القصة أشبه بفيلمٍ اجتماعي مقتبس من الحياة الواقعية، وبطلته سارة ذات الشعر المسدل خصلاً كباقةٍ من السنابل الرامزة للسلام، تتولى مهمة سامية من خلال إعطاء الأمل لعشرات من النساء المسجونات في سجنٍ مظلمٍ من منطقة اسمها بعبدا في لبنان. سارة كما يعرفها الكثيرون هي مؤسسة الماركة الشهيرة والمميزة Sarah’s Bag، التي تصمم حقائب مصنوعة يدوياً تتباهى بها سيدات المجتمع وتحملها المشهورات بأناقة على السجادة الحمراء. ولكن سارة التي ستتعرفون عليها اليوم تتمتع بقلب واسع، وتحتضن أكثر من 200 امرأة وندبة.
القصة بدأت بحقيبة تعود للعام 2000، يوم دخلت سارة للمرة الأولى سجن النساء في بعبدا حاملةً مشروعاً يدعم المرأة خلف القضبان معنوياً ومادياً وعاطفياً. خطر على بالها آنذاك أن تقترح على المرأة التي ترغب في أن تكون مستقلة مادياً في ذلك المكان القاسي، بالعمل على حياكة وتطريز حقائب اليد. وبعد مرور 15 عاماً على حياكة أول حقيبة، أصبحت Sarah’s Bag مرجعاً في عالم الموضة في الشرق الأوسط. اليوم، قررت سارة الاحتفاء بكل امرأة عاشت المر في السجن أو ما زالت، وبكل امرأة فقدت الأمل بعد أعوام طويلة من الظلم.مقالات أخرى:
سنة في سجن النساء
أسوأ السجون في العالم العربي سمعة
Sarah’s Bag تقدم معرض “Woman Rising: from Prisoners to Artisans”، تجربة تفاعلية تحمل الزائر إلى قلب المهمة الاجتماعية التي تقف خلف هذه الماركة التجارية، من خلال عرض لوحات طرزتها حوالي 30 امرأة عشن السجن بكل تفاصيله، وقد عملن مع سارة لأعوام عدة. تخبر تلك الأعمال الفنية الحكايات التي أودت بالنساء إلى ما وراء القضبان، وتتحدث عن رغباتهن وانكساراتهن والأمل الموجود في ذواتهن. مشروعٌ فني نفذته سارة بيضون وفريقها خلال أشهرٍ عدة من العمل المكثف داخل السجن وخارجه، لتحمل تلك الرسالة المطرزة على لوحات إلى أسبوع التصميم في بيروت الذي انطلق في 1 يونيو، وتجمع التبرعات لاستخدامها في تحسين أوضاع سجن النساء في بعبدا، من خلال المؤسسة الخيرية "دار الأمل" التي لطالما دعمت سارة في السجن لتتمكن من مساندة السجينات وتعليمهن المهنة.
زرنا محترف Sarah’s Bag في التباريس الأشرفية حيث يقام المعرض حتى الخامس من الشهر الجاري، وصحبتنا سارة في جولةٍ حميمة عبر قصص وحكايات اللوحات المطرزة والنساء خلفها، وكان لنا معها حوار مستفيض حول السجينات وعملهن والمعرض.
عن السجينات
"السجينات هن مسؤولية كبيرة على عاتقي، إن كن الـ50 امرأة داخل السجن أو الـ150 خارجه، فأنا أعمل من خلالهن ومن أجلهن. أحياناً أشعر بالإرهاق جراء ضغط العمل، ولكن ما إن أفكر في أولئك السيدات ومدى أهمية دوري في حياتهن، حتى أعود لأقف على رجلي كما لو لم أشعر لحظة بالتعب. كل خطوةٍ في Sarah’s Bag مدروسة بتأنٍ ونحن نتقدم بخطى صغيرة لئلا يمس مهمتنا أي مكروه، فالهدف لم يكن يوماً افتتاح العشرات من البوتيكات هنا وهناك في العالم”.
عن السجن
"كنت أقصد سجن بعبدا للنساء على الأقل مرة في الأسبوع في بداية الطريق، ولكن الحالة النفسية التي يضعك فيها ذلك المكان المعتم، تؤثر تأثيراً كبيراً في كيانك. كلٌ منهن تشكو إلي همها وتطلب المساعدة في جميع النواحي وترسلني في مهمات إلى خارج السجن، في وقتٍ كنت أعطي كل ما لدي من طاقة لمساندتهن، لذا كنت كثيراً ما أغادر السجن منهكةً. أنا وأعضاء فريقي نتناوب على زيارة السجن في الأوقات العادية، ولكنني ترددت باستمرار إلى السجن لإعداد هذا المعرض، حتى أستخراج أفضل ما لدى النساء من فن وعاطفة. السجن قاسٍ جداً، ودخوله دون إمكان الخروج منه هو الإحباط بعينه".
عن اللوحات
"اللوحات تمثل النساء وما يخطر في بالهن وأعماقهن وهن في السجن. فهذه المرأة شكت الأمل بدبابيس على اللوحة، وهذه الأخرى طرزت قلب الحب الذي ساعدها على المضي في تجربتها المرة في السجن. وتلك سيدة جسدت الأمل من خلال تطريز شعاع تمثال العذراء، بالإضافة إلى مجموعة من المتطلبات الصغيرة والأمنيات البسيطة التي تفتقدها النساء وهن خلف القضبان، في لوحات مؤثرة عملن عليها جماعياً. عشنا أياماً طويلة في السجن نعصر أفكارنا ونرسم السكتشات مع السجينات ونحاول مراراً مساعدتهن في تحقيق تلك الأفكار المطرزة أمامكم”.
السجينة المفضلة لديها
"أحبهن كلهن وأصبحت لدي علاقة وطيدة مع بعضهن، وخاصة السيدات اللواتي هن من عمري والتي أتشارك وإياهن العديد من النقاط في شخصيتي. ففي النهاية هن آتيات من عائلات مففكة وبيئةٍ غير سليمة، وقد عشن ظروفاً قاسية أودت بهن إلى السجن، بينما أنا كنت محظوظة في الحياة والعائلة، وهذا ما ساعدني على الابتعاد عن تلك الأجواء الصعبة. ما أعنيه أن أياً كان بإمكانه أن ينتهي في السجن لو عاش في بيئةٍ تشبه بيئة أولئك النساء، وهي بيئة لا تخلو من الاغتصاب، والعنف الأسري، والطعن بالآخر...".
عن لوحتها
"لو كان علي أن أطرز لوحة تجسدني من الداخل...". اللمعة التي ظهرت في عينيها لدى التفكير للحظات في لوحتها لو وُجدت، عكست طاقةً تحمل معها الرضا والأمل والسلام الداخلي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...