ينتظر المصريون يوم 13 أبريل للاحتفال بعيد شم النسيم، المناسبة التي يحتفلون بها منذ نحو 4700 عام محافظين على طقوسها القديم. يقول الدكتور "حامد عيد" مدير مركز دراسات التراث العلمى في جامعة القاهرة إنّ بداية الاحتفال بعيد شم النسيم يعود إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية، وهو يرمز إلى بداية حياة جديدة، وفقاً للجداريات المكتشفة اليوم. ويرى عيد أن المصري القديم تعوّد أن يبدأ صباح هذا اليوم - كما جاء فى البرديات القديمة - بإهداء زوجته زهرة من اللوتس. وكان القدماء يطلقون على هذا اليوم الرسمي "عيد الربيع”، ويجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم ليشهدوا غروب الشمس. يظهر قرص الشمس مقترباً تدريجياً من الهرم حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمته، فتخترقها أشعة الشمس لتبدو واجهة الهرم وقد انشطرت شطرين. وكان الفراعنة يحيون الليلة الأولى، التي عًرفت بـ"ليلة الرؤية”، بطقوس دينية، قبل أن يتحوّل العيد مع شروق الشمس إلى عيد شعبي.
ويشير عيد إلى أنّ الفراعنة أطلقوا على هذا العيد اسم "عيد شموش" أي "بعث الحياة"، وحرِّف الإسم على مر الزمن، لا سيما فى العصر القبطي، إلى أن أصبح “شم"، ثم أضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تُعلن وصوله. يخرج المحتفلون بعيد "شم النسيم" جماعات إلى الحدائق والمتنزهات ليستقبلوا الشمس عند شروقها، حاملين طعامهم وشرابهم، ليقضوا اليوم في الاحتفال. وتتزيّن الفتيات بعقود الياسمين، ويحمل الأطفال سعف النخيل المزيّن بالألوان والزهور، وتُقام حفلات الرقص على أنغام الناي والمزمار والقيثار، تصاحبها الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع. فضلاً عن إعداد المأكولات الخاصة، كتلوين البيض وتجهيز الفسيخ.شم النسيم وأبعاده الدينية
يشير عيد إلى إنّ اليهود أخذوا عن المصريين احتفالهم بهذا العيد؛ فكان خروجهم من مصر، في عهد موسى، مواكبًا لاحتفال المصريين بعيدهم، لئلا يشعر بهم المصريون أثناء هروبهم حاملين ما سلبوه من ذهب وثروات. اتخذوا ذلك اليوم عيدًا لهم، وجعلوه رأسًا للسنة العبرية، وأطلقوا عليه اسم "عيد الفِصْح"، وهو كلمة عبرية تعني: الخروج أو العبور، تيمُّنًا بنجاتهم واحتفالاً ببداية حياتهم الجديدة. أما أن سبب ارتباط عيد شم النسيم بـ"عيد القيامة” فيقول عيد "عندما دخلت المسيحية مصر، جاء عيد القيامة موافقًا لاحتفال المصريين بعيدهم. وبما أن شم النسيم كان يقع أحياناً في فترة الصوم الكبير، حينما كان تناول السمك ممنوعاً على المسيحين، فيما كان أكل السمك من مظاهر الاحتفال بشم النسيم، تقرّر نقل الاحتفال إلى ما بعد عيد القيامة. فكان احتفال المسحيين بـ"عيد القيامة" يوم الأحد، يليه مباشرة عيد "شم النسيم" يوم الإثنين.
