عام 1929 منع قسم السينما في وزارة الداخلية المصرية، عرض فيلم "مأساة الحياة" لوداد عرفي من العرض في دور السينما، وجاء في تقرير أسباب المنع أن "الرواية كما رأيناها تزخر بملاهيها ومواد الترف فيها، استنزفت الجزء المهم فيها، مع أن العظة لم تتناول إلا أمتاراً قلائل، ولا تترك أثراً عنيفاً في المشاهد يعطيه فكرة سامية عن عاقبة الإثم والاستهتار"، كان هذا أول فيلم عربي تتم مصادرته بسبب مشاهد جنسية.
منذ ذلك الوقت حتى الآن، الجنس جزء أساسي من تكوين السينما العربية. وعلى مدار عقود طويلة قدمت السينما العربية الجنس في سياقات متعددة، فتحت الباب لفانتازيات مختلفة، وخلقت أيقونات للإغراء أثرت على وعي الملايين من المشاهدين بالجنس. الخط الزمني التالي يوضح تاريخ تعامل السينما العربية مع الجنس، والمعارك التي خاضتها مع الرقابة الرسمية أحياناً، ومع الرقابة الاجتماعية أحياناً أخرى.
1927
عام 1927 أخرج ابراهيم لاما فيلمه الصامت الطويل "قبلة في الصحراء"، أحد أوائل الأفلام الروائية العربية، الذي تظهر في عنوانه الصلة الأولى بين السينما والجنس. بدر لاما بطل الفيلم، فارس عربي يقيم في الصحراء، وينقذ الفتاة الأجنبية هيلدا فتقع في حبه، ويخوض صراعاً طويلاً لإثبات براءته من تهمة قتل عمه، وصراعاً آخر للدفاع عن حبيبته الأجنبية. إلى جانب مشاهد القبل المتعددة والطويلة، احتوى الفيلم على مشهد ترقص فيه محظية رئيس العائلة أمام الأجانب عارية، ممسكة سيفاً ووجهها مغطى باليشمك.
1929
عام 1929 منعت الرقابة فيلم "مأساة الحياة"، بسبب احتوائه على "مشاهد خارجة". الفيلم الذي أخرجه وداد عرفي، قامت ببطولته الراقصة التركية الشهيرة حينذاك افرانز هانم. تدور القصة حول راقصة لعوب تقوم بخداع شقيقين لاستلاب أموالهما. يعتبر الفيلم الظهور الأول في السينما لشخصية البغي، إذ كان البغاء قانونياً في مصر حينذاك.
1932
عام 1932 سيشهد ظهور أول فيلم عربي ناطق، هو "أولاد الذوات". الفيلم ستتكرر فيه أكثر التيمات شهرة في تلك الفترة، وهي قصص الحب بين الرجل العربي والمرأة، غالباً راقصة، الأوروبية. الخارجية الفرنسية ستطلب منع عرض "أولاد الذوات" حينذاك، لكن سيظهر فيلم آخر تتكرر فيه التيمة نفسها، هو "أنشودة الفؤاد". الجنس في هذه الفترة يظهر في الأفلام كجزء من قصص الحب والخيانة، ويستخدم وسيلة للتأكيد على تهتك نساء أوروبا وخداعهن كرسالة تحذير للرجل العربي من عدم الانخداع بتفتح نساء أوروبا وألعابهن الجنسية.
1942 - 1944
تختفي شخصية العاهرة الأوروبية من السينما، لتحل بدلاً منها صورة العاهرة المصرية، ضحية الظلم الاجتماعي، الذي قادها إلى هذا الموقع. يظهر هذا في فيلم "البؤساء" الذي أنتج عام 1944، بطولة أمينة رزق العاهرة التي تضحي بنفسها وجسدها لإنقاذ حبيبها، وفيلم "ليلى"، الذي أنتج عام 1942 المأخوذ عن قصة غادة الكاميليا. سنشاهد الجنس في هذه الفترة كسلوك معيب، أما مشاهد الحب فلا تتجاوز مسك الأيدي ليظل الحب "شريفاً". سترسخ السينما تصورات الحب العذري، لكنها في الوقت نفسه لن تدين العاملات في مجال الجنس. سيبرز اسم أمينة رزق في هذه الفترة كنجمة للإغراء، وتقدم السينما نموذج الجمال الرقيق، فيه نجمات السينما والراقصات نحيفات بوجوه شاحبة. أما مشاهد الرقص في الملابس الشفافة فستعتبر في ذلك الوقت عنصراً أساسياً في أي فيلم.
1956
انتهت المملكة المصرية وظهرت الجمهورية، وحركة الضباط الأحرار ستصنع موجة من التغيير الجذري في المنطقة العربية لا في مصر فقط. وسيصدر قانون جديد للرقابة، يتكون من مادة واحدة فقط تقضي بمراعاة الآداب العامة والنظام العام. في الوقت نفسه يظهر جيل جديد من المخرجين المصريين، ويخرج الجنس أخيراً من ثنائية الحب الطاهر والحب الآثم، ومن الكباريهات، ليصبح عنصراً أساسياً في الدراما.
