لا تأملوا كثيراً
لا يبدو أن جواب المحللين المتخصصين في شؤون الإرهاب يلاقي ذاك الذي يسارع السياسيون إلى تبنيه تحت شعار "حرمان الجماعات من زعاماتها الإيديولوجية وقياداتها الميدانية". ثمة آراء تشكك في قدرة هذه العمليات على التأثير بشكل كبير على عمل المنظمات الإهابية. لم يظهر لدى هؤلاء المحللين ما يثبت أن سياسة "قطع الرؤوس" ناجحة في إضعاف التنظيم.العدناني "صيد ثمين”... ولكن
من ينتقد سياسة التهليل في الحرب على الإرهاب، لا يعني بالضرورة أنه يستخف بمقتل قيادي في سجله ما في سجل العدناني من اعتداءات دموية، سورياً وعربياً وعالمياً. العدناني يعرف بـ"المهندس الرئيسي" للهجمات التي ضربت دولاً عدة من باريس وبروكسل واسطنبول وبنغلادش ولبنان، وفي تجنيد الجهاديين مذ كان مع القاعدة في العراق مروراً بالنصرة وصولاً إلى استلامه منصباً قيادياً في داعش. هو المتحدث الرسمي باسم التنظيم، لكن مسؤولاً في وزارة الدفاع الأمريكية يقول إنه كان "أكبر بكثير" من مجرد متحدث، وتصفه دول غربية بـ"وزير الاعتداءات". هو صاحب التسجيلات الصوتية الشهيرة وفيها الدعوة لقتال "الكفار" حول العالم، وهو "قارئ نهم" للفلسفة والشعر والقصص والفقه، بحسب زميله في داعش "تركي بن مبارك بنعلي"، وهو صاحب المنشورات المتعددة في شكل شعر منظوم أو نثر، منها كتاب "السلسلة الذهبية في الأعمال القلبية" و"معينة الحفاظ" الموجه لحافظي القرآن وقصيدة "القاعدي" للرد على بعض منتقدي "القاعدة". والعدناني سوري من محافظة إدلب، انخرط في الجهاد منذ أوائل الـ2000 أي في عمر الـ23 عاماً حين بايع أبو مصعب الزرقاوي ثم انتقل إلى العراق مع بدء الغزو الأمريكي في 2003، وسجن في العراق خمس سنوات بين عامي 2005 و2010، لكنه استطاع "خداع" الأميركيين والخروج من السجن باسم مزور. يتفق الجميع على خطورة العدناني إذاً، لكن هل يتفقون على توصيف قتله بـ"الإنجاز النوعي" الذي يضرب "داعش" في مقتل؟ لا يبدو الأمر كذلك حتى من قبل باحثين ومراكز يُعرفون بالقرب من مراكز القرار الأمريكية والغربية. في أحد الأبحاث التي قادها، يحذر باتريك جونسون من معهد "راند" الأميركي من أن تكرار الغارات ضد الإرهابيين ليس كافياً لتحقيق الهزيمة. ثمة جانب آخر تغفله الحملة الدولية ضد الإرهاب، هو الجانب السياسي. وعليه، لا يمكن التفرغ تقنياً لضرب الفروع، دون مقاربة جذور الخطاب السياسي للإرهابيين. هنا يصبح الأمر بروباغندا إعلامية تصب في مصلحة الدول الكبرى وسياساتها، ولا تمنع بطبيعة الحال الخطر على المدنيين الذين يعيشون بالقرب من هذه الجماعات.وماذا عن "الامبراطورية الإعلامية"؟
من دون حدود، توسعت "إمبراطورية داعش الإعلامية". قتلُ صحافيين، ذبح معتقلين، حرق الطيار الأردني… في تسجيلات مصورة على مستوى عال من الحرفية. كل ذلك كان للعدناني فيه البصمة الأكبر والدور التأسيسي. لعب العدناني كذلك دوره في تجنيد الشبان (والشابات) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي إلهام الكثير منهم حول العالم في اتباع نهج التنظيم. كل ذلك، تعترف مجلة "فورين بوليسي" بخطورته وأهمية القضاء على مؤسسه. لكن، حسب المجلة، فإن البروباغندا الإعلامية للتنظيم بأذرعها المتعددة باتت من القوة بحيث أنها ستبقى بعد العدناني، وستتابع اللعب على الوتر المذهبي لدى السنة وعلى خوفهم من كل من يحيط بهم. هنا يلعب، بحسب المجلة، الدعم الشعبي دوراً بارزاً في الاستمرار على الرغم من مقتل القيادات. أكثر من ذلك، فإن قتله سيصبح أداة إعلامية جديدة للتنظيم لشد العصب واستقطاب التعاطف. وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها واشنطن أن تسكت البروباغندا الإعلامية للتنظيم، فقبل ذلك قتلت الجهادي جون، وقبله سمير خان المسؤول عن تحرير منشورات إنكليزية تمجد التنظيم، وكذلك قتلت المنظر الإرهابي أنور العولقي.
هنا نذكر ما قاله الكاتب والسياسي الفرنسي الشهير ريجيس دوبريه بعد الاعتداءات الفرنسية، عن صعوبة التغلب على "داعش" بالعسكر فقط. هذه التنظيمات تقاتل باسم الله، ولا يمكن للتحالف الدولي أن يقتل الله. هؤلاء يتغذون في شحذ النفوس على الدعاية العسكرية، وليس أفضل من قتل أحد منهم لتفعيل هذه الدعاية. ينتقد دوبريه الحرب ضد الإهاب بشكلها الحالي، ويقول هذا لا يعني أنه لا يمكن عمل شيء بل من المستحسن تغيير التكتيك العسكري وإلا فالدخول في حرب لا تنتهي مصيرها الفشل.
العدناني يجيب عن السؤال؟
يقول مارتين شيلوف في صحيفة "الغارديان" البريطانية إن 10 قياديين رفيعي المستوى من مجلس الشورى والمجلس العسكري في "داعش" قتلوا في ضربات جوية في الأشهر الـ18 الماضية، إضافة إلى خسارة ما بين 35 و50 ألف مقاتل. لكن "الصوت الذي أشعل ظاهرة الذئاب المنفردة" (أي العدناني)، ترك وراءه أناساً جندهم وأعطاهم القوة، وهذا ما سيؤمن الاستمرار حتى بعد رحيله. ويوضح شيلوف أن من الصعب هزيمة الأيديولوجية في منطقة لم تمنح إلا القليل للطائفة السنية المحرومة من الناحية السياسية، ويحظى التنظيم بجاذبية حتى بين قطاعات وتجمعات لا تشاركه في رؤيته للإسلام. وعليه فإن "إرث العدناني سيكتب أبعد من بلدة الباب في شمال سوريا"، حيث قتلته الضربة الجوية.
يستذكر الكاتب في "الإندبندنت" باتريك كوكبرن ما قاله العدناني نفسه بعد مقتل الزرقاوي "هل تعتقدين، يا أميركا، أن النصر هو بقتل قيادي هنا أو هناك؟". قد يحصل ذلك ويخيب ظن العدناني، لكن ليس في القريب العاجل، بحسب كوكبرن، الذي رأى أن التنظيم يستفيد من التوترات، على قاعدة حرب الذبابة مع الفيل. الذبابة لا تملك سوى أن تزعج الفيل لأنها لا تستطيع هزيمته، فيجن جنون الأخير لتستفيد هي من عدم اتزان حركته في تلك الأثناء، وكذلك يفعل "داعش".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...