كان من المفترض أن يحتقل الملايين من أقباط مصر بخمس مناسبات في شهر نوفمبر، أقدمها مولد مار جرجس، من 10 إلى 16 نوفمبر الموافق لأول هاتور حتى السابع منه (وفقاً لتقويم الشهور القبطية). كما كان من المفترض أن يحتفلوا بعيد ميلاد وعيد جلوس آخر بابا لهم، تواضروس الثاني، إضافة إلى عيد ميلاد وعيد جلوس البابا الراحل شنوده.
لكن سيضطر الأقباط إلى التنازل عن حقهم في الاحتفال بسبب الأحداث الراهنة، وما يرافقها من توتر وقلق وأعمال عنف تستهدفهم في الكثير من الأوقات.ففي أواخر شهر أكتوبر الماضي، فتح مسلحون ملثمون النار على كنيسة الوراق أثناء إقامة عرس، مما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة ثمانية عشر آخرين. كانت خالة العروس، أمّ رامي، ترافقها خلال وضع اللمسات الأخيرة قبل الإكليل. وقبل الوصول إلى الكنيسة بلحظات، جاءها الخبر الصاعق بأنها أصبحت أرملة.
تجلس أم رامي متشحة بالسواد في قريتها الكوم الأحمر، متقبلة القدر و”منتظرة العون من يسوع”، لكنها تتسائل كيف يمكن للأقباط أن يمارسوا حياة طبيعية “ماذا يكون شكل الحياة، والواحد منا ينتظر الموت في كل لحظة كما لو كان مطارداً”.
بعد الحادث، أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلغاء كافة المراسم الاحتفالية بمرور العام الأول على القرعة الهيكلية لاختيار البابا أو مناسبة جلوسه، كما بعيد ميلاده. كذلك أعلنت إلغاء الاحتفال بمولد مار جرجس.
تلقى أكبر مجتمع قبطي في شمال أفريقيا (يقدر بنحو 8 ملايين قبطي مصري) خبر إلغاء مولد مار جرجس بأسى كبير. اعتادوا أن يقضوا أيام المولد في خيام ينصبونها على أرض دير مار جرجس بالرزيقات وذلك منذ اعتلاء البابا شنودة الكرسي البابوي في سبعينات القرن الماضي. تبلغ مساحة دير مار جرجس مع ملاحقه المحيطة به 16 فداناً بالإضافة للأرض الزراعية التابعة للدير والتي تبلغ مساحتها 108 فدان، وهي الأرض التي يسمح فيها للأقباط والزائرين بالتخييم وقت الاحتفالات.
يقول القمص أرسانيوس، وكيل دير مار جرجس بالرزيقات، أن الأقباط قد تلقوا الخبر بغضب شديد، لا سيّما الريفيين منهم.
بذل القمص “جهداً كبيراً من أجل إقناعهم أن غضبهم وحزنهم أقل ضرراً من موتهم في حادث إرهابي أو فقدان أولادهم أو ذويهم”. أمام حججه، كانوا يقبلون على مضض قائلين "عندك حق" ويرددون آياتٍ من الكتاب المقدس.
اقتنع الأقباط بحكمة وكيل الدير بحسب خيري عشم، الذي واظب على حضور الإحتفالات على مدار 6 سنوات "بالطبع غضبنا جراء إلغاء الاحتفالية، ولكن كما ورد في الكتاب المقدس "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله من كل قلوبهم".
خيري عشم يعيش في جرجا في محافظة سوهاج، حيث يملك محل ملابس. اعتاد على استئجار محل في أرض مار جرجس لقضاء فترة الاحتفال، فذلك يساعده لـ “يرتقي إلى المستوى الروحي” ويسمح له بكسب رزقه، عبر بيع منتجاته. يشعر بالأسى لإلغاء احتفال هذا العام، لكونه “لن يستطيع أخذ البركة وشفاعة القديسين والشهداء” ولكون بضاعته ستظل حبيسة محله في سوهاج. ولكنه يعود ليبتسم رغم حزنه مردداً مرة أخرى "كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله من كل قلوبهم".
يقدر عدد الحاضرين لاحتفالات مار جرحس سانوياً بحوالي ربع مليون، يأتون من كل محافظات مصر. تقام احتفالات مار جرجس احتفاءً بعيد تكريس أول كنيسة في فلسطين وهي ترتكز على أداء صلوات القداس يومياً وتأدية ما يسمى بـ"زفة الأيقونة"، حيث يقوم الشمامسة بحمل أيقونة الشهيد مار جرجس والسير بها في زفة من باب الكنيسة إلى باب الدير، والعودة مرة أخرى للكنيسة داخل الدير.
سبق أن تم إلغاء احتفالات مار جرجس مرتين. المرة الأولى في عام 1981 إثر اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، واقتصرت الاحتفالات على الزيارة فقط دون التخييم، والثانية عام 2009 لانتشار فيروس انفلونزا الطيور آنذاك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...