بعيداً عن الكثيرين ممن لا يملكون الموارد المالية اللازمة للمغادرة، ما الذي يدفع ملايين السوريين للامتناع عن السفر والبقاء في مدنهم؟ وما الذي يجعل القادرين منهم على السفر، يفوتون فرصاً كثيرة أتيحت لهم في السنوات الماضية، ويقررون البقاء في بلد يشهد تأزماً اقتصادياً وأمنياً، منذ أكثر من خمس سنوات؟ وجهنا هذا السؤال لعدة أشخاص مقيمين في العاصمة دمشق، ويملكون خيار السفر بشكل أو بآخر، وهذه كانت إجاباتهم.
ismail
اسماعيل مجر، الذي يعمل منسقاً للمشاريع في جمعية نور للإغاثة والتنمية، لا ينفي صعوبة الظروف المعيشية في البلاد، لكنه في الوقت نفسه، لا يرغب أن يكون في موقف الشخص الغريب عن البلاد. "هنا على الأقل ما زلت ابن البلد، أتردد على بيروت بسبب عملي، ورغم كونها زيارات عمل لا أجدني في الموقف الذي يريحني، موقف الناس الهاربة من الحرب أو التي تحتاج لمكان يأويها"، يقول.
ويضيف إسماعيل، الذي مازال يدرس الهندسة الميكانيكة في جامعة دمشق، أن الكثير من فرص العمل والتدريب أتيحت في مجال العمل الإغاثي، أحد القطاعات الاقتصادية النادرة التي لم تتكبد خسائر حتى الآن في سوريا. "إضافة إلى الخبرة العملية التي نكتسبها من العمل على الأرض، في بلد يشهد حالة طوارئ، خبرة لا يمكن اكتسابها بالكثافة والسرعة التي نحصل عليها هنا، أنا شخصياً لم أكن أملك أي خبرة في مجال الإغاثة قبل بدئي العمل في هذا المجال عام 2013".
لا ينفي إسماعيل (25 سنة) وجود جانب معنوي لوجوده داخل البلاد حتى الآن. ويوضح: "عائلتي لم تتعرض لأضرار سوى تلك المتعلقة بالصعوبات الاقتصادية، وحين نقدم المساعدة للأشخاص المتضررين من الحرب، كمن فقدوا مسكنهم أو معيلهم، فإننا نعرف أن الاحتمالات كبيرة أن نكون نحن مكانهم، فنقدم المساعدة التي نرجو أن نحصل عليها لو كان الأمر معكوساً، وكنا نحن من يحتاجها".
Erfan2
إجابة عرفان خليفة، المصور وعضو الهيئة الفنية في المعهد العالي للفنون المسرحية، جاءت مقتضبة: "أنا فلسطيني سوري عمري 53 سنة متزوج من سورية عمرها 47 سنة، وبعدم وجود أطفال أعتقد أنه (السفر) هروب جبان". سبق لعرفان الإقامة في النمسا، حيث درس لثلاث سنوات في جامعة فيينا للفنون التطبيقية – قسم التصوير الضوئي، وأخرج ومثل في فيلم "اللاجئ الصغير" عام 2003. يقول إن والده كان في عمر الـ16 حين غادر فلسطين إلى سوريا في 1948، "حملت داخلي دائماً شعوراً مزعجاً تجاه الهروب"، مضيفاً أن الخطأ ربما كان في العودة من فيينا إلى سوريا، "لكن لم يكن لدي استقرار هناك، وقلتُ حرفياً إنني عائد إلى بلدي، وذلك كان يعني سوريا".
يؤكد عرفان أنه لا يجد الآن سبباً وجيهاً للسفر من جديد: "أنا وزوجتي لم نفقد عملنا، وما زلنا نعيش في بيتنا، أحياناً يصيبني اليأس، ولكن هذا طبيعي". بالنسبة إلى الآخرين الذين قد يطلبون منه النصيحة بخصوص السفر، مستفيدين من خبرة وجوده في أوروبا سابقاً، يجد أنه "من الحماقة أن أقول الأفضل أن تهرب أو أن تبقى، أنا أعتقد أن لكل خيار متاعبه".