سيصور صلاح أبو سيف في هذا العام فيلم "شباب امرأة". شكري سرحان، الشاب الريفي الآتي للدراسة في القاهرة، يسكن مع المرأة المكتملة تحية كاريوكا التي تبدأ في إغوائه، وحبسه في غرفته وتقدم له الطعام وتمارس معه الجنس. الفيلم كان معالجة جريئة للجنس، المرأة هي التي تقود العملية، وتتحكم وتسيطر وتغوي. انتهى زمن نجمات السينما الشاحبات الرقيقات، وستبرز مقاييس أخرى للجمال وتيمات درامية تعالج الجنس في السينما.
1958
يزداد الهوس بمقاييس الخصر والصدر، ويسود نموذج مارلين مونرو في الغرب، بينما يبرز نموذج هند رستم في الشرق. يقدم يوسف شاهين في هذا العام رائعته "باب الحديد". عالم كامل من الفانتازيات الجنسية الجديدة يطل من الباب. قناوي (يوسف شاهين)، غير متزن عقلياً ومستثار جنسياً من هنومة (هند رستم). نشاهده في لقطة يقص صور نجمات السينما من المجلات، وهو ينصت بانتباه لواقعة الاعتداء على امرأة وتقطيع جسدها إلى أجزاء.
في العام نفسه، سيقدم صلاح أبو سيف فيلم "الطريق المسدود"، سيناريو نجيب محفوظ. وهو ميلودراما تقوم ببطولتها فاتن حمامة، التي تولد في أسرة تعاني من الانحلال والتهتك، فتحاول الهرب بعيداً عن حياة المدينة لتعمل مدرّسة. لكن الفيلم سيكون الأول من نوعه الذي سنلمح فيه بوادر إشارات للمثلية الجنسية، حين تحاول إحدى المدرّسات التحرش بفاتن حمامة.
1964
نجم هذه المرحلة هو المخرج حسن الإمام، ستفرض أفلامه مساحات واسعة لعالم الكباريهات والراقصات. في هذا العام سيقدم فيلم "بين القصرين" المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ. الأب السيد عبد الجواد الصارم في منزله، الذي يعيش في السر حياة كاملة من اللهو والعبث، يتبعه ابنه ياسين. حسن الإمام سيعيد في هذا الفيلم والأجزاء التالية من الثلاثية، إحياء تراث عريض من أغاني الكباريهات المرحة والمتهتكة، كما سيشهد الفيلم بزوغ نجم نادية لطفي كنموذج جديد لنجمات الاغراء.
1968
فانتازيا جنسية جديدة ستقدمها السينما المصرية في قالب مرح، في فيلم "مطاردة غرامية" لفؤاد المهندس وشويكار. منير شاب ثري يتمنى الارتباط بخطيبته منى، لكنه مصاب بفيتش Fetish جنسي يجعله دائماً منجذب إلى أحذية النساء وأقدامهن. مبكراً تقدم السينما فيتش الولع بأقدام النساء من دون أي إدانة. الفيلم جزء من مسيرة صعود شويكار كإحدى نجمات الإغراء، التي ستطور أسلوباً جديداً، يبرز فيه الصوت الناعم وطريقتها في تقطيع الكلمات والتأوه.
1969
يطل حسين كمال مخرجاً مع عبد الحليم حافظ ونادية لطفي في فيلم "أبي فوق الشجرة". سيحقق الفيلم مبيعات ضخمة، كما سيحقق الرقم القياسي في عدد القبلات، إلى جانب مشاهد الرقص التي تدور معظمها على الشواطئ بين مصر ولبنان.
1971
انفجار وتوسع كبير في معالجة السينما لموضوع الجنس اللبناني، سمير خوري سيقدم فيلم "سيدة الأقمار السوداء"، بطولة حسين فهمى، وناهد يسري. المرأة التي تتخلى عن حبها لكي تضمن حياة غنية مع الثري عادل أدهم، لكنها لا تستطيع السيطرة على شهوتها الجنسية التي تستيقظ حين يصبح القمر بدراً. فتذهب إلى منزل سيدة غامضة، تقيم حفلات جنس جماعي. الفيلم سيشهد تجاوزاً للكثير من الخطوط الحمراء، وظهوراً للنهود والأرداف، ومشاهد طويلة من الجنس الجماعي.
1973
في هذا العام سيعرض فيلم "حمام الملاطيلي"، إحدى أيقونات الأفلام الجنسية في السينما العربية. الفيلم لم يكن صادماً فقط بسبب مشاهد الجنس والعري التي قدمتها شمس البارودي، بل أيضاً لوجود مساحة واسعة لعلاقة مثلية جنسية تظهر بين محمد العربي بطل الفيلم، وفنان تشكيلي يحاول إغواءه. أفلام هذه الفترة ستشهد تكراراً لمشاهد وقصص المثلية الجنسية. بل إن مشاهد الإغراء ستتضمن الكثير من العلاقات المثلية، أبرزها في فيلم "الصعود إلى الهاوية" (1978)، إذ تقوم إيمان سركسيان بإغواء مديحة كامل، لتجنيدها للعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية.
1976
امتدت موجة الانفتاح في معالجة الجنس سينمائياً إلى السينما العربية. في سوريا سيقدم جورج لطفي خوري فيلم "أموت مرتين وأحبك"، بطولة ناجي جبر وإغراء، التي شاركت في كتابة السيناريو مع عبد العزيز هلال. هنا لا كباريهات، ولا ميلودراما تدين الجنس، بل يأتي الجنس في إطار قصة توثيق لطقوس الزواج السورية. أول المشاهد الصادمة، مشهد الحمام، الذي يظهر فيه عدد كبير من النساء وهن عاريات الصدر، ثم مشهد ليلة الدخلة بين إغراء وناجي، الذي قدم بجرأة كبيرة. وفي الوقت نفسه توثيق لدراما ليلة الدخلة بدءاً من رهبة العروس حتى انتظار الأهل للنتيجة في المنديل الأبيض الملطخ بدماء البكارة.
1983
نادية الجندي تبدأ رحلة صعودها نحو لقب نجمة الإغراء الأولى مع فيلم "خمسة باب". عادل إمام ضابط شرطة شريف يتولى مهمة العمل في أحد أحياء البغاء. تتوالى الدراما بانتصار الخير في النهاية. تبدأ نادية الجندي منذ هذه الفترة وحتى نهاية عقد التسعينيات في تقديم أفلام تتحرك تيماتها بين عالم تجارة المخدرات، والجاسوسية، والإرهاب، والانتقام. مع كل فيلم جديد لنادية الجندي كانت تظهر بقميص نوم جديد، يتحول إلى موضة تسعى النساء لاقتنائه. وسينحصر الصراع بينها وبين ونبيلة عبيد، والصراع على الألقاب بين معبودة الجماهير ونجمة الجماهير.
1990
مرة أخرى نعود إلى الحمامات العامة مع المخرج التونسي فريد بو عدير وفيلم "عصفور السطح". في حي شعبي نتتبع بطل الفيلم المراهق في مراحل تحوله إلى الشباب، واكتشاف الرغبة والجسد. أحد الأفلام التي حاولت تقديم معالجة عميقة لمسألة الجنس مع جرأة كبيرة في مشاهد عرض الجسد.
1993
يسري نصر الله مخرجاً للمرة الثانية في فيلم "مرسيدس". الفيلم سيحتوي على مشاهد إغراء قليلة بل أحياناً سخرية مبطنة من فكرة الإغراء الأنثوي، في مشهد ترقص فيه راقصة خلف حجاب لأنها تخجل من مواجهة الجمهور. ويتوسع الفيلم في عرض المثلية الجنسية، فمجدي كامل فنان مثلي منبوذ من طبقته، يفضل الحياة على الهامش مع مشجعي الكرة ومرتادي السينمات الشعبية.
1996
ثلاثي التسعينيات الذهبي عادل إمام، وحيد حامد، وشريف عرفة في عمل كوميدي، هو "النوم في العسل"، حول وباء غامض ينتشر ويصيب الرجال بالضعف الجنسي. وهذا ما يؤدي إلى انتشار الخلافات الزوجية، وتغييرات في بنية المجتمع. يربط الفيلم بين العجز الجنسي والعجز السياسي، يتجسد ذلك في مشهد النهاية حين يزحف الرجال العاجزون إلى مبنى البرلمان وهم يصرخون "آه".
2001
موجة السينما الجديدة التي بدأت في التسعينيات رفعت شعار "السينما النظيفة"، لا قبلات ولا "مايوهات" نسائية. لكن عام 2001 يكسر رضوان الكاشف هذا المشهد الرصين بعدد من القبلات الطويلة والخجولة، في فيلم "الساحر" بين منة شلبي وسري النجار.
2006
بعد غياب بضع سنوات، تعود المثلية الجنسية مرة أخرى إلى السينما المصرية، في فيلم "عمارة يعقوبيان" المأخوذ عن رواية علاء الأسواني التي تحمل الاسم نفسه. خالد الصاوي يقوم بدور صحافي يوقع بباسم سمرة، عسكري الأمن المركزي الفقير مستغلاً حاجاته. للمرة الأولى يشهد الفيلم تقديم وجهة النظر الدينية في المثلية الجنسية في أحد الحوارات بين الاثنين.
2014
بقرار من رئيس الوزراء المصري، تم وقف عرض فيلم هيفاء وهبي "حلاوة روح". قرار رئيس الوزراء رأى أن الفيلم "قليل الأدب". ورغم أن الفيلم لا يحتوي على مشاهد جنسية تتجاوز الخطوط الحمراء، فإن الرقابة رأت في قصته تجاوزاً لخطوط حمراء، بسبب قصة الحب بين مراهق لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره وسيدة ناضجة، هي هيفاء وهبي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون