شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عادات احتفالية فقدها العالم العربي

عادات احتفالية فقدها العالم العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 5 فبراير 201711:43 ص

بورسعيد، غني يا سمسمية

في آخر ليالي الشتاء، والتي يلقبها المصريون بليلة  "شم النسيم"، يقف الحاج محمد الكعب الذي تجاوز السبعين من عمره على باب مقهاه بشارع أبو الحسن في مدينة بورسعيد المصرية، ينظر إلى الجمع الذي اصطف أمام المقهى ليحيي هذه الليلة كعادته. "المؤسف أن لا أحد من الأجيال الجديده بات مهتماً بالحفاظ على أغاني السمسمية" يقول "الكعب" بمرارة.

محمد الكعب هو أحد رجلين في مدينة "بورسعيد" ما زالا متمسكين بإقامة ما يعرف باسم "ضمة السمسمية"، وهي احتفال شعبي جرت العادة أن يحييه الميسورون من أهل المدينة، فيرفعوا الزينة ويستقدموا فرقة لأداء أغاني السمسمية الشعبية في الشارع، بينما يجلس المارّة ليستمتعوا بالأغاني والرقص الفلكوري. تلك العادة أوشكت على الاندثار، ومعها تتلاشى أغاني السمسية، إذ لم يعد أحد من الأجيال الجديدة يهتمّ بحفظ الأغاني الطويلة ذات الايقاع الهادىء.

مظهر آخر من المظاهر الاحتفالية للمدينة الساحلية أصبح هو الآخر على مشارف النسيان، وهو  كرنفال "حرائق الليمبي" أبرز علامات المدينة. دأب أهالي بورسعيد على إقامتها منذ الحرب العالمية الأولى، عندما صنعوا دمى من القش تجسد شخصية "اللنبي"، المندوب السامي البريطاني، عام 1922 وأحرقوها، فأصبحت منذ ذلك الحين تقليدًا يجري كل عام تحرق فيه دمى "لاعداء الشعب". ما إن أصدرت وزارة الداخلية في عهد مبارك قراراً بمنع "حرائق الليمبي" للحفاظ على ما أسمته "الممتلكات والأرواح" وجرّمتها، أخذت الاحتفالية تقلّ شيئاً فشيئاً حتى تلاشت تقريباً. "أحمد فوزي" المخرج السينمائي البورسعيدي يرى أن الفنون والموسيقى تعد باب رجعة في مواجهة المد السلفي الذي انتشر بقوة في المدينة، وغيابهما يؤدي لمزيد من التطرف في ظل أزمة اقتصادية طاحنة وطبيعة محافظة للسكّان.

شرشال، "المنارة انطفأت"

شرشال مدينة جزائرية أمازيغية قديمة، تناوب على حكمها الكثيرون من رومان وبيزنطيين وعرب وفرنسيين. "حينما تذكر شيرشال، تذكر المنارة" هكذا يبدأ حسن قرشي (82 عاماً) حديثه عن شرشال. توارثت عائلة قرشي تنظيم احتفال "المنارة"، في مناسبة المولد النبوي، أباً عن جد. بعد سقوط غرناطة، استقر الكثير من الأندلسيين في "شرشرال" وامتزجت الحضارات في ما بينها، فالتقط سكان المدينة منهم  فكرة "المنارة" التي كانت في الأساس محاكاة للطواف حول الصليب.

