اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في التاسع من الشهر الماضي في لوكسمبورغ مع مسؤولي شركات التواصل الاجتماعي والشركات التقنية مثل غوغل وتويتر وفيسبوك ومايكروسوفت. ناقش المجتمعون سبل "مكافحة التطرف والإرهاب علی الإنترنت". تأتي هذه الخطوة بعد الانتشار الواسع الذي حققته المنظمات الجهادية وتحديداً تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش علی مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل تخوف أوروبي من اعتداءات قد يشنها الجهاديون الأوروبيون المنضمون إلی "داعش" اذا ما قرروا العودة إلی بلدانهم الأصلية.
قد يبدو هذا التحرك الأوروبي متأخراً، خصوصاً أن تنظيم القاعدة يستعين بالإنترنت ووسائل التواصل من أجل الترويج لأفكاره واستقطاب عناصر جديدة منذ أكثر من عقدين من الزمن. ولكن المتابع لتحركات تنظيمي القاعدة وداعش علی الإنترنت سيلاحظ أن الغلبة في هذا المجال للأخير.
تتفوق داعش علی القاعدة في استقطاب عناصر جديدة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. فقد استعان التنظيم بموقعي فيسبوك وتويتر لضم أكثر من 15 ألف مقاتل أجنبي من نحو 81 دولة توجهوا للقتال في صفوفها في كل من العراق وسورية. يضم هؤلاء حوالى 3 آلاف مقاتل من الغرب، وألفاً علی الأقل من أوروبا بينهم نحو 500 من المملكة المتحدة و250 من بلجيكا، بالإضافة الی نحو مئة أمريكي، وفقاً لمسؤولين في منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول).
بروباغندا متطورة
يستفاد من المنضمين الأجانب عبر تحويلهم إلی أدوات للبروباغندا في حروب العالم الرقمي. إذ يقول البروفيسور غابرييل وايمان Gabriel Weimann الذي يتابع نشاط الجماعات المتطرفة علی شبكات الإنترنت منذ أكثر من 15 عاماً، إن "مسؤولي التنظيم يستمرون في مناداة العناصر الأجانب باِسم البلد الذي أتوا منه حتی بعد أن يجندوهم، يضمّونهم للإسلام ويغيرون أسماءهم". وتتركز الإستراتيجية الأساسية لـداعش علی توظيف الحشود واستقطابها لنقل ونشر الفيديوهات والتغريدات والرسائل الإعلامية. إذ ينشئ العناصر الأجانب حسابات جديدة لهم علی كل من فيسبوك وتويتر، وينشرون تغريدات يصفون فيها تجاربهم القتالية ومعتقداتهم، كما يروجون لتغريدات ومنشورات مسؤولين في التنظيم، وهو ما يساعد علی الوصول إلی عدد أكبر من الناس علی عكس تنظيم القاعدة الذي يعتمد علی المنتديات والمواقع المغلقة لنشر رسائله الإعلامية واستقطاب الأعضاء الجدد. وينظم داعش أيضاً حملات هاشتاغ على الموقع لقيت تجاوباً كبيراً مثل حملة "جمعة دعم الدولة الإسلامية" #FridayOfSupportingISIS. إذ طلب التنظيم من مناصريه رفع علم داعش في أي مكان عام ثم تصوير أنفسهم وتحميل الصورة على حساباتهم مرفقة بالهاشتاغ المذكور أعلاه. ووصل عدد التغريدات التي حملت الهاشتاغ الى نحو 20 Hلفاً في يوم واحد.
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً في سبتمبر الماضي توضح فيه الطرائق التي يتبعها التنظيم إلكترونياً لنشر مواده، وأهمّها استنزاف التغريدات النشطة في البلدان الأجنبية لزيادة توزيع الموادّ المتطرفة عبر تويتر ويوتيوب، فضلاً عن نشر مدونات من حسابات سرية. وذكر التقرير أن التنظيم وجد وسائل بديلة لمزاولة نشاطه في حال إغلاق حساباتهم أو حذف فيديواتهم من قبل تويتر ويوتيوب، فيستعين مثلاً بخدمة "جست بيست إت" Just beast it التي يديرها شاب بولندي، وشبكتي "كونتاكت" Contact و"دياسبورا" Diaspora الروسيتين.
يعتمد تنظيم داعش بشكل كبير أيضاً على المواد المرئية من صور وفيديوهات. ويبدو واضحاً أن عناصر التنظيم يستخدمون برامج مثل "الفوتوشوب" وغيرها من البرامج لإدخال التعديلات على هذه الصور ما يظهر حرفية التنظيم ومواكبته آخر التقنيات الجديدة في هذا المجال. وعندما يتعلق الأمر بإنتاج أشرطة فيديو للدعاية والدعوة إلى التجنيد في صفوف التنظيم، يبدو أن داعش تستعين بمتخصصين في صناعة الأفلام العالية الجودة مثل سلسلة فيديوهات نشرها الجناح الإعلامي للتنظيم على موقع يوتيوب تحت اسم موجاتويتس "Mujatweets". تصور الفيديوهات عدداً من عناصر التنظيم أثناء قيامهم بـ"أعمال خير" مثل زيارة المقاتلين الجرحى في المستشفيات أو توزيع الحلوى والمساعدات على الأهالي. وصورت هذه السلسلة من الفيديوهات بتقنية عالية الدقة HD وتمت الاستعانة بالرسوم الغرافيكية والشعارات وتظهر عناوين باللغة الإنكليزية أسفل الشاشة. تحتوي الصور والفيديوهات المحملة من قِبل داعش على الكثير من مشاهد العنف والقتل والذبح مثل فيديو إعدام الصحافي الأمريكي جيمس فولي James Foley ذبحاً، وفيديو رجم امرأة أو فيديو يظهر ذبح الجندي اللبناني عباس مدلج أخيراً يذكر أن التنظيم أيضاً أصدر تطبيقات أو Apps، منها تطبيق "الفجر" لبثّ أخباره عبر الهواتف الذكية، وهو ما وسع دائرة انتشاره.
حملات مضادة
على صعيد متصل، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي حملات مضادة لدعايات داعش للتجنيد. وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أبدى إعجابه بالمسلمين الذين نددوا بالجماعات المتطرفة وحاربوها إلكترونياً. وشكر أوباما في خطابه بالأمم المتحدة مجموعة "أكتيف تشينج فاونديشون" Active Change Foundation البريطانية التي بدأت حملة مضادة لـ"داعش" على تويتر. وتستخدم هذه المجموعة هاشتاغ "ليس باسمي" NotInMyName#، للتنديد بأفعال داعش ووحشيته بقطع الرؤوس والإعدامات. وجرى تداوله عشرات آلاف المرات مع رابط لفيديو على يوتيوب للترويج للحملة التي حققت أكثر من 200 ألف مشاهدة.
تهدف حملة "ليس باسمي" إلى التعبير عن غضب المسلمين من الفظاعات التي يرتكبها داعش بإسم الإسلام، ولإقناع غير المسلمين بأن ما يقوم به داعش لا يعبّر عن الإسلام كدين، حسبما نوهت تدوينات المنخرطين في الحملة. وحسب الـ"نيويورك تايمز"، لقيت تلك الحملة إقبالاً من المسلمين في المساجد في دول عدة، منها فرنسا وألمانيا والنرويج، وقد انطلقوا، تباعاً، في تظاهرات تندد بـتنظيم داعش ومنهجيته وأعماله.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...