مائدة شم النسيم
تحفل مائدة عيد الربيع بالأطعمة المحببة للمصريين مثل "البيض الملون”. بحسب الدكتور "وسيم السيسي" الباحث في علم المصريات، كان البيض يرمز لدى المصريين القدامى إلى خلق الحياة، لذا كان يعدّ أكل البيض في الاحتفال بقدوم الربيع من الشعائر المقدسة، وقد كان المصريون ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد ويضعونه في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو على أغصان الأشجار لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم. أما عادة تلوين البيض بمختلف الألوان، فيشير السيسي إلى أن هذا التقليد المتبع فى جميع أنحاء العالم، بدأ في فلسطين عندما أمر القديسون في الديانة المسيحية بصبغ البيض باللون الأحمر ليذكرهم بدم المسيح، ثم انتقلت تلك العادة إلى مصر، حيث ظهر بيض شم النسيم لأول مرة مصبوغاً باللون الأحمر، وحافظ عليها الأقباط مع ما توارثوه من الرموز والطلاسم والنقوش الفرعونية.
أما وجبة الغذاء في شمّ النسيم، فتتكوّن من السمك المملح بأنواعه المختلفة، وذلك منذ عهد الفراعنة الذين كانوا يعتبرونه رمز الخصوبة، وكانوا يدفنون موتاهم مصحوبين بـ“الفسيخ" اعتقاداً منهم أنهم إذا ما عادوا للحياة فسيجدون ما يأكلونه. ويوضح السيسي أن السمك المملح أصبح جزأً من الأطعمة التقليدية خلال الاحتفال بـ”شم النسيم” لدى الأسرة الفرعونية الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل - نهر الحياة - وقد كان للفراعنة عناية بحفظ الأسماك وتجفيفها وتمليحها.
بقي الفسيخ جزءاً أساسياً من العادات الاحتفالية للمصريين رغم تحذيرات وزارة الصحة المصرية السنوية بتجنب تناوله لما يمثله من خطر على الصحة نتيجة إعداده بطرق غير آمنة، إذ يستخدم بعض الباعة الأسماك الطافية على سطح الماء، التي قد ماتت وتعرضت لأشعة الشمس وبدأت تنتفخ وتتحلل، ليضيفوا إليها كميات غير كافية من الملح ويبيعوها بعد ثلاثة أو أربعة أيام من دون أن تكون قد حظيت بالوقت الكافي للتخمر.
يشكّل البصل الأخضر جزءاً أساسياً آخر من مائدة شم النسيم، وقد بدأ استخدامه لدى الأسرة الفرعونية السادسة حسب ما ورد فى إحدى أساطير مدينة "منف" القديمة، التي تروي أنّ أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد أصيب بمرض غامض، فاستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون الذي نسب المرض إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه. أمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير في فراش نومه عند غروب الشمس. وبحسب الأسطورة، غادر الطفل فراشه وخرج يلعب في الحديقة. فأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة. وعندما حلّ عيد شم النسيم بعد أيام من أفراح القصر، قام الملك وعائلته وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس الذين علّقوا حزم البصل على أبواب دورهم في احتفالات العيد.
وجهة المصريين
تعدّ حديقة الحيوانات في الجيزة الوجهة الأولى لسكان القاهرة الكبرى في هذا اليوم. وتفتح أبوابها كل يوم ما عدا الثلاثاء وسعر تذكرتها خمسة جنيهات (أقل من دولار). يستمتع الزوار بمشاهدة الحيوانات، ويفترشون الأرض لتناول البيض والفسيخ. تفضّل بعض العائلات حديقة الأورمان التي تقع فى الجهة المقابلة لحديقة الحيوانات، وتضمّ أماكن واسعة ونباتات نادرة. بعيداً عن الحدائق، يتجه آخرون الى النيل لركوب الزوارق التي تنتشر على طول الكونيش من ميدان التحرير إلى كوبري عباس. علماً أن الكورنيش يعدّ وجهة الشباب المفضلة.
أما بعض سكان الدلتا والمناطق المحيطة بالقاهرة، فيتجهون إلى القناطر الخيرية التي تمتاز بطابعها الأثري وجوها الجميل. تجتذب القناطر الآلاف من الناس برغم ما تعرّضت له من إهمال رسمي ساهم في تدهور العديد من حدائقها. وفي الأرياف، يتجه الكثيرون الى حقول "الغيط" التي تتحوّل إلى متنزه، مصطحبين أقاربهم ليمضوا يوم العيد كاملاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.