"كانت المنارة تشبه قبة المسجد وفوقها هلال ونجمة" تقول "زهيده خاطر" (69 عاماً)، وتضيف "أذكر ونحن صغار أن كل أفراد المدينة كانوا يشاركون في صناعتها خلال الأشهر الأربعة التي تسبق مولد النبيّ، وكان العمل يجري في فناء المسجد العتيق. عند الانتهاء من إعدادها، يجتمع أبناء المدينة -كل أبناء المدينة- بالمسجد في كرنفال شعبي لتنقل المنارة إلى مقر"سيدي عبدالرحمن" -أحد أولياء الله الصالحين- لمدة أسبوع. بعدها يحملها أهالي المدينة لتطوف في شوارع المدينة، وسط الزغاريد، بينما يلقي الناس على المنارة اللوز والسكر والعطر. تنتهي الرحلة في مقام "سيدي ابراهيم الغبريني" على البحر، وتبقى هناك أسبوعاً يبدأ من المولد النبويّ ويسمى أسبوع التلاوة، يقرأ فيه القرأن والسيرة النبوية". عام 1940، سقطت شرشال في أيدي الاحتلال الفرنسي الذي أصدر قراراً قضى بمنع احتفال المولد النبوي، ومعه احتفالية "المنارة"، وحُوّل المسجد الكبير الذي كانت تُجهّز فيه المنارة، إلى مستشفى عسكري لقوات الاحتلال. رغم ذلك، ظلّ أهالي شرشال متمسكين باحتفالية المنارة واستخدموها أداة سياسية لمواجه الاستعمار ودعم حزب "الشعب الجزائري" المطالب بالاستقلال.

لكن "منارة" شرشال التي ظلت متقدة لقرون عدّة أوشكت على الانطفاء اليوم، بعد أن تعرضت لانتقادات من مشايخ الأصولية الإسلامية. مع تنامي المدّ الديني على المدينة، أصبحت تهاجم من على المنابر بوصفها بدعة وثنية وطقساً كنسياً لا يجوز استمراره. الشاعرة الجزائرية حنين عمر ترى أن تواري طقس المنارة مؤقّت ولن يطول. وأن الشعب الجزائري سيتمسك بالمنارة كإرث ثقافيّ وحضاري. ترجّح تراجع هذه الظاهرة الإحتفالية بسبب الأوضاع الأمنية في البلاد، ولكنها واثقة من عوده كرنفال "المنارة" مرة أخرى.

الشايقيية، لا مكان الآن لدس العروس

قبيلة "الشايقية" هي إحدى القبائل الكبيرة شمال السودان التي احتفظت بخصائص وعادات مميزة لها على مرّ العصور. من أبرز تلك العادات طقس "دس العروس"، أي إخفائها. يبدأ هذا الطقس قبل الزفاف مباشرة وبعد عقد القران، وفيه يتم إخفاء (دس) العروس مع صديقتها في أحد المنازل المجاورة وعلى العريس وزمرة من أصدقائه البحث عنها.

يتم ذلك بحضور "مشرفة الطقس" وهي إحدى النساء الكبار في السن من المنطقة. من أهم وظائف مشرفة الطقس أن تختار من من أصدقاء العريس سوف يعاونوه في عملية البحث عن العروس "المدسوسة". عند العثور على العروس بعد رحلة بحث شاقة، يكون باب المنزل مغلقاً فيقوم أصدقاء العريس بإلقاء المال من تحت الباب لصديقات العروس حتى يفتحن الباب الموصود لهم، وسط غناء الطرفين. عند فتح الباب، يدخل العريس ويحمل عروسه جانباً ويطفأ عليهم النور. يبدأ أصدقاؤه في مطاردة صديقات العروس للإمساك بهن، إلى أن تتدخل "المشرفة" لتضيء النور وتنهي الطقس.

أهم عنصر في الطقس بحسب "عبد الرحمن أبو سبيب" المتخصص في الفلكلور السوداني هو السرية التامة، خاصة وأنه يأخذ شكلاً درامياً، ومن أهدافه الأساسية قبول الطرفين أحدهما للآخر.

نتيجة التطور الحضاري وزحف المدنية، فتر هذا الطقس شيئاً فشيئاً حتى توقف تماماً. مع ما يفقده العلم العربي من عادات وتقاليد تميّزه، يبرز السؤال حول ما يمكن اعتماده من وسائل للحفاظ على تراث مجتمعاته المختلفة وطقوسهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image