Nour1
ترى نور أبو فراج، التي تجهز بحثاً للحصول على درجة الماجستير من كلية الإعلام في جامعة دمشق، أنها لم تتعرض بعد لظروف قاهرة تجبرها على مغادرة البلاد. وتقول: "قد أكون أنا محظوظة من ناحية الأمان وعدم التواجد في ظرف لا يمكن تحمله". لكنها ما زالت في الوقت نفسه غير واثقة من حجم الخسائر بسبب عدم سفرها. تضيف: "دائماً أملك مخاوف من عدم اختياري الأفضل لمهنتي كصحفية أو كطالبة مهتمة بالبحث في أثر وسائل الإعلام، يوجد سقف واضح للإنجاز الأكاديمي الممكن هنا، لذلك أسأل نفسي أحياناً إن كان يكفيني هذا السقف أو علي السفر بحثاً عما هو أبعد منه".
تؤكد نور، التي تساهم بمقالاتها في جريدتي السفير اللبنانية وقاسيون السورية، أن "مقابل إيجابيات السفر هناك إيجابيات للعيش في سوريا، كالشعور بالانتماء لتاريخ وإرث المكان، والشعور بالمكانة والاحتضان الاجتماعي، والأهم الشعور بأن هذا المكان يعني لي شيئاً، لذلك القرار دائماً سيكون صعباً". وتنفي استفادتها على المستوى الشخصي من غياب الكثيرين من أصحاب اختصاصها عن الساحة المحلية: "أنا ضد التعميميات التي تقول إن من سافروا هم الأكثر تميزاً وطموحاً، بالتأكيد هناك من استفادوا من الوضع بسبب غياب المنافسة، ولكن لا أشعر أنني استفدت بصورة مباشرة من الأمر".
fadi2
لا يخيف الموت فادي بركات المقيم في حي التجارة المتاخم لحي جوبر، والذي تعرض بكثافة في السنتين الماضيتين لرشقات كبيرة من قذائف الهاون والصواريخ محلية الصنع. يقول: "لا يمكنك الهرب من الموت، قد تسافر وتموت بحادث سير، وهناك من قضى السنوات الخمس الأخيرة في سوريا وفارق الحياة بسبب جلطة مثلاً". ويضيف فادي، الذي يعمل مصمم غرافيك وعمارة داخلية إضافة لعمل مسائي في تدريب رياضة الـ Fight-Do والـZumba وعدة رياضات أخرى: "أنا غير متزوج، وما أجنيه أنفقه على نفسي أو مساعدة أسرتي أحياناً، وهو كافٍ حتى الآن، ولا أجد الفارق الذي قد أحققه في مستوى معيشتي يستحق العناء، كما أن الحصول على فرص عمل جيدة في الخارج لن يكون سهلاً، بسبب الفروق بين متطلبات السوق السورية ومتطلبات الدول التي قد أذهب إليها، وسأضطر للبدء من الصفر، فلا يوجد من يدعمني مادياً أو نفسياً".
ولا ينكر استفادته من هجرة الأيدي العاملة المؤهلة أكاديمياً أو حرفياً: "أشعر بالأمر خصوصاً في مجال التدريب الرياضي، إذ يوجد شح حقيقي في أعداد المدربين المؤهلين". ويؤكد أنه باقٍ في سوريا ما دام قادراً أن يقدم شيئاً للبلد ولأهلها "ربما ليس في العمارة الداخلية نظراً لمحدودية السوق الآن، ولكن في التدريب الرياضي أساعد الكثيرين من أبناء منطقتي وبيئتي على تنفيس الغضب والتوتر عبر الرياضة، وبث طاقة إيجابية تساعدهم على الاستمرار في ظل الضغوطات الكبيرة التي يتعرضون لها".
ما زلتُ ابن البلد

هروب جبان

المكان يعني لي شيئاً

لا يمكنك الهرب من الموت

انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ 6 أيامشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع