مع استمرار قوّات تحالف "عاصفة الحزم" بحملتها العسكرية في اليمن، المترافقة مع اقتتال أهلي داخلي، تزداد المؤشرات الاقتصادية سوءاً. فقد أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 61% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية. بينما شدّد ممثل اليونيسيف في اليمن جوليان هارنس على أن استمرار هذا الوضع سيعوق قدرة الحكومة اليمنية على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، ويشكل خطراً على السكان في مختلف أنحاء اليمن، وعلى الأطفال بشكل خاص. كذلك قدّر "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي" خسائر الاقتصاد اليمني بأكثر من مليار دولار منذ بدء عملية "عاصفة الحزم"، محذّراً من انهيار الوضع الاقتصادي في ظل إغلاق الموانئ البحرية والجوية.
في ضوء ما تقدّم، يُطرح السؤال الآتي: ما هي أبرز القطاعات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي لا تزال تعمل في اليمن؟
في ظل الأوضاع الحالية التي تعيشها اليمن، تتجه الأنظار بصورة مركّزة نحو قطاع التموين الغذائي، حيث لا يوجد مخزون غذائي حكومي كافٍ، والمخزون الموجود يعود بغالبيته للقطاع الخاص، حسب الخبير الاقتصادي أحمد شماخ. ففي رأيه "الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة انعكست بشكل خطير على مجمل الأوضاع الاقتصادية، وهذا سيكون له تداعيات سلبية خطيرة على أفراد المجتمع، خصوصاً لناحية اتساع رقعة البطالة ومعدلات الفقر التي تفوق الآن 60% حسب اليونيسف، أي أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عددهم 24 مليوناً بحسب التعداد السكاني للعام 2004".
من هنا، فإن "التغيّرات في النمو الاقتصادي في المستقبل المنظور، سوف تكون الأصعب في تاريخ اليمن". إذ من المتوقع، حسب شماخ، أن يبلغ عجز الموازنة العامة خلال العام 2015 حوالي 8 مليارات دولار في ظل سيادة اقتصاد الحرب، وأيضاً هناك تراجع في الإيرادات النفطية وغير النفطية، وضعف في بيئة الأعمال اليمنية نتيجة الصعوبات الأمنية وتردّي خدمات الكهرباء والمياه والافتقار إلى المشتقات النفطية واتساع نطاق السوق السوداء للسلع والخدمات، وهذا ما يرتّب كلفة إضافية على المواطن، يقابلها تراجع في القدرة الشرائية إلى أدنى مستوياتها".
يضيف شماخ: "كما أن توقف المساعدات إلى اليمن نتيجة عزوف المانحين في ظل الأوضاع الراهنة، وانخفاض حجم الاحتياطي النقدي لليمن إلى 4 مليارات دولار، وأيضاً ارتفاع حجم الدين العام المحلي والخارجي، إذ قد يصل المحلي نهاية 2015 إلى أكثر من 22.5 مليار دولار، بما يعادل 67% من الناتج المحلي الإجمالي، هذه العناصر كلّها أثرت سلباً على مختلف قطاعات الدولة وخدماتها، وكذلك على إنتاجية جميع القطاعات الاقتصادية والخدمية".
إلى ذلك، يحذّر شماخ من بوادر كارثة إنسانية خطيرة بدأت تلوح في الأفق، إذ برغم أن بعض قطاعات الحكومة تعمل بالحد الأدنى من طاقتها، وبرغم استمرار بعض التنسيق بين القطاعين الخاص والحكومي في هذا الإطار، لا توجد خدمات تصل الى المستوى المطلوب، نظراً للأوضاع الراهنة والنزوح السكاني بعيداً من الأماكن التي يدور فيها القتال.
الغذاء كافٍ لشهرين
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز محمد قحطان لرصيف22 إن القطاع التجاري لا يزال يعمل، وهو يشمل المنتجات المحلية كالخضر والفواكه والمواد الغذائية المخزّنة بشكل عام، وإذا طالت الحرب شهراً أو شهرين، فإن هذا المخزون من المواد الغذائية سوف ينفد، خصوصاً أنه من الصعب تقدير مقدار المواد الغذائية المخزّنة. ويلفت قحطان إلى "أن المصادر الرسمية تؤكد أن هناك ما يكفي من مواد غذائية نحو ستة أشهر، وهذا غير دقيق. ففي تقديري إنها لا تكفي حتى مايو المقبل، علماً أن المواد الغذائية الأساسية كالسكر والدقيق غير متوفرة الآن في السوق اليمنية، عدا أن أزمة البترول والديزل قائمة، وهذا ما يشكل معاناة يومية للناس".
يضيف قحطان: "لا توجد قطاعات عامة تعمل بشكل كامل، خصوصاً المؤسسات الاقتصادية، ولا مؤسسات فاعلة غير بعض مصانع الإسمنت، وإطالة الحرب ستعطّلها قريباً بلا شك".
بالنسبة للقطاع الخاص، يوضح قحطان أن البنوك الخاصة أوقفت خدمة القروض، نظراً للحالة الراهنة، خصوصاً أن هناك سحباً كبيراً للودائع، وهذا ما جعل عمل هذه البنوك محصوراً في صرف رواتب الموظفين واستقبال الحوالات، مستبعداً نجاح الحكومة في صرف رواتب الموظفين خلال الشهرين المقبلين.
الوزارات: تأثر كبير بالأزمة
يقول الاقتصادي صلاح صالح لرصيف22 أنه برغم اتجاه الوضع اليمني نحو الأسوأ، لا تزال بعض المرافق الحكومية، كوزارة المالية، تضطلع بدور محدود، إذ تقوم بصرف المرتّبات ولو متأخرة، كما خفضت النفقات التشغيلية إلى النصف. ووزارة الصحة تعمل أيضاَ لكنها تقوم بأداء غير جيّد، بسبب انخفاض النفقات التشغيلية المصروفة لها من قبل وزارة المال والتي تؤثر سلباً على مستوى الخدمة الطبية التي تقدمها للمواطنين. كذلك هناك شحّ في الأدوية دفع منظمتي اليونيسيف والصليب الأحمر الدولي إلى إرسال مساعدات طبية عاجلة. أمّا وزارة الصناعة والتجارة فتوقفت غالبية أجهزتها عن العمل، خصوصاً ذات الصلة بالرقابة على الأسواق، كما أثرت عاصفة الحزم على أداء وزارة النقل حيث تأثرت غالبية المطارات اليمنية، ما أدى إلى حجز الكثير من اليمنيين في الدول العربية، إذ شهدت الخطوط الجوية اليمنية خسارة مقدارها 11 مليون دولار خلال أسبوعين.
بالإضافة إلى ما تقدّم، يشير صالح إلى أن وزارتي الدفاع والداخلية تأثرتا بشكل كبير، سواء في المواقع العسكرية التي تم ضربها ونهبها، أو في عدم تسلم المنتسبين لوزارة الدفاع اليمنية رواتبهم على مدار شهرين. وتعطّل دور وزارة النفط بفعل عدم قدرتها على تأمين حاجات السوق إلى المشتقات النفطية، فضلاً عن ظهور السوق السوداء، وهذا ما شلّ القدرة على التحكم في أسعار المشتقات التي ارتفعت خمسة أضعاف عن مستواها السابق. هذا إلى جانب تأكيد وكالة الطاقة الدولية أن الصراع في اليمن قلّص إنتاجه النفطي إلى النصف.
ختاماً، يجمع غالبية الخبراء اليمنيين على أن استهداف غارات "عاصفة الحزم" لمصانع المواد الغذائية، كمصنع الألبان في محافظة الحديدة غرب البلاد، ومصانع صوامع الغلال في محافظة عدن الجنوبية، فضلاً عن مصنع الاسمنت في محافظة لحج، إلى جانب اتساع نطاق التمدّد الحوثي إلى الأراضي الجنوبية، كل ذلك أدى إلى إصابة القطاعين العام والخاص بضعف كبير. وإذا صدقت التوقّعات بحدوث تدخل برّي، فإن القطاعات كافة سوف تتعطّل تماماً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 20 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.