الوقت نفسه، لا يرغب أن يكون في موقف الشخص الغريب عن البلاد. "هنا على الأقل ما زلت ابن البلد، أتردد على بيروت بسبب عملي، ورغم كونها زيارات عمل لا أجدني في الموقف الذي يريحني، موقف الناس الهاربة من الحرب أو التي تحتاج لمكان يأويها"، يقول. ويضيف إسماعيل، الذي مازال يدرس الهندسة الميكانيكة في جامعة دمشق، أن الكثير من فرص العمل والتدريب أتيحت في مجال العمل الإغاثي، أحد القطاعات الاقتصادية النادرة التي لم تتكبد خسائر حتى الآن في سوريا. "إضافة إلى الخبرة العملية التي نكتسبها من العمل على الأرض، في بلد يشهد حالة طوارئ، خبرة لا يمكن اكتسابها بالكثافة والسرعة التي نحصل عليها هنا، أنا شخصياً لم أكن أملك أي خبرة في مجال الإغاثة قبل بدئي العمل في هذا المجال عام 2013". لا ينفي إسماعيل (25 سنة) وجود جانب معنوي لوجوده داخل البلاد حتى الآن. ويوضح: "عائلتي لم تتعرض لأضرار سوى تلك المتعلقة بالصعوبات الاقتصادية، وحين نقدم المساعدة للأشخاص المتضررين من الحرب، كمن فقدوا مسكنهم أو معيلهم، فإننا نعرف أن الاحتمالات كبيرة أن نكون نحن مكانهم، فنقدم المساعدة التي نرجو أن نحصل عليها لو كان الأمر معكوساً، وكنا نحن من يحتاجها".  

هروب جبان

عرفان خليفةErfan2 إجابة عرفان خليفة، المصور وعضو الهيئة الفنية في المعهد العالي للفنون المسرحية، جاءت مقتضبة: "أنا فلسطيني سوري عمري 53 سنة متزوج من سورية عمرها 47 سنة، وبعدم وجود أطفال أعتقد أنه (السفر) هروب جبان". سبق لعرفان الإقامة في النمسا، حيث درس لثلاث سنوات في جامعة فيينا للفنون التطبيقية – قسم التصوير الضوئي، وأخرج ومثل في فيلم "اللاجئ الصغير" عام 2003. يقول إن والده كان في عمر الـ16 حين غادر فلسطين إلى سوريا في 1948، "حملت داخلي دائماً شعوراً مزعجاً تجاه الهروب"، مضيفاً أن الخطأ ربما كان في العودة من فيينا إلى سوريا، "لكن لم يكن لدي استقرار هناك، وقلتُ حرفياً إنني عائد إلى بلدي، وذلك كان يعني سوريا". يؤكد عرفان أنه لا يجد الآن سبباً وجيهاً للسفر من جديد: "أنا وزوجتي لم نفقد عملنا، وما زلنا نعيش في بيتنا، أحياناً يصيبني اليأس، ولكن هذا طبيعي". بالنسبة إلى الآخرين الذين قد يطلبون منه النصيحة بخصوص السفر، مستفيدين من خبرة وجوده في أوروبا سابقاً، يجد أنه "من الحماقة أن أقول الأفضل أن تهرب أو أن تبقى، أنا أعتقد أن لكل خيار متاعبه".  

المكان يعني لي شيئاً

نور أبو فراجNour1 ترى نور أبو فراج، التي تجهز بحثاً للحصول على درجة الماجستير من كلية الإعلام في جامعة دمشق، أنها لم تتعرض بعد لظروف قاهرة تجبرها على مغادرة البلاد. وتقول: "قد أكون أنا محظوظة من ناحية الأمان وعدم التواجد في ظرف لا يمكن تحمله". لكنها ما زالت في الوقت نفسه غير واثقة من حجم الخسائر بسبب عدم سفرها. تضيف: "دائماً أملك مخاوف من عدم اختياري الأفضل لمهنتي كصحفية أو كطالبة مهتمة بالبحث في أثر وسائل الإعلام، يوجد سقف واضح للإنجاز الأكاديمي الممكن هنا، لذلك أسأل نفسي أحياناً إن كان يكفيني هذا السقف أو علي السفر بحثاً عما هو أبعد منه". تؤكد نور، التي تساهم بمقالاتها في جريدتي السفير اللبنانية وقاسيون السورية، أن "مقابل إيجابيات السفر هناك إيجابيات للعيش في سوريا، كالشعور بالانتماء لتاريخ وإرث المكان، والشعور بالمكانة والاحتضان الاجتماعي، والأهم الشعور بأن هذا المكان يعني لي شيئاً، لذلك القرار دائماً سيكون صعباً". وتنفي استفادتها على المستوى الشخصي من غياب الكثيرين من أصحاب اختصاصها عن الساحة المحلية: "أنا ضد التعميميات التي تقول إن من سافروا هم الأكثر تميزاً وطموحاً، بالتأكيد هناك من استفادوا من الوضع بسبب غياب المنافسة، ولكن لا أشعر أنني استفدت بصورة مباشرة من الأمر".  

لا يمكنك الهرب من الموت

فادي بركاتfadi2 لا يخيف الموت فادي بركات المقيم في حي التجارة المتاخم لحي جوبر، والذي تعرض بكثافة في السنتين الماضيتين لرشقات كبيرة من قذائف الهاون والصواريخ محلية الصنع. يقول: "لا يمكنك الهرب من الموت، قد تسافر وتموت بحادث سير، وهناك من قضى السنوات الخمس الأخيرة في سوريا وفارق الحياة بسبب جلطة مثلاً". ويضيف فادي، الذي يعمل مصمم غرافيك وعمارة داخلية إضافة لعمل مسائي في تدريب رياضة الـ Fight-Do والـZumba وعدة رياضات أخرى: "أنا غير متزوج، وما أجنيه أنفقه على نفسي أو مساعدة أسرتي أحياناً، وهو كافٍ حتى الآن، ولا أجد الفارق الذي قد أحققه في مستوى معيشتي يستحق العناء، كما أن الحصول على فرص عمل جيدة في الخارج لن يكون سهلاً، بسبب الفروق بين متطلبات السوق السورية ومتطلبات الدول التي قد أذهب إليها، وسأضطر للبدء من الصفر، فلا يوجد من يدعمني مادياً أو نفسياً". ولا ينكر استفادته من هجرة الأيدي العاملة المؤهلة أكاديمياً أو حرفياً: "أشعر بالأمر خصوصاً في مجال التدريب الرياضي، إذ يوجد شح حقيقي في أعداد المدربين المؤهلين". ويؤكد أنه باقٍ في سوريا ما دام قادراً أن يقدم شيئاً للبلد ولأهلها "ربما ليس في العمارة الداخلية نظراً لمحدودية السوق الآن، ولكن في التدريب الرياضي أساعد الكثيرين من أبناء منطقتي وبيئتي على تنفيس الغضب والتوتر عبر الرياضة، وبث طاقة إيجابية تساعدهم على الاستمرار في ظل الضغوطات الكبيرة التي يتعرضون لها".  

لا أحب الغربة

مهندس الطاقة جورج أبو عسلي، يؤكد أن ظروفه كأي مهندس ليست جيدة في سوريا. يقول: "مهندس الطاقة لا يستطيع أن يكون صاحب مركز أو يؤسس مكتباً هندسياً، ويضطر غالباً أن يعمل كتاجر كي يستطيع تحصيل بعض العائدات المالية". ويضيف جورج، الذي يعمل في وظيفتين إحداهما حكومية والأخرى في مكتب هندسي خاص، أن الوضع المادي "أسوأ من السيئ، ولكنني لا أرغب بالسفر رغم سهولة التوجه إلى أوروبا أو كندا لإتمام تحصيلي العلمي مثلاً، وأهلي يطلبون مني السفر يومياً، فهنا الأمان النفسي قبل كل شيء غير موجود، منذ الاستيقاظ يشغلك هم تحصيل المعيشة، والخطأ في العمل أصبح اليوم يكلف أضعاف ما كان يكلفه سابقاً". رغم ذلك يصر جورج على البقاء في دمشق، "أولاً لأنني أحب البلد وأريد البقاء فيها، لا استعداد لدي لأن أتغرب، وليس لدي القدرة النفسية على السفر إلى أي بلد في العالم". وهناك أسباب تتعلق بأهله رغم كونه متزوج ومنفصل عنهم. يوضح: "ليس هناك سواي في البلد ليعتني بأبي وأمي، ولا يمكنني أن أتركهم وحدهم وأذهب، حتى وإن كنتُ لا أقيم معهم في الوقت الحالي". مؤكداً أن هذه الأسباب كافية ليبقى ويقضي وقته في التنقل بين عمليه منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات المساء.